أدلة ظرفية تربط بين حزب الله ومقتل الحريري.. ورئيس المحكمة الدولية يرفض التعليق عليها

في تقرير لهيئة الإذاعة الكندية شاركت فيه «واشنطن بوست»

TT

كشف ضابط شرطة لبناني ومحققون تابعون للأمم المتحدة النقاب عن أدلة ظرفية واسعة النطاق حول تورط حزب الله في حادث اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، في فبراير (شباط) 2005، طبقا لتحقيق أجرته «هيئة الإذاعة الكندية»، المعروفة اختصارا باسم «سي بي سي».

وتعتمد النتائج التي خلصت إليها لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة على تفحص دقيق لسجلات الاتصالات الهاتفية اللبنانية. وتوحي النتائج أن مسؤولين بحزب الله أجروا اتصالات بأصحاب هواتف جوالة يزعم استخدامها في تنفيذ التفجير الذي أودى بحياة الحريري و22 آخرين أثناء مرورهم بوسط بيروت في موكب من السيارات المصفحة، طبقا لتحليل أجرته عناصر لبنانية وأممية لسجلات الاتصالات الهاتفية اطلعت عليه «سي بي سي» وتشاركت فيه مع «واشنطن بوست». وتعزز هذه الأنباء تكهنات بأن المحقق الدولي ينوي توجيه اتهامات لأعضاء من حزب الله بنهاية هذا العام.

يذكر أن عمل اللجنة، التي انتهت مهلة انتدابها، تم تسليمه إلى المحكمة الخاصة التابعة للأمم المتحدة، التي ستتولى عقد المحاكمات. وكان حسن نصر الله، أمين عام حزب الله - الذي يدعي أن إسرائيل هي من اغتال الحريري - قد أوضح أن جماعته لن تقبل بمحاكمة أي من أعضائها أمام الأمم المتحدة.

وذكر تقرير لـ«سي بي سي» أن دانيال بيلمار، رئيس المحكمة الدولية، رفض طلبا للتعليق على هذه التقارير، فيما امتنع مسؤولون آخرون بمكتبه عن الرد على اتصالات هاتفية. وحذر محام تابع للأمم المتحدة «سي بي سي» من أن المنظمة الدولية ستخطر السلطات الكندية بأن وكالة الأنباء حصلت على وثائق تابعة للأمم المتحدة تتمتع بحصانة خاصة، طبقا لنسخة من الخطاب اطلعت عليها «واشنطن بوست».

وتشكل النتائج الأخيرة تطورا كبيرا في تحقيق استمر لأكثر من خمس سنوات، ووجه في بادئ الأمر اتهامات لسورية ومسؤولين لبنانيين موالين لها. في أكتوبر (تشرين الأول) 2005، أصدر ديلتيف ميليس، محقق ألماني يعمل لدى الأمم المتحدة، تقريرا أشار فيه إلى أن اغتيال الحريري «كان من المتعذر حدوثه من دون موافقة مسؤولين أمنيين سوريين رفيعي المستوى، وكان من المتعذر المضي قدما في تدبيره من دون تواطؤ نظرائهم داخل قوات الأمن اللبنانية». أما خليفتا ميليس، وهما سيرغي برامرتز البلجيكي، وبيلمار مسؤول وزارة العدل الكندية السابق، فلم يكشفا أيا من النتائج التي خلصا إليها، منوهين بأن النتائج ستقدم داخل قاعة المحكمة.

وكشف تقرير «سي بي سي» أيضا عن وثيقة داخلية تخص الأمم المتحدة تشير إلى أن العميد وسام الحسن، المسؤول البارز في الاستخبارات اللبنانية، الذي عمل كهمزة وصل أساسية بين لبنان ومحققي الأمم المتحدة، اعتبره بعضهم مشتبها فيه محتملا في مقتل الحريري. كان الحسن قد تولى الإشراف على أمن الحريري وقت حدوث الاغتيال، لكنه حصل على إجازة يوم الحادث لحضور امتحان بإحدى الجامعات.

وأشارت مذكرة داخلية سرية تخص الأمم المتحدة بتاريخ 10 مارس (آذار) 2008، جرى إعدادها لغاري لويبكي، كبير محققي الأمم المتحدة، إلى أنه بالنسبة للحسن فإن «حجة غيابه ضعيفة وغير متسقة»، وأوصت بـ«التحقيق معه بهدوء» لتحديد ما إذا كان اضطلع بدور في اغتيال الحريري. إلا أن تقرير «سي بي سي» يشير إلى أن إدارة اللجنة «تجاهلت التوصية» الخاصة بالتحقيق مع الحسن.

من جهته، رفض الحسن الحديث إلى «سي بي سي» لمناقشة هذه المزاعم.

كما ينتقد التقرير الأمم المتحدة لإساءتها وضع قطعة حيوية من الأدلة - وهو تحليل معقد لسجلات الاتصالات الهاتفية اللبنانية التي يزعم أنها تحدد الهواتف التي استغلها قتلة الحريري - وذلك خلال الشهور الأولى من التحقيق. أيضا، ينتقد التقرير اللجنة التابعة للأمم المتحدة لفشلها في توفير قدر كاف من الأمن لمسؤول لبناني رفيع المستوى، وهو الكولونيل وسام عيد، الذي قتل بعد مساعدته الأمم المتحدة في حل اللغز المحيط بالجريمة.

كان عيد، وهو طالب سابق لهندسة الحاسب الآلي، قد أجرى مراجعة لسجلات الاتصالات الهاتفية لجميع الهواتف الجوالة التي جرى استخدامها في المنطقة المجاورة لفندق سان جورج، حيث تم تفجير موكب الحريري. وسرعان ما تمكن من تحديد شبكة الهواتف «الحمراء» التي يشتبه في استخدامها في تدبير الحادث. بعد ذلك، أوضح الصلات بينها وبين شبكات أخرى صغيرة من الهواتف الجوالة يشتبه في تورطها في التخطيط للعملية. وتتبع مسار جميع الشبكات حتى وصل إلى خط أرضي يخص «مستشفى النبي العظيم» التابع لحزب الله بجنوب بيروت. وأشار تقرير «سي بي سي» إلى أن «التقرير الذي وضعه عيد تم إدخاله في قاعدة بيانات الأمم المتحدة عن طريق شخص إما أنه لم يتفهم قدر أهميته أو لم يعبأ به بدرجة كافية لمنحه مرتبة أولوية. وقد اختفى التقرير»، طبقا لتقرير «سي بي سي». ومر عام ونصف العام قبل أن يتمكن فريق من المحققين البريطانيين العاملين لدى الأمم المتحدة من اكتشاف تقرير عيد والاتصال به. بعد ثمانية أيام، لقي عيد مصرعه في حادث انفجار سيارة. وأشار تقرير «سي بي سي» إلى أن «لبنان نقل مراسم جنازة عيد تلفزيونيا، وكان هناك غضب عارم داخل لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أيضا، لكنه غضب ممزوج بشعور بالخزي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»