الصومال: البرلمان يفشل في التصويت على منح الثقة للحكومة بسبب خلافات إجرائية

رئيس الوزراء لـ «الشرق الأوسط»: حجب الثقة عن الحكومة سيدخل البلاد في أزمات صعبة وعنيفة للغاية

أعضاء في البرلمان الصومالي يتجادلون أثناء التصويت على الحكومة الجديدة برئاسة محمد عبد الله محمد في مقديشو أمس (رويترز)
TT

وسط أجواء وصفت بالمشحونة، أخفق البرلمان الصومالي أمس في التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة، التي شكلها رئيس الوزراء محمد عبد الله فرماجو الأسبوع الماضي. وأرجأ رئيس البرلمان الجلسة إلى وقت لم يحدده، لعدم التوصل إلى اتفاق حول إجراءات التصويت.

وشهدت الجلسة، مشاجرات وعراكا بالأيدي وتراشقا بالكراسي، بسبب خلاف حاد بين النواب الذين انقسموا إلى فريقين، فريق مؤيد لرئيس الوزراء، وفريق آخر طالب بسحب الثقة من الحكومة الجديدة. وقال رئيس البرلمان شريف حسن شيخ آدم: «إن دوري هو تأمين حسن سير العملية، واقترحت أن نصوت على الثقة في الحكومة باستخدام البطاقة السرية». وقد أثار هذا الاقتراح احتجاجات شديدة ونقاشات محتدمة بين النواب الذين يرغب بعضهم في التصويت برفع اليد. وبسبب عدم التوصل إلى اتفاق أقفل رئيس المجلس في نهاية المطاف الجلسة، من دون إجراء تصويت، ومن دون أن يحدد أي موعد لعقد جلسة مقبلة. لكن غالبية أعضاء النواب رفضوا مغادرة قاعة البرلمان، وأصروا على المضي في عملية التصويت على الحكومة الجديدة لمنح الثقة أو حجبها عنها، وشهدت الجلسة مرة أخرى مشادات كلامية قوية، وقد عمت الفوضى القاعة التي كان البرلمان يعقد فيها جلساته، واضطر رئيس البرلمان شريف حسن شيخ آدم، إلى رفع الجلسة مرة أخرى دون إجراء عملية التصويت.

وقال عوض عشرة رئيس اللجنة الإعلامية بالبرلمان الصومالي، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف فور انتهاء الجلسة: «المعارضون للحكومة منعوا رئيس البرلمان من وضع صناديق التصويت السري في مكانها المعتاد داخل قاعة البرلمان، وحدث هرج ومرج كبير لا يتماشى مع الأجواء المطلوبة لبدء التصويت». ولمح عشرة إلى احتمال أن يعود أعضاء البرلمان للاجتماع مجددا غدا الأربعاء، لحسم مصير حكومة فرماجو بشكل نهائي، مشيرا إلى أن هناك تحفظات كثيرة لمعظم أعضاء البرلمان، على طريقة تشكيل الحكومة وسياستها.

وجاء فشل البرلمان في التصويت على حكومة فرماجو، على الرغم من المناشدة العلنية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص بالصومال، أوغستين ماهيغا، الذي دعا النواب إلى الوحدة والتحلي بروح المسؤولية لتمرير الحكومة. لكن رئيس الوزراء الصومالي محمد عبد الله فرماجو أكد في المقابل لـ«الشرق الأوسط» أنه يتوقع أن يمنح البرلمان الصومالي الثقة لحكومته المكونة من 18 وزيرا فقط خلال التصويت، الذي سيتم على الأرجح يوم الأربعاء، على الرغم من الانتقادات العنيفة التي تعرضت لها لدى مناقشة أعضاء البرلمان على مدى اليومين الماضيين لبرنامج حكومته وهوية أعضائها. وحث فرماجو أعضاء البرلمان على التصويت بشكل إيجابي لصالح تمرير حكومته، معتبرا أن رفض التصويت على حجب الثقة عن الحكومة سيدخل البلاد في أزمات صعبة وعنيفة للغاية.

وقال فرماجو لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة الصومالية مقديشو: «الشعب الصومالي ينتظر موافقة البرلمان على بدء الحكومة لعملها»، مشيرا إلى ضرورة إتاحة الفرصة لأعضاء هذه الحكومة للقيام بمسؤولياتهم الدستورية والسياسية. وأضاف: «نطمح إلى حكومة قوية وفاعلة تستطيع استعادة الأمن والاستقرار المفقودين في البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية الطاحنة قبل نحو 19 عاما».

ويعتقد أن النواب المطالبين بجعل التصويت على الحكومة سريا، يريدون إطاحة الحكومة الجديدة، بدعوى أنها لن تستطيع تحقيق شيء فيما يتعلق بمعالجة الوضع الأمني وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، وينتقدون رئيس الوزراء بأنه لم يراع اتفاق جيبوتي، كما أنه لم يراع نظام «الأربعة والنصف» المعمول به في البلاد لتقاسم السلطة بين القبائل الصومالية الكبرى، ويتهمونه أيضا بإهمال بعض القبائل الصومالية ذات الثقل السياسي، وعدم التشاور معها، على الرغم من أن رئيس الوزراء أوضح أن حكومته مبنية على اتفاق جيبوتي وموافقة نظام الأربعة والنصف.

ولم يحدد رئيس البرلمان موعدا آخر لعقد جلسة البرلمان، لمنح الثقة للحكومة الجديدة، وقالت مصادر برلمانية صومالية لـ«الشرق الأوسط» أمس عقب إنهاء الجلسة: «إن جلسات البرلمان ربما ستكون عالقة خلال الأيام المقبلة، ما لم يحدث توافق وحل سريع لهذا الخلاف بين الطرفين». وكانت حكومة فرماجو الجديدة، التي تضم 18 وزيرا، قد قدمت أول من أمس برنامجها العام إلى البرلمان لمناقشته، ومن ثم منحها الثقة.

وحضر جلسة أمس 348 نائبا من أعضاء البرلمان، الذي يتكون من 550 عضوا، يمثلون القبائل الصومالية المختلفة، ويقيم نحو ثلث أعضاء البرلمان خارج البلاد، ولا يحضرون الجلسات التي يعقدها البرلمان في العاصمة مقديشو.

ويرى المراقبون الصوماليون أن الأزمة الجديدة داخل البرلمان الصومالي، تكرار لسيناريو الأزمة التي اندلعت بين أعضاء البرلمان الصومالي الشهر الماضي، عند إجراء التصويت على منح الثقة لرئيس الوزراء فرماجو، حيث اختلف النواب وقتها حول كيفية إجراء التصويت على منح الثقة لرئيس الوزراء، وانقسموا إلى فريقين، فريق كان يطالب بإجراء التصويت بشكل مفتوح، وبرفع الأيدي، وفريق آخر يطالب بجعل التصويت سريا.

وقال النائب عثمان علمي بوقري: إن رئيس البرلمان طرف أساسي في الخلافات القائمة بين نواب البرلمان، متهما رئيس البرلمان بتعطيل عمل البرلمان. وأقر النائب بوقري أيضا بأن الخلاف أكبر من تباينات حول كيفية إجراء التصويت، سريا أم علنيا؛ لكنه انعكاس للخلاف بين المسؤولين الحكوميين الكبار.

ويتوقع أن تتدخل المحكمة العليا للبلاد في هذا الجدل القانوني، لتفسير الطريقة التي ينبغي أن يصوت بها البرلمان الصومالي لمنح الثقة للحكومة، قبل استفحال الوضع، وتفاديا لتعطيل العملية السياسية والدستورية في البلاد. وشهدت العاصمة الصومالية مقديشو مظاهرات حاشدة، للضغط على أعضاء البرلمان الذين فشلوا في إجراء التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة. وتظاهر المئات من سكان مقديشو، معظمهم من النساء والأطفال، تأييدا للحكومة الجديدة، ولإرسال رسالة ضغط إلى نواب البرلمان الصومالي، وكان المتظاهرون يطالبون أعضاء البرلمان بالموافقة ومنح الثقة للحكومة الجديدة.