أفغانستان حرب لا تنتهي - مخاض أفغانستان (11) : ملابس كرزاي.. صرعة كابل الجديدة

طلاء أظافر وأحمر شفاه.. ونسوة بالبرقع يسرعن الخطى إلى صالونات التجميل ليلة العيد

الرئيس حميد كرزاي يعتمر القراقول (أ.ف.ب)
TT

من يشاهد الرئيس حميد كرزاي في القصر الجمهوري أو القاعة الرئيسية للمؤتمرات الصحافية بوسط العاصمة كابل وهو فرح يعتمر قبعته، التي ليست من النوع العادي فهي تصنع من جلود أجنة الماعز الكشميري (العنز) قبل أن يولد بشهر تقريبا تنهال عليها العصي البشتونية وبكل قسوة حتى تجهض جنينها وتموت ثم يأخذ الجنين ويسلخ وهو حي وفور ولادته حتى تبقى خصلات شعر جلده على شكل دائري وتحتفظ بنسقها الذي اكتسبته داخل بطن أمه.. من يشاهد هذا يتساءل كيف على الرغم من ذلك لم نشاهد ناشطي حقوق الإنسان يعترضون على اعتمار كرزاي لتلك القبعة التي هي نتاج قسوة وممارسة غير إنسانية في حق الحيوان؛ هذا إذا اعتبرنا الرجل من خريجي المدرسة الأميركية ورجلها، التي تراعي حقوق الحيوان أكثر من حقوق الإنسان.

على الجانب الآخر في محلات بيع السجاد والباشمينا والأنتيكات الأفغانية بشارع تشيكن المتقاطع مع شارع شهرانو ويعني «المدينة الجديدة» نجد في الحوانيت الصغيرة إقبالا من السياح وجنود القوات الدولية وموظفي المنظمات غير الحكومية على شراء عباءة كرزاي الخضراء المقلمة وغطاء رأسه واسمه بالبشتو «قراقول» الذي بات صرعة في كابل الجديدة. وقلنسوة كرزاي من جلود أجنة الخراف والماعز ويرتديها في الأساس الطاجيك والأوزبك، ولا يمكن صناعة سوى قلنسوة واحدة من جلد الجنين الواحد، الذي تتم حياكته أولا داخل أسطوانة ثم يتم شده على قالب على شكل رأس منحوت من قطعة من خشب شجر التوت. وأخيرا، تتخذ القلنسوة ذلك الشكل المثلث. وتتخذ القبعات الأغلى ثمنا مظهرا مسطحا وناعما، كما أنها مصنوعة من حرير الموار وزغب المخمل اللذين يتم ترتيبهما في خطوط دقيقة. وفي بعض الأحيان تتم كتابة لفظ الجلالة بتلك الخطوط المصفوفة، مما يجعل تلك القلنسوات ذات أهمية خاصة. وفي بعض المناسبات النادرة، يكتب على القلنسوات باللغة العربية «الكلمة»، أو «لا إله إلا الله محمد رسول الله» مما يرفع من قيمة تلك القلنسوات وسعرها. على أية حال، فإن ذلك لا يعني أن السلطات الدينية ترحب بتلك القلنسوات، وذلك نظرا لأن تلك الأغنام لا يتم ذبحها وفقا للشريعة الإسلامية، وبالتالي، فإن رجال الدين المسلمين يعتبرون أن القلنسوة، بل وحتى لحم الجنين المذبوح من المحرمات. وقلنسوة الرئيس كرزاي هي على النقيض من «الباكول» الذي يعتبر غطاء رأس شعبيا يرتديه عموم الأفغان. والثابت تاريخيا أن «قراقول» كرزاي، أو غطاء رأسه كان يرتديه ملوك أفغانستان مثل الملك أمان الله خان والذين جاءوا من بعده، ويرتدي «القراقول» أيضا أبناء العرقية التركمانية. وعلى الرغم من أن قلنسوة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لا تزال على رأسه أينما ذهب، فإنها لم تعد الرمز الذي كانت تمثله قبل ذلك. كانت تلك القلنسوة المعروفة باسم قلنسوة «قراقلي» المصنوعة من جلود أجنة الحملان أو أجنة الأغنام المعروفة بـ«القراقلي»، يرتديها في الأساس الطاجيك والأوزبك الذين يعيشون في شمالي أفغانستان. ولكن عندما تولى كرزاي (من بشتون الجنوب الذين يرتدون العمامة) منصبه عام 2002، كانت تلك القلنسوة جزءا من محاولته ابتكار مظهر يبدو أفغانيا، لا عرقيا أو إقليميا. وكانت تلك الخطوة قد حظيت بالاحتفاء على نطاق واسع في ذلك الوقت سواء داخل أفغانستان أو خارجها، حتى إن المصمم الأميركي توم فورد أطلق على الرئيس الأفغاني «أكثر الرجال أناقة على وجه الأرض». حيث ساهم الأفغان الذين كانوا يبحثون عن رموز قومية بعد عقود من الصراع العرقي في ازدهار تجارة تلك القلنسوات المصنوعة من جلود الحملان التي تأتي من مزار شريف بالشمال وينتجها مصنعو القبعات في محالهم التي تصطف على جانبي شارع شادو شامشيرا والي في كابل. ويقول منتقدو كرزاي إنه «كان من الأفضل أن يرتدي عمامة. لأن ذلك كان سيصبح أكثر صدقا. ولكنه خدع الأمة، فملابسه ليس لها أي دلالة ولم تعد رمزا لأي شيء. فنحن الآن نشهد سلوكياته التي تعبر بوضوح عن كونه من البشتون». واليوم لم يعد الشباب يرتدون «قراقول» كرزاي السائد في الشمال الأفغاني؛ فقد فضل عبد الله عبد الله، خصم كرزاي الشمالي في الانتخابات الرئاسية، أن يرتدي بذلة ورابطة عنق من دون قلنسوة على الإطلاق، أما نائب كرزاي محمد كريم خليلي فهو يرتدي عمامة بيضاء، وعدد كبير من وزراء كرزاي غير ملتحين ولا يرتدون غطاء رأس. وكان الرئيس كرزاي قد أوضح قبل ذلك في أحد الاحتفالات العسكرية في كابل سبب إعجابه بتلك القلنسوة قائلا: «أحب ارتداء تلك القلنسوة لأنها تحمل طابعا أفغانيا صميما، وبالطبع لا بأس إن بدت أنيقة في الوقت ذاته»، وما زال الرئيس يتلقى كلمات الإطراء، داخل محال القبعات على ذوقه الطيب، كما أنه يعد واحدا من أفضل عملائها. ويبدو أن كرزاي لديه شغف قوي بقلنسوة ««قراقلي»، فإذا ما كانت روايات أصحاب محلات القبعات صحيحة، فإنه اشترى العشرات من تلك القبعة منذ توليه منصبه. فيقول صاحب أحد محلات القبعات في كابل إنه باع لكرزاي 15 قلنسوة «قراقلي» مختلفة الألوان كان معظمها باللون الرمادي الداكن الذي يفضله كرزاي ولكنه باعه أيضا قلنسوة سوداء، وأخرى مرقشة باللونين البني والأبيض. ويضيف: «يجمع الرئيس العادات والتقاليد القديمة معا قائلا للناس: أنا أفغاني، وألتزم بتقاليدي الخاصة. وكان ذلك طيبا بالنسبة له ولنا». يذكر أن قلنسوة «قراقلي» ليست رخيصة الثمن؛ حيث تباع القلنسوة ذات الجودة العالية بمئات الدولارات بل إن بعضها يباع بما يوازي ثلاثة آلاف دولار. وقد تغيرت أفغانستان كثيرا منذ سقوط نظام الطالبان عام 2001؛ فقد أقيمت ثاني انتخابات تشريعية ديمقراطية في البلاد منذ أكثر من 30 عاما في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وأعلنت نتائجها النهائية أول من أمس بعد أسابيع من طول انتظار. كما تمكنت النساء في بعض المناطق من التحرر من البرقع بعد سنوات أمضينها في شبه سجن داخل منازلهن. أما الآن فقد اكتسبن حرية التجول في الخارج من دون رفقة رجل من العائلة، كما اكتسبن حق التصويت والعمل وحتى القيادة، ويمكن للفتيات الذهاب إلى المدرسة، على الأقل في المدن الكبرى مثل «هيرات» وكابل. وبالنسبة للبرقع، فقد تغير الوضع أيضا؛ فقد بات أقصر وأخف وبألوان أكثر تنوعا.. وتحته ملابس حديثة وأصابع بطلاء أظافر.. والتشادور ما زال منتشرا بعد 9 سنوات من إطاحة حركة طالبان الإسلامية المتشددة من الحكم في أفغانستان، فقد غيرت كثير من المظاهر الاجتماعية والثقافية، وباتت أفغانستان أكثر انفتاحا على العالم الخارجي، لكن ظل البرقع الأفغاني الشهير هو الزي السائد خارج العاصمة كابل. فالغالبية العظمى من الأفغانيات ما زلن يرتدينه، غير أنه أصبح أخف وألوانه أكثر تعددا. فمن دون أن ترفع حجابها، كانت سيدة أفغانية تتفحص عددا من البراقع ذات اللون الأزرق معلقة على حائط أحد محلات الملابس في العاصمة كابل. أشارت بيدها إلى عدد من البراقع التي تعددت ألوانها بين درجات الأزرق، والأزرق الداكن، والأزرق القريب من الرمادي أو الفضي، والأزرق الفاتح. كانت تأخذ الواحد تلو الآخر وتجرب ما إذا كان الطول مناسبا. وعلى الرغم من أن هذه السيدة الأفغانية شابة صغيرة، ربما في أوائل العشرينات من العمر، وترتدي البرقع بالفعل، فإنها كانت حريصة على مظهرها بشكل لافت. وأمام صالون تجميل «جميرة» بشارع شهرانو كان هناك عدد من السيدات الأفغانيات اللاتي يرتدين البرقع يسرعن الخطى إلى داخل الصالون ذي الواجهة العريضة ليلة عيد الأضحى (القربان) للتجمل استعدادا لإطلالة العيد. وبعد تسع سنوات على انتهاء حكم طالبان في أفغانستان، هناك فرص جديدة أمام النساء في تلك البلاد، وهناك جهود كبيرة لجعل حياتهن اليومية أفضل، خاصة في العاصمة كابل. وكان تحسين وضع المرأة الأفغانية هدفا مركزيا بالنسبة للسياسة الأميركية. لكن الحديث مع عشرات النساء، أشار إلى أن أي خطوة إلى الأمام تتطلب نضالا شاقا. فالمجتمع الأفغاني يظل متأزما بعمق تجاه فكرة حصول النساء على الاستقلال والسلطة. وكان انبعاث طالبان قد قلب مسار المكاسب للنساء، خاصة في الجنوب. وفي حالة ازدياد نفوذ طالبان فإن ذلك سيؤول إلى تقلص ما كسبته النساء. وهناك نساء يتعلمن قيادة السيارات وبعض منهن تحت إلحاح أزواجهن لمساعدتهم في تسيير شؤون الأسرة. وبعضهن فتحن حسابات مصرفية. وأصبح للنساء حضور في عروض الدردشة الحوارية على شاشات التلفزيون ويقدمن تقارير عن الطقس وأخبارا أخرى. وحسب مذيعة تلفزيونية بمحطة تولو للمنوعات، فإن «ثورة هادئة تجري هنا. لكنني لا أعلم إن كانت ستنجح». ومثل كثير من الشابات الأفغانيات اللاتي يرتدين البرقع، تبدو فتيات متأنقات، يرتدين ملابس متناسقة الألوان أنيقة وصندلا مفتوحا زاهي الألوان. وفي حين كانت تشير شابة أفغانية بيدها للبراقع التي تريد أن تجربها في أحد متاجر «مول صافي لاند مارك»، كانت تكشف عن أصابع مطلية بطلاء أظافر أحمر اللون، وهو ما كان ممنوعا ومن المحرمات أيام الحركة الأصولية سالفة الذكر، وعدد من الخواتم الذهبية تزين يدها، في حين كانت تساوم على السعر مع مالك المحل. وقالت الشابة الأفغانية بخجل من وراء البرقع: «أنا سعيدة بارتدائه.. هذه هي الثقافة الأفغانية»، وفي حين أخفى البرقع وجهها، لم يخف كل عينيها التي كانت تلمع من وراء الثقوب الصغيرة التي تتيح التنفس والنظر. وعلى الرغم من الحقوق التي نالتها النساء في أفغانستان بعد الإطاحة بنظام طالبان الأصولي المتشدد منذ 9 سنوات، ومن بينها حرية الخروج في الشارع والأماكن العامة من دون مرافقة أحد رجال الأسرة، مثل الأخ أو الأب أو الزوج، فإن غالبية النساء ما زلن يفضلن ارتداء البرقع الذي كان مفروضا بأمر القانون خلال حكم طالبان، ولم يعد الآن لبسه إجباريا. لكن صناعة البرقع تختلف اليوم عما كانت عليه قبل أعوام، خاصة في ما يتعلق بصبغ البرقع وخياطته، فاليوم حلت محل القطن منسوجات أخرى مستوردة لا تفقد شكلها أو لونها عند الصبغ، وبالتالي لا تحتاج إلى إعادة صبغ. وغالبية البراقع في أفغانستان زرقاء اللون، ولا أحد يعرف على وجه الدقة لماذا اللون الأزرق بالذات، لكن في مدينة مزار الشريف بشمال أفغانستان يوجد البرقع الأبيض، وفي بعض محلات كابل توجد براقع خضراء اللون، وصفراء وحمراء لكن غالبيتهم يباع كهدايا تذكارية للأجانب. وعلى خلاف البرقع الطويل الذي كانت الأفغانيات يرتدينه، بات البرقع الذي ترتديه النساء الأفغانيات اليوم، أقصر في الطول وألوانه أكثر تنوعا، وغالبيته يغطي الرأس والرقبة والكتفين والصدر، مما يجعله عمليا ومريحا، كما يعطي علامة على التحرر النسبي الذي باتت الأفغانيات يتمتعن به في المجتمع. وتتمسك كثير من الأفغانيات بارتداء البرقع ويشعرن أنهن لا يستطعن المشي في الشارع من دونه، لأنهن تعودن عليه، كما ترتديه بعض النساء لإظهار معارضتهن للتشبه بالغرب في تقاليده وثقافته. وهناك نساء أخريات يلبسن ما يشبه التشادور الإيراني الطويل الذي يصل إلى الركبة، غير أنهن لا يغطين وجوههن. أما غطاء الرأس فيكون عادة من القطن أو الصوف. وفتيات المدارس الصغيرات السن يرتدين غطاء رأس فاتح اللون لامعا. لكن البرقع يبقى هو الزي الأساسي في المناطق المحافظة التي يعيش فيها البشتون، أكبر تجمع عرقي في أفغانستان، الذين يتمركزون على الحدود الشمالية الغربية لباكستان. ففي بلدة قندهار الجنوبية، لا تخرج النساء وحدهن في الشوارع، بل إنهن لا يخرجن عموما خارج منازلهن. ففي هذه المنطقة المحافظة حيث ما زال لطالبان نفوذ اجتماعي وعسكري، من العار والمشين أخلاقيا والمخالف للإسلام أن تخرج النساء وحدهن. لكن مع ذلك تتجرأ بعض النساء على الشكوى من تأثير البرقع، فهو يصعب التنفس، ويزيد الإحساس بالحرارة، وإن كان من مزاياه أنه يمنع التحرش بالنساء في الشوارع. وتقول أم في الأربعينات من عمرها إنها تشعر بألم في جبهتها بسبب البرقع الثقيل. وقالت لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «جبهتي كانت تؤلمني.. لذلك عدت إلى ارتداء التشادور الآن.. زوجي لم يستطع أن يعترض لأن البرقع كان يسبب لي ألما». شاه فالي، الذي يعمل في مصبغة صغيرة وكان يقوم بصبغ ما بين 250 إلى 300 برقع كل أسبوع قبل أن يسيطر «برقع هيرات» أو برقع البلوستر، بات اليوم يقوم فقط بصبغ 5 براقع في الأسبوع. وهو يشتكي من أن مهنته تتقلص يوما بعد يوم، ويتمني أن يقوم بمبادلة مصبغته بسيارة أجرة ورخصة قيادة لكسب عيشه. ويساعد فالي في عمله ابنته حنيفة التي تقوم بكي البراقع، وتكسب «10 أفغاني» (20 سنتا أميركيا) على كل برقع تكويه وهو ما يأخذ في المتوسط نصف ساع كاملة، لكيّ كل الطيات. وتريد بعض النساء التوقف عن لبس البرقع، لكن هذا صعب جدا. وهذه التقاليد الاجتماعية هي التي لها الغلبة في النهاية، فالشيخ خاجا أحمد صادقي أمام أحد الجوامع في شمال كابل قال إن البرقع ليس لباسا إسلاميا، موضحا في إحدى خطبه أنه إذا أرادت المرأة أن ترتدي البرقع فهذا يرجع لاختيارها الشخصي، لكن إذا أجبرها أحد على ارتدائه فهذا مخالف للإسلام. وفي متاجر شارع تشيكن ستريت وفي مولات كابل الجديدة هناك إقبال أيضا على شراء «الباشمينا»، وهي من أفخر الصوف الذي يستعمل للمنسوجات في الهند والعالم اليوم و«الباشمينا» (الباشم، تعني الصوف بالفارسية) Pashmina، ومصدره الشعر الناعم الذي يجزّ من نوع من ماعز الجبال.