حرب إلكترونية وقانونية بين أنصار أسانج وحكومات ومؤسسات مالية

واشنطن تدرس خيارات قانونية وأستراليا تؤكد أن أميركا مسؤولة عن التسريب ونجل مؤسس «ويكيليكس» يدعو لمحاكمة عادلة

TT

بينما تدرس وزارة العدل الأميركية حاليا بالفعل إمكانية مقاضاة جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس»، المحتجز حاليا في لندن بموجب مذكرة اعتقال سويدية في اتهامات بالاغتصاب، قام أنصاره بحملة تعبئة على أمل إطلاق سراحه، بينما قام قراصنة بشن هجمات إلكترونية على النيابة السويدية ومؤسسات مالية أوقفت حسابات «ويكيليكس» ومؤسسها. ولقي أنصار أسانج دعما قويا يتمثل بشخص المحامي الأسترالي البريطاني جيفري روبرتسون الذي وافق على الدفاع عن أسانج. وكان من أهم موكلي هذا المدافع الشرس عن حقوق الإنسان سلمان رشدي الكاتب الذي أصدر مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني فتوى بإهدار دمه.

وطال هجوم إلكتروني، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، موقع محامي السويديتين اللتين ادعيتا على أسانج بتهمة «الاغتصاب والاعتداء الجنسي» ورسائله الإلكترونية.

كما تعرضت شركة «بوستفايننس» للخدمات المالية للبريد السويسري لهجمات معلوماتية متواصلة منذ أن أغلقت حساب جوليان أسانج قرصان المعلوماتية.

وأعلن «قراصنة» على موقع «تويتر» أمس أنهم «عطلوا» موقع بطاقات الدفع (ماستر كارد) التي كانت جمدت كل التعاملات مع أسانج. وقد تعذر دخول الموقع «ماستركارد.كوم» صباح أمس.

ويعتمد أسانج على دعم عدد كبير من مستخدمي الإنترنت. وقال محاميه مارك ستيفنز، أول من أمس، إن الهجوم المضاد سيجري على الإنترنت «وسيتحول إلى هجوم فيروسي أي معمم».

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ووسائل إعلام أخرى أن أشخاصا اخترقوا الموقع الإلكتروني لشركة «ماستر كارد» لبطاقات الائتمان ردا على ما يبدو على وقفها التبرعات لموقع «ويكيليكس».

ولم يتسن الحصول على رد فوري من «ماستر كارد» حسب «رويترز» كما أن موقع الشركة على الإنترنت لا يعمل.

وفي وقت سابق من الأسبوع هدد ناشطون على الإنترنت يطلقون على أنفسهم «مجهولون» بشن هجمات على شركات خدمات مثل «باي بال» للدفع عن طريق الإنترنت التي عطلت حساب «ويكيليكس».

وأعلن محام أسانج أنهم سيقدمون طلبا جديدا لإطلاق سراحه في 14 ديسمبر (كانون الأول) بمناسبة مثول موكلهم أمام محكمة وستمنستر التي ستحدد الرد على طلب تسليمه.

لكن يمكن أن تمضي أشهر قبل تسليمه فعليا بسبب إمكانيات أن يطعن في القرار مرات عدة. ويقوم أنصار أسانج بتعبئة لا سابق لها منددين بما يعتبرونه «تسييسا» للقضية. وقد رأوا أن أسانج يدفع ثمن كشف موقعه لآلاف البرقيات السرية الأميركية، محدثا زلزالا دبلوماسيا. وكتبت صحيفة «التايمز» البريطانية أنه «يجب عدم تحويله إلى ضحية في قضية لا علاقة لها إطلاقا بحرية التعبير».

وأكد وزير الخارجية السويدي كارل بيلت، أمس، أنه لم تجر اتصالات بين ستوكهولم والولايات المتحدة بشأن تسليمه.

وخرج دانيال أسانج نجل جوليان عن صمته ليطلب عبر «تويتر» من ملبورن محاكمة عادلة «وغير مسيسة» لوالده الذي لم يره منذ عشرين عاما.

وكتب الشاب على صفحته على موقع «تويتر» للمدونات الصغيرة مساء الثلاثاء: «لنبذل جهدنا حتى نضمن لوالدي معاملة عادلة لا سياسية».

وأضاف: «آمل أن لا يكون ذلك مجرد مرحلة تمهد لتسليمه إلى الولايات المتحدة». لكنه لفت إلى أن «سلوك القضاء السويدي لم يكن مشجعا تماما حتى الآن»، مشككا في إمكانية أن يعامل والده بشكل عادل. كما نفى أن يكون تسريب آلاف البرقيات الدبلوماسية الأميركية عملا إجراميا.

وقال: «في هذه الحالة فإن أي صحيفة نشرت برقيات أو مقاطع تعتبر مذنبة أيضا».

وأمضى مؤسس «ويكيليكس» - الذي يدفع ببراءته - ليلته الأولى في سجن لندني بعدما رفض القضاء البريطاني طلب الإفراج المشروط عنه.

في غضون ذلك ألقت الحكومة الأسترالية باللوم أمس على الولايات المتحدة وليس جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس» الإلكتروني في الكشف عن 250 ألف برقية دبلوماسية سرية. وقالت إن من سربوا الوثائق أصلا هم المسؤولون من الناحية القانونية.

وقال وزير الخارجية الأسترالي كيفين رود إن التسريبات أثارت تساؤلات حول كفاءة إجراءات الأمن الأميركية لحماية البرقيات.

وأضاف في مقابلة مع «رويترز»: «السيد أسانج ليس هو المسؤول بنفسه عن نشر 250 ألف وثيقة دون إذن من شبكة الاتصالات الدبلوماسية الأميركية». وتابع: «الأميركيون هم المسؤولون عن ذلك». والمصدر الرئيسي للتسريب غير معروف لكن سلطات عسكرية اتهمت جنديا أميركيا يدعى برادلي مانينغ كان يعمل محللا للمخابرات في العراق بنقل أكثر من 150 ألف برقية تخص وزارة الخارجية الأميركية من جهاز كومبيوتر على اسطوانة مدمجة.

ولم يؤكد مسؤولون أميركيون إن كانت هذه البرقيات هي التي نشرها موقع «ويكيليكس».

وقررت محكمة بريطانية أمس استمرار احتجاز أسانج بسبب مزاعم ارتكابه جرائم جنسية في السويد.

وقال رود: «أعتقد أن هناك تساؤلات حقيقية يجب أن تطرح بشأن كفاءة الأنظمة الأمنية (للأميركيين) ومدى إمكانية الوصول إلى هذه المادة على مدى فترة طويلة. المسؤولية الرئيسية وبالتالي المسؤولية القانونية تقع على الأفراد الذين قاموا بالتسريب غير القانوني أولا». وقال: «هناك تساؤل منفصل وثانوي.. وهو المسؤولية القانونية لمن نشروا هذه المعلومات سواء كانت (ويكيليكس) أو (رويترز) أو أي جهة أخرى». وذكر رود أمس أن أستراليا ستقدم الدعم القنصلي لأسانج فيما يتعلق بمحاكمته الحالية في بريطانيا واحتمال ترحيله إلى السويد. وعبر وزير الخارجية الأسترالي أيضا عن مخاوفه من أي تهديدات لأسانج الذي يقول إنه تلقى تهديدات بالاغتيال.

وقال رود: «نحن قلقون بشأن سلامة وأمن كل الأستراليين. يجب أن لا يتعرض الناس لمثل هذه التهديدات». وأصبح أسانج العدو الأول في واشنطن، منذ أن بدأ في نشر البرقيات السرية على موقعه «ويكيليكس». وعلق وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس على خبر اعتقاله أثناء وجوده في أفغانستان في زيارة مفاجئة بأنه «خبر سار».

ونأى دانيال أسانج بنفسه عن الإعلام، وقد تلقى تهديدات بالقتل بحسب ما أفاد محامو والده.

وقالت كريستين أسانج والدة جوليان أسانج إن ابنها ابتعد عن عائلته لحمايتها بسبب نشاطاته وشهرته المتزايدة.

وفي واشنطن، تفكر وزارة العدل الأميركية، التي تدرس حاليا بالفعل إمكانية مقاضاة جوليان أسانج وكيف ستقاضيه، فيما هو أبعد من مقاضاته بموجب قانون التجسس الصادر عام 1917 إلى مقاضاته بتهمة ارتكاب جرائم أخرى محتملة تشمل التآمر أو الاتجار في ملكية مسروقة وفقا لمسؤولين مطلعين على التحقيقات حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز». واعترف المدعي العام إريك هولدر خلال الأسبوع الحالي بوجود مشكلات فيما يتعلق بقانون التجسس، الذي صدر خلال فترة الحرب العالمية الأولى والذي يحظر الامتلاك والنشر غير المرخص لمعلومات تتعلق بالأمن القومي. ولكنه أشار إلى أن المدعين الأميركيين كانوا يدرسون قوانين أخرى فيما يتعلق بالسيد أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس» الإلكتروني. وخلال الأسبوع الماضي، بدأت صحيفة «نيويورك تايمز» وأربعة مؤسسات صحافية أخرى، في نشر مقالات تعتمد على سجل مكون من ربع مليون برقية سرية تابعة لوزارة الخارجية الأميركية، حصل عليها موقع «ويكيليكس» وأتيحت لهذه المؤسسات الصحافية. وبعدما نشر موقع «ويكيليكس» دفعة من الوثائق الحكومية تتعلق بالعراق وأفغانستان في شهر يوليو (تموز) الماضي، ذكر كل من هولدر ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، روبرت مولر الثالث أن هذه التسريبات يتم التحقيق فيها. وقال أسانج إن مسؤولي الولايات المتحدة كانوا قد حذروا مؤسسته من قبل بأن هناك «أفكارا حول ما إذا كان يمكن اتهامي بأنني متآمر مشارك في أنشطة جاسوسية، وهي تهمة خطيرة». وقد استخدم المدعون قانون التجسس في إدانة مسؤولين سربوا معلومات سرية، ولكنهم لم ينجحوا في إدانة أي مستقبل للتسريبات مرر هذه المعلومات فيما بعد، ولم تحاول وزارة العدل مطلقا مقاضاة أي صحافي - وهو الوصف الذي خلعه أسانج على نفسه - في ظل أي إدارة جمهورية أو ديمقراطية. وقال السيناتور جوزيف ليبرمان، عضو مجلس الشيوخ المستقل عن ولاية كونتيكت، أول من أمس، لشبكة «فوكس نيوز» الإخبارية الأميركية إنه يعتقد أن صحيفة «نيويورك تايمز» يجب أن يتم التحقيق معها مع موقع «ويكيليكس»، رغم أنه حذر من أن: «هذا الموضوع حساس جدا لأنه يتعلق بحرية التعبير في الولايات المتحدة». وتابع ليبرمان: «أعتقد بكل تأكيد أن موقع (ويكيليكس) قد انتهك قانون التجسس، ولكن ماذا عن المؤسسات الإخبارية إذن - بما في ذلك صحيفة (نيويورك تايمز) - التي قبلت هذه الوثائق ووزعتها؟». وأضاف: «أرى أن صحيفة (نيويورك تايمز) ارتكبت على الأقل تصرفا سيئا فيما يتعلق بالمواطنة، وفيما يعتقد بما إذا كانت الصحيفة قد ارتكبت جريمة من عدمه، أعتقد أن هذا الأمر يستحق أن تجري وزارة العدل تحقيقا موسعا جدا بخصوصه». وقال مسؤول حكومي مطلع على التحقيقات إنه قد يتم تسهيل معاملة موقع «ويكيليكس» بشكل مختلف عن الصحف إذا عثر المراقبون على أي دليل يشير إلى أن أسانج قد ساعد مسرب الوثائق، الذي يعتقد بأنه محلل استخباراتي منخفض المستوى في الجيش الأميركي؛ مثلا عبر توجيهه بالنظر إلى أشياء معينة وتقديم مساعدة تقنية. وإذا كان أسانج قد تعاون في عملية الإفشاء الأصلية للمعلومات، يمكن للمدعين أن يتهمونه بالتآمر في عملية تسريب ضمنية، وما يجنبهم النظر في مسألة ما إذا كانت عمليات النشر المتتالية للوثائق قد شكلت جريمة جنائية منفصلة. ولكن بينما يبحث المحققون عن هذا الدليل، ليس هناك أي إشارة عامة تشير إلى أنهم قد عثروا على أي دليل. وفي نفس الوقت، درس مسؤولون في وزارة العدل أيضا ما إذا كان يمكن اتهام أسانج وموقع «ويكيليكس» بالاتجار في ملكية حكومية مسروقة، حسبما ذكر مسؤول حكومي آخر على اطلاع بالتحقيقات وفقا لـ«نيويورك تايمز». ولكن ثمة باحثون يقولون إنه قد تكون هناك صعوبات قانونية بخصوص هذا التوجه أيضا، لأن الوثائق المسربة هي نسخ مصورة من ملفات ما زالت بحوزة الحكومة الأميركية، وليست أشياء مادية ضائعة من خزائن ملفاتها. وهذا يعني أنها مغطاة بموجب قانون الملكية الفكرية، وليس قانون الملكية العادية. وقال جون بالفري، أستاذ القانون بجامعة هارفارد، المتخصص في قضايا الإنترنت والملكية الفكرية: «هذه المسألة تتعلق بالسرقة بشكل أقل من تعلقها بالنسخ». ويجرم قانون الملكية الفكرية النسخ غير المرخص لأنواع معينة من المعلومات التجارية مثل الأسرار التجارية أو ملفات الموسيقى والأفلام والبرمجيات المغطاة بحقوق النسخ. ولكن هذه الفئات لا تبدو أنها تغطي وثائق حكومية، لا يمكن أن تتمتع بحقوق النشر بموجب القانون، والتي لا يوجد لها أي سوق تجارية عادية. وقد تلقى أسانج تسريبات لمعلومات عن القطاع الخاص أيضا. وقد أشار، على سبيل المثال، إلى أن خطوته التالية قد تكون نشر نسخة من محتويات قرص صلب يخص مسؤولا تنفيذيا في مصرف، يبدو أنه بنك أميركا. وإذا فعل ذلك، يمكن أن تختفي بعض المشكلات المرتبطة بمحاولة العثور على طريقة لمقاضاته بتهمة توزيع وثائق حكومية مسربة. وأعمال الشخص في القطاع الخاص تتمتع بحقوق النشر بشكل تلقائي، ويمكن النظر إلى الوثائق البنكية على أنها أسرار تجارية. وقال جيمس بويل، أستاذ القانون في جامعة ديوك، والمتخصص في قضايا الملكية الفكرية والمسائل العامة: «إذا كان لديك نشر واسع النطاق لسجلات إحدى شركات القطاع الخاص، قد يكون هناك نوع من الجدل بوجود قضية تشبه التجسس التجاري». ومع ذلك، فسوف يكون هناك بعض العقبات؛ حيث يمكن أن يدعي أسانج، على سبيل المثال، بأنه توزيعه للملفات كان مسموحا بموجب فقرة «الاستخدام المقبول» التي تمثل استثناء لقانون حقوق النشر، وأن هذا التوزيع لم يكن لغرض تحقيق مكسب مالي. ولكن «الاستخدام المقبول» لا يسمح بعمليات النسخ الواسعة؛ ويمكن أن يجادل المدعون بأن مؤسسته كانت تجمع أموالا من أنشطتها. ومع ذلك، حذر بويل من أن قانون الملكية الفكرية ليس مصمما بشكل جيد لمقاضاة ما يفعله موقع «ويكيليكس». وقال بويل: «السبب الذي يجعل الناس محبطين بشأن هذه القضية لا يتعلق بالسرقة التجارية أو إساءة استخدام التصريحات الأصلية الخرافية لمسؤولين أميركيين. أعتقد أنها الأداة الخاطئة. ويمكن أن تلاحق آل كابوني وتغرمه بتهمة التهرب الضريبي بدلا من ملاحقته بتهمة صناعة ونقل المشروبات الكحولية بشكل غير قانوني».