طهران: السياسة الخارجية يحددها المرشد والرئيس.. والخارجية مجرد منفذ

المحافظون يعتبرون طريقة إقالة متقي اهانة علنية

المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانباراست يتحدث لوسائل الإعلام في المؤتمر الصحافي أمس (رويترز)
TT

أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست أمس أنه من المستبعد حدوث تغير في السياسة الخارجية التي تتبناها بلاده عقب الإقالة المفاجئة لوزير خارجيتها منوشهر متقي. وقال مهمان باراست إنه «يتم تحديد السياسات الخارجية الأساسية لإيران على مستوى أعلى، وليس على وزارة الخارجية سوى تنفيذ هذه السياسات. لذا، لن تكون هناك تغييرات جوهرية». وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد أقال متقي أول من أمس بشكل مفاجئ بينما كان الأخير في زيارة خارجية للسنغال، وعين مكانه أحد المقربين منه وهو رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، بصفة مؤقتة. وفي حين لم يتم الكشف عن أسباب هذا التغيير المفاجئ، قال مهمان باراست إن إجراء مثل هذه التغييرات داخل الحكومة، أمر عادي. ولم يعط أي تفسيرات لهذا القرار، الذي اتخذ في ظرف عادت فيه طهران للمحادثات مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي مطلع الشهر الحالي في جنيف بعد توقف دام عاما.

غير أن مراقبين للوضع الإيراني كانوا قد ذكروا أن إقالة متقي تأتي في سياق الخلافات بين الرئيس الإيراني ووزير خارجيته المقال على خلفية معارضة الوزير المقال لمحاولات الرئيس نجاد إقامة ما سموه «دبلوماسية موازية» تكون شريكة لوزارة الخارجية في السياسات الخارجية وتسند إلى مجموعة من المستشارين المقربين من نجاد، الأمر الذي عارضه متقي. ويرى المراقبون أن نجاد يسعى من خلال هذه الإقالة إلى إحكام السيطرة على السياسات الخارجية لإيران عن طريق تعيين شبكة من الدبلوماسيين والمسؤولين الموالين له في السياسة الخارجية والملف النووي الإيراني.

وحسب مصادر إعلامية في طهران، فإن الخبر الذي وصف بـ«المهم جدا» شكل مفاجأة للإيرانيين في هذا الوقت بالذات.

وبينما وصفت صحيفة «ابتكار» الإيرانية أمس متقي بأنه كان آخر المحافظين التقليديين في حكومة أحمدي نجاد، لم يكن واضحا أمس ما إذا كانت الإقالة ستؤدي إلى توتر بين أحمدي نجاد والمرشد علي خامنئي صاحب السلطة الأعلى والذي تصادم مع الرئيس الحالي سابقا حول تعيينات سياسية. وفي إشارة إلى عدم رضا المحافظين كتب حسين شريعت مداري رئيس تحرير أكبر الصحف الإيرانية المحافظة والمقرب من المرشد، قائلا إن الطريقة التي نفذت بها إقالة متقي تعد «إهانة علنية»، حيث إن الإقالة تمت أثناء قيام وزير الخارجية بمهمة رسمية في السنغال. وقال مسامح طرفيه من كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية لـ«رويترز» إن متقي كان الوحيد الذي لا ينتمي إلى المجموعة المحيطة بأحمدي نجاد وكلها قادمة من الحرس الثوري.

وقال شريعت مداري إن خلافات متقي مع الرئيس لم تسوَّ أبدا، مشيرا إلى إيفاد أحمدي نجاد مدير مكتبه اصفنديار مشائي إلى الأردن لتسليم رسالة إلى العاهل الأردني، ويبدو أن متقي احتج على ذلك.

ووصف أحد محرري صحيفة «طهران إي إمروز» المحافظة الإقالة بأنها «غير مبررة، حيث إنها تؤدي إلى إضعاف العمل الدبلوماسي للبلد» وأضاف متسائلا: «ومن الذي يضمن أن الذي يخلفه لن يلقى المصير نفسه» ويرى مراقبون أن مهمة أحمدي نجاد ستكون بالغة الصعوبة عندما يقرر اختيار من يحل محل متقي بشكل دائم، حيث سيتحتم عليه الحصول على موافقة المشرعين في البرلمان الذين يعارضون بعض سياسات نجاد الاقتصادية بشكل خاص.

وقد تؤدي الإقالة إلى مواجهات جديدة بين أحمدي نجاد ومعسكر في المحافظين أصحاب الولاء القوي لخامنئي والذين يقودهم في البرلمان علي لاريجاني وينتقدون سياسات الرئيس خاصة في الاقتصاد وحصره السلطة بمجموعة قليلة من المقربين له. وتركزت انتقادات هذا الفريق حتى الآن على طريقة الإقالة، فقد صرح هاشمت الله فلاحي بيشاه عضو اللجنة البرلمانية للأمن القومي والسياسة الخارجية القوية بأن الإقالة تعد «منافية للتقاليد» وأن المشرعين ينتظرون تبريرا من الرئيس نجاد لما حصل، حتى إن عضو اللجنة إسماعيل كوثري، الذي يعد أحد المقربين من نجاد، قال: «لا أؤيد الطريقة التي أقيل بها السيد متقي».

وكانت وسائل إعلام إيرانية قد أوردت قبل بضعة أشهر تلميحات عن استقالة متقي بسبب خلافات مع الرئيس الإيراني على خلفية تعيينه مبعوثين خاصين له إلى بعض الدول من دون التنسيق مع وزارة الخارجية، لكن متقي نفى آنذاك صحة تلك الأنباء. وبموجب الدستور الإيراني، يتولى مسؤولية تحديد سياسات الدولة كل من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، ورئيس البلاد، أما وزارة الخارجية فليس عليها سوى تنفيذ القرارات. وأوضح مهمان باراست أنه لن يكون هناك تغيير في السياسة النووية لإيران أيضا، قائلا إن طهران ستلتزم بـ«اتفاق التعاون المتبادل» الذي جرى التوصل إليه الأسبوع الماضي مع المفاوضين الدوليين في جنيف، «ما دام أن الجانب الآخر لم يتبن تغييرا، ولم تتم ممارسة ضغوط مجددا». ويقول مراقبون إن صالحي قد يكون أكثر ملائمة باعتباره نقطة اتصال مع الغرب بشأن القضية النووية، حيث إنه معروف بإمكاناته السياسية والفنية. ومن المستبعد أن تؤثر إقالة متقي بصورة مباشرة على المحادثات النووية لطهران مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي من المتوقع أن تتواصل في إسطنبول أواخر يناير (كانون الثاني) المقبل، حيث يمثل إيران في هذه الاجتماعات مسؤولون من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى جانب نائب من وزارة الخارجية. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إن «الفترة التي خدم فيها السيد متقي كانت فترة نشاط وإنجازات كبيرة، وهو من المسؤولين الدؤوبين في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإيرانية» وقال إنه «سيكون مصدر خير وبركة أينما حل».

و‌أردف الناطق باسم الخارجية قائلا: «الدكتور صالحي شخصية علمية وذو أخلاق عالية ومؤمن وله اطلاع بالأهداف العليا للسياسة الخارجية والشأن الدبلوماسي والمصالح الوطنية».

وفي شأن متصل، أعلنت مصادر مطلعة في إيران عن احتمال تعيين «محمد قنادي مراغه اي» خلفا لعلي أكبر صالحي في رئاسة منظمة الطاقة الذرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وأكدت هذه المصادر أنها تتوقع أن يتولى محمد قنادي الذي يشغل حاليا رئيس مركز أبحاث العلوم والتقنية النووية رئاسة منظمة الطاقة النووية الإيرانية.

يذكر أن مركز أبحاث العلوم والتقنية النووية الإيرانية مؤسسة تابعة لمنظمة الطاقة النووية أنشئت بهدف الاحتياجات التقنية والتكنولوجيا في مجال الطاقة النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد علقت على عزل متقي بالقول إنها «لا تعلم السبب الذي يمكن أن يكون قد قاد إلى هذه الخطوة»، لكنها أعربت «عن ثقتها في أن تغيير شخص لن يؤثر في سير المفاوضات»، وأضافت في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريها الكندي والمكسيكي: «ما زلنا ملتزمين بمتابعة كل السبل الدبلوماسية المتاحة لنا ولشركائنا الدوليين من أجل حث إيران على التخلي عن برنامج الأسلحة النووية».