أحمد كمال أبو المجد: وجه مصر المبتسم عليه أن يغضب في وجه الدول دفاعا عن مصالحها

الوزير المصري الأسبق لـ«الشرق الأوسط»: خطأ جماعات العنف قراءتهم للإسلام وهم كارهون للمجتمع

الوزير المصري الأسبق المفكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

قال الوزير المصري الأسبق المفكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد: إن أي شعبية يكتسبها الرئيس في مصر إنما ترجع إلى أسلوب عمله بعد اختياره، وإلى ما يحققه من إنجازات. وأعرب في حوار مع «الشرق الأوسط» عن أسفه لأن غالبية المصريين يتصورون المعارضة نوعا من النقص في الوطنية والولاء.

وقلل أبو المجد من شأن أحزاب المعارضة المصرية قائلا: إنه لا توجد أحزاب حقيقية وإنما «براعم صغيرة» تعاني من مشكلات داخلية. ووجه اللوم لحزب الوفد (المعارض) لانسحابه من الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي فاز فيها الحزب الحاكم بالأغلبية الكبيرة، قائلا إن قراره يدعو للغضب، وأعطى صورة سيئة للانتخابات المصرية، لكنه لن يؤثر على شرعيتها.

وقال أبو المجد إنه، وبحكم عمله كوزير للشباب والإعلام في السابق، يرى أن الحكومة لا تحسن تسويق ما تحققه من إصلاحات للشعب، مشيرا إلى أنه يعلم أن الوزراء يعملون ليل نهار لصالح المواطنين، بينما تخرج التصريحات على عكس ما يتوقع الناس.

وتحدث أبو المجد عن جماعة الإخوان المسلمين وعن التيارات الإسلامية الأخرى، وأنكر على الإخوان بعض أساليبهم، لكنه قال إن هذا لا يعني الحكم عليهم بالموت المدني، وأعرب عن اعتقاده عن وجود حاجة لإعادة قراءة وفهم ما كتب القطب الإخواني سيد قطب. مشيرا فيما يخص التيار الإسلامي بقوله إن هذا التيار أخطأ لقيامه بقراءة الإسلام وهو في حالة كراهية للمجتمع، وحين واتته فرصة للتفكير الموضوعي داخل السجون كتب مراجعات تهدم ما كان عليه.

وفيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان في البلاد، أعرب أبو المجد عن طمأنينته للدورات التدريبية عن احترام حقوق الإنسان التي تقيمها وزارة الداخلية للضباط، قائلا إن هذا يطمئننا عن ذي قبل.

ودعا أبو المجد إلى تشكيل مجلس ذي طابع استراتيجي يقدم المشورة للحكومة، مشيرا إلى ضرورة حرص الحكومة على قابلية تنفيذ ما تقدمه من وعود، وقال فيما يتعلق بدور مصر في عدد من القضايا الإقليمية كقضية مياه النيل والقضية الفلسطينية والإيرانية إن وجه مصر المبتسم ينبغي أن يتعلم كيف يغضب ويكفهر دفاعا عن مكانة البلاد ومصالحها وكرامتها.

وفيما يلي نص الحوار * كيف تصف ما يحدث في مصر الآن، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة؟

- بداية دعنا نتفق على أنه لا توجد أحزاب حقيقية في مصر بالمعنى الصحيح، وإنما هي براعم صغيرة.. والآن انشغل أكثرها بمشكلاتها الداخلية، ولا يوجد حزب منها حاليا غير مرفوع منه أو عليه قضية في المحاكم. وأنا كمشاهد ومراقب لما يحدث أرى أن الحكومة لا تحسن تسويق ما تحققه من إصلاحات للشعب. وبحكم أنني كنت وزيرا للشباب والإعلام في فترة سابقة أعلم يقينا أن الوزراء يعملون ليل نهار لصالح المواطنين بينما تخرج التصريحات على عكس ما يتوقع الناس من الحكومة وتكون النتيجة صب اللعنات عليها. أما ما حدث في الانتخابات وفوز الحزب الوطني بالأغلبية الكبيرة فلا تعليق، ولكن ألوم حزب الوفد (المعارض) على قراره بالانسحاب من المعركة الانتخابية في جولة الإعادة وأرى أن قراره هذا شيء محزن ويدعو للغضب. وكان الأولى به أن يطالب بشفافية أكثر في إدارة العملية الانتخابية في جولة الإعادة حيث إن التعددية الحزبية لا تتحقق إلا بالمشاركة في الحياة السياسية العامة واتخاذ خطوات للإصلاح السياسي وليس الانسحاب من الحياة السياسية، وإن كنت أفهم جيدا أن بعض ما وقع في الجولة الأولى من العملية الانتخابية رسخ لدى المتنافسين إحساسا بأن الجولة الثانية لن تكون أفضل، وأنها محسومة مقدما بالأساليب التي شابت الجولة الأولى.

* وهل انسحاب الوفد كان له تأثير على شرعية الانتخابات البرلمانية المنقضية؟

- انسحاب الوفد لن يؤثر على شرعية انتخابات مجلس الشعب لأنه يحق لأي حزب أن يشارك أو يرفض المشاركة، إلا أن هذا القرار أعطى صورة سيئة للانتخابات المصرية.

* بماذا توصف المعارضة في مصر؟

- يؤسفني أن الفكر السياسي السائد لدى كثير من المصريين يتصور المعارضة نوعا من نقص الوفاء والولاء والوطنية.

* لماذا؟

- لأنه يوجد تصور أنه لا مجال إلا لرأي واحد. وأن المعارضين ضالون تماما وإفساح المجلس لهم الآن إنما هو تفضل من جانب الأغلبية والحزب الذي يمثلها.

* وما تعليقك على ما قيل عن إنفاق كبير لبعض المرشحين على الدعاية الانتخابية وصل لملايين الجنيهات؟

- هذا الأسلوب يجعل الحكم لدينا له جاذبية لا تقاوم. والذي يفعل ذلك يعرف تماما كيف سيعوض هذا الإنفاق. أقول هذا رغم أنني أعرف جيدا أن المتنافسين فيهم شرفاء كثيرون.

* يعتقد البعض أن المصريين لا يختارون حكامهم.. كيف تنظر لمثل هذا الأمر؟

- نحن لا نختار حكامنا؛ فنجد الرئيس (الأسبق) جمال عبد الناصر جاء في أعقاب ثورة. ومن بعده الرئيس (السابق) أنور السادات جاء بتفويض من جمال عبد الناصر تمثل في اختياره نائبا له قبل وفاته. وكذلك الرئيس مبارك جاء بتفويض من السادات تمثل في اختياره نائبا للرئيس. وأي شعبية يكتسبها الرئيس في مصر إنما ترجع إلى أسلوب عمله بعد اختياره، وإلى ما يحققه من إنجازات.

* وكيف ترى أداء جماعة الإخوان المسلمين بمصر حاليا حيث يطلق عليها «جماعة محظورة»؟! - لي على أداء هذه الجماعة ملاحظات نقدية هامة ليس هذا وقتها. ولكن لدى الناس جميعا تساؤلا هاما ومشروعا، ماذا تعني «المحظورة»؟! هذه الجماعة خاضت انتخابات مجلس الشعب عام 2005 وفازت بـ88 مقعدا، فكيف تكون جماعة محظورة، حتى إنهم حذفوا كلمة جماعة ويطلق عليهم الآن المحظورة فقط. وهذا لا يليق. وأثره سيئ.. الشعب المصري بطبيعته متدين وهو في حالة بحث عن هويته العربية الإسلامية، أنا ممن ينكر على الإخوان المسلمين بعض أساليب حركتهم وبعض المفاهيم السائدة بينهم، ولكن ليس معنى ذلك أن أحكم عليهم بالموت المدني وأتعقبهم بشكل يضر النظام ضررا بليغا في عملية حساب ليست مضبوطة ولا مأمونة العواقب.

* وما علاقتك الشخصية بجماعة الإخوان؟

- ليس لي علاقة مباشرة أو عضوية بها ولكنني أهتم كثيرا بدورهم الفكري والسياسي. وكما قلت: لي عليها تحفظات. ولكن لي كذلك تحفظات على منهج الحكومة في التعامل معها. وعندما زرت سجن ليمان طرة حينما كنت نائبا للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وقابلت بالمعسكر أعضاء من تنظيم الجهاد وأيضا الجماعات الإسلامية، وجدتهم ينشدون أناشيد دينية وواجهتهم بأنهم يسيرون في منهج خاطئ، ومناهج فكرية وعقائد خاطئة. فهؤلاء لهم أخطاء، وهؤلاء لهم أخطاء. خطأ التيار الإسلامي لدى جماعات العنف أنهم قرأوا الإسلام وهم في حالة غضب واستنفار وكراهية للمجتمع فأصبحوا نتوءا من الكراهية، ولما دخلوا السجون مدة طويلة جاءت لهم أول فرصة للتفكير الموضوعي الهادئ، فلما فكروا عدلوا عما كانوا عليه. وبدأت الحكومة تغير نظرتها إليهم. وسألني وزير الداخلية مرة عن رأيي في المراجعات التي أعلنوها فقلت له إنهم صادقون في هذه المراجعة، لأن الذي كتبوه بعد ذلك يهدم ما كانوا عليه. وفى رأيي أنه حتى سيد قطب نفسه نحتاج إلى إعادة قراءة ما كتب وفهم الملابسات التي أحاطت بها. وقرأت خطابات بخط يده عثرت عليها حينما كنت مستشارا ثقافيا في أميركا.. رسائل كانت بينه وبين المستشار الثقافي المصري وقتذاك في أميركا أحمد بك نجيب هاشم الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للتعليم وكان سيد أفندي قطب - كما كان يلقب وقتها، حيث كان يدرس في أميركا - وجدته يتحدث في الرسائل بأدب مفرط إلى المستشار الثقافي بقوله الوالد الجليل صاحب العزة أحمد بك نجيب هاشم. وكان الرد أيضا من جانب المستشار الثقافي بقوله ولدنا العزيز سيد أفندي قطب.

* وماذا لاحظت في تلك الخطابات؟

- لاحظت أن سيد قطب نفسه لم يتحدث كثيرا عن الإسلام في معظم الرسائل ولكن كان له كتابان «التصوير الفني في القرآن» و«مشاهد القيامة في القرآن». وكان في بعض رسائله حديث عن مرض الصدر الذي ألم به.

* يرى البعض أن التواجد الأمني المكثف لمواجهة عدة مئات من المتظاهرين لا يتناسب مع حجمهم.. أم أن الأمر يتطلب إظهار الردع لظواهر التشدد الديني؟

- الفكر لا يواجه إلا بالفكر. ومن خلال الحوار وليس بالأمن المركزي. فحينما نجد عربات أمن مركزي عند دار القضاء العالي (بوسط القاهرة) بسبب عدد قليل من جماعة متجمهرة عند نقابة المحامين أو غيرها فهذا يشعرك بأن الدولة هشة، ومطلوب حوار ممتد حتى يعترف الطرف الآخر بأفعاله.

* هل لك اتصال مباشر بالجماعة الإسلامية في مصر؟

- ليس لي اتصال مباشر بالمعنى التنظيمي المعروف بأي جماعة إسلامية وحتى أنه ذات يوم اتصل بي شخص اسمه كرم زهدي ويبدو أنه مهم صاحب تأثير في الحركة الإسلامية. وقال إنه قرأ كتاباتي وطلب مقابلتي ولكن وقتي لم يسمح بذلك فاعتذرت له، وإن كنت أقرأ الآن كل ما كتب وهذا ربما يكون معناه أنه يوجد ميل للمراجعة. ولكن منذ 25 عاما وأنا أشارك في أنشطة دولية منها ما يهدف للتقريب بين أصحاب الأديان.

* وما تقييمك للحالة الإعلامية في البلاد في الوقت الراهن؟

- نحن نعيش في عصر تبادل الخديعة. والطرفان يعلمان أنهما يخادعان. فما تسمعه من محاورك ليس ما يعتقده ولكن ما يعتقد أنه يسرك وتكون النتيجة هكذا. أيضا تجد اليوم في الصحف إما شتائم أو مدحا كاذبا وتصف أشياء لم تحدث، وتتحدث بأرقام غير صحيحة في الغالب. وانقلبت الموازين في وقت أصبحت فيه العزلة عن العالم مستحيلة، والاختراق أصبح بالصوت والصورة والخبر والمعرفة وأجهزة المخابرات والتحليل.

* كيف ترى واقع حقوق الإنسان في مصر الآن؟

- تحسن إلى حد ما، وإذا كانت وزارة الداخلية المصرية التي يخشى الكثيرون من بطشها على حقوق الإنسان تقيم دورات تدريبية للضباط على احترام حقوق الإنسان فذلك يطمئننا نسبيا على حالة حقوق الإنسان في مصر الآن عن ذي قبل.

* يدور الحديث أحيانا عن وجود أزمة ثقة بين الشعب والمؤسسات الحكومية؟

- نعم، لا بد أن توجد مصارحة طول الوقت بين الحكومة والشعب ولا بد أن تحرص الحكومة على أن تكون الوعود قابلة للتنفيذ، لأنه عندما يأتي موعد تنفيذ الوعد ولم يجد الشعب شيئا وتغييرا ملموسا، فإن ذلك يهدم ما بقي من الثقة.

* ناديت من قبل بوجود مجلس حكماء لحل المشكلات بين الشعب والحكومة؟

- وما زلت أنادي به. وهذا المجلس موجود في دول أخرى بأسماء مختلفة؛ فنجد في إنجلترا وظيفة حارس ضمير الملك، وعند دول الشمال الأوروبي اسمه المفوض البرلماني ومهمته تقديم المشورة للرئيس في مسائل ذات طابع استراتيجي. ويمكن أن يكون هيئة ولا ينتمي لحزب من الأحزاب وتكون لها أيضا نفس المهمة. ولما أنشئت المجالس القومية المتخصصة في مصر كان في الذهن شيء من هذا ولكن مع مرور الوقت ذهب هذا الفكر أدراج الرياح. مثل هذا المجلس ليس من الصعب أن تحدد وظيفته بالمشورة. ونحن بحاجة إلى هذا المجلس وسيكون مفيدا جدا.

* بوصفك أستاذا للقانون ما تفسيرك لتجاهل دول منبع النيل لمصر والسودان في اتفاقية تعديل حصص المياه التي توقعها تلك الدول؟

- ليست صدفة أن هذه الأزمة تفجرت في وقت تراجع الدور المصري. وعلى كل فإن الاتفاقات لا تنقض إلا باتفاق أطرافها لكن لا ننكر أن ما حدث كان ثمرة مباشرة لتراجع الدور المصري ويمكن أن يستعاد هذا الدور. وما دمنا في عالم جديد لا بد أن نراعي أن العالم يحترم القوة، وكما أقول دائما إن وجه مصر الذي ألف الناس منه الابتسام ينبغي أن يتعلم كيف يغضب ويكفهر دفاعا عن مكانة مصر ومصالحها وكرامتها.

* كيف تنظر لتطورات قضية الشرق الأوسط؟

- قضية الشرق الأوسط الآن في أسوأ مراحلها ويراد تصفيتها نهائيا. وإسرائيل لن تفي بشيء طالما يوجد لوبي قوي في أميركا يستطيع أن يفعل كل شيء ويقلب الموازين. و(رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو يبدو كما لو كان هو الدولة الكبرى و(الرئيس الأميركي) باراك أوباما هو رئيس الدولة الصغرى.

* وبماذا تفسر عدم وفاء أوباما حتى الآن بما وعد به العالم الإسلامي؟

- أعتقد أنه أخطأ في الحسابات. فليست له تجربة طويلة مع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. وتصور أنه أول رئيس ملون لأميركا وحاز على تأييد شعبي جارف فتح شهية العالم الإسلامي للتعامل مع أميركا، إلا أن اللوبي الصهيوني في أميركا مسؤول إلى حد كبير عن عدم وفاء أوباما بوعوده تجاه العالم الإسلامي. وأرى كما قلت في أول هذا الحوار أن وجه مصر المبتسم دائما ينبغي أن يتعلم كيف يكفهر ويغضب في وجه أكبر الدول.

* ما تقييمك للعلاقة بين مصر وإيران؟

- من المواقف التي أنا غير سعيد بها موقفنا من إيران. من قال إن إيران دولة عربية؟! إيران دولة فارسية. ويتحدثون بلغة غير لغتنا. ولا أطلب منها أن تكون عربية. وبيننا وبينهم تناقضات ومصالح أيضا، لكن من المؤكد أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيخفض دور إسرائيل في المنطقة إلى النصف.

وأعتقد أن التناقضات بيننا وبين إيران تعد تناقضات ثانوية إذا قورنت بالتناقضات بيننا وبين إسرائيل.