مجيء مشرف للحكم في باكستان عام 1999 أحبط عملية مشتركة بين الاستخبارات الأميركية ونظيرتها الباكستانية لاعتقال بن لادن أو قتله

مسؤولون سابقون كشفوا الخيارات التي درستها إدارة كلينتون لضرب زعيم «القاعدة»

TT

دربت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي آي ايه» عام 1999 مجموعة كوماندوز تابعة لوكالة الاستخبارات الباكستانية مكونة من 60 فردا لدخول افغانستان بغرض اعتقال اسامة بن لادن او قتله، حسبما كشفت مصادر مطلعة امس.

وكانت الترتيبات الخاصة بالعملية المذكورة قد اجريت مع ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون ورئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف ورئيس الاستخبارات الباكستاني خلال فترة حكمه. واضافت المصادر ان الادارة الاميركية وعدت من جانبها برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على باكستان وبتقديم معونة اقتصادية لها، لكن هذه الخطة قد اجهضت بكاملها اثر اطاحة شريف بعد الانقلاب العسكري الذي اوصل الرئيس الحالي برويز مشرف للسلطة.

الجدير بالذكر ان الترتيبات الخاصة بهذه الخطة كانت قد بدأت بعد اقل من 12 شهرا على الهجوم الذي شنته القوات الاميركية بصواريخ كروز على معسكرات تدريب تابعة لبن لادن داخل الاراضي الافغانية. وكان مسؤولون في ادارة الرئيس كلينتون قد ذكروا ان تلك الضربة كادت ان تودي بحياة بن لادن. وكانت العملية السرية جزءا من جهود اميركية اكثر قوة ونشاطا مما كان قد اعلن رسميا بغرض القاء القبض على بن لادن. كما درست الجهات المعنية القيام بعمل عسكري واسع مثل القصف المكثف والهجوم بواسطة «القوات الخاصة».

ويقول مسؤول اميركي سابق ان مجموعة الكوماندوز الباكستانية كانت على اهبة الاستعداد لتنفيذ ضربتها في اكتوبر (تشرين الاول) 1999 وانها «كانت تسير الى الامام». وفي ظل الاحباط الذي خلفه فشل ضربة افغانستان التي اعقبت تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا ودار السلام في اغسطس (آب) 1998، ابدى مسؤولو ادارة كلينتون ارتياحا بالغا تجاه العملية الجديدة التي كانت بالنسبة لهم بمثابة فرصة حقيقية للتخلص من بن لادن. لكن العملية احبطت في 12 اكتوبر (تشرين الاول) 1999 عندما اطاح الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال برويز مشرف حكومة شريف ورفض مشرف الاستمرار في العملية رغم الجهود المتواصلة من ادارة الرئيس كلينتون لإحيائها. لا شك ان باكستان واجهزة استخباراتها تملك معلومات قيمة حول ما يحدث داخل افغانستان التي ظلت مغلقة امام معظم العالم، لكن مسؤولا اميركيا سابقا قال ان العمليات المشتركة مع جهاز الاستخبارات الباكستاني مسألة غير مأمونة العواقب لان ميليشيا طالبان، التي تحكم اجزاء واسعة من افغانستان، اخترقت الاستخبارات الباكستانية.

وبالاضافة الى عملية باكستان، كان كلينتون قد صادق عام 1998 على خطوة سرية تسمح لـ«سي آي ايه» بالعمل مع مجموعات داخل افغانستان بالتنسيق مع اجهزة استخبارات اجنبية اخرى لاعتقال بن لادن. واكثر محاولات اغتيال بن لادن اثارة هي تلك التي صادق عليها كلينتون عام 1998 لضرب معسكرات تدريب تابعة له في افغانستان بصواريخ توماهوك ردا على ضرب سفارتي الولايات المتحدة بكينيا وتنزانيا في نفس العام. الجدير بالذكر ان وزارة الدفاع الاميركية كانت قد ابلغت كلينتون في ذلك الحين باستعدادها للقيام بعمليات «اكثر طموحا ومخاطرة»، اذ كان من ضمن الخيارات شن هجوم ليلي سري بالمروحيات بدعم من وحدات العمليات الخاصة، وشن غارات جوية على مدينة قندهار جنوب شرقي افغانستان، خصوصا وان هذه المدينة تعتبر بمثابة مركز روحي لطالبان ويزورها بن لادن باستمرار. ومن الخيارات الاخرى شن هجوم بصواريخ جوية وبحرية وغارات على معسكرات بن لادن شرق افغانستان. لكن كلينتون صادق على الهجوم بصواريخ كروز وهو اقتراح طرحه عليه مستشاروه. واطلقت القوات الاميركية بالفعل 66 صاروخا على معسكرات تدريب تابعة لبن لادن في 20 اغسطس (آب) .1998 وكان الهدف من الاكتفاء باطلاق صواريخ عدم تعريض حياة اي عسكري اميركي للخطر. ويقول مسؤولون سابقون ان القرار وجد تأييدا من ابرز اعضاء فريق الامن القومي الذي كان يضم مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة، وويليام كوهين، وزير الدفاع، وساندي بيرجر، مستشار الامن القومي. وغداة الهجوم الاخير على واشنطن ونيويورك، الذي تتهم الولايات المتحدة بن لادن بتدبيره، قال مسؤول سابق بوزارة الدفاع انه تمنى لو ان الادارة السابقة «اعترفت في ذلك الوقت بأنها في حالة حرب مع بن لادن وبدأت بناء على ذلك الحملة التي بدأتها الآن». ويضيف المسؤول «انه يشعر بالندم تجاه ذلك» وانهم «ادركوا في وقت متأخر انهم في حالة حرب». ويقول هارلان اولمان، محلل شؤون الدفاع بـ«مركز الدراسات العالمية والاستراتيجية»،ان ضربة صواريخ توماهوك عام 1998 ساعدت في تعزيز سمعة بن لادن بصورة رئيسية في العالم الاسلامي. ويضيف انه بسبب محدودية الهجوم وعدم استكماله، فإن الولايات المتحدة «حولت بن لادن الى بطل شعبي».

ويقول مسؤولون شاركوا في اتخاذ القرار الخاص بحصر الهجوم بصواريخ توماهوك دون الدخول في مواجهة مباشرة انهم وضعوا في الاعتبار اربعة مخاوف اشبه الى حد كبيرة بالمخاوف التي تواجهها ادارة الرئيس جورج بوش الحالية. احد هذه المخاوف يتمثل في احتمال عدم صحة المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة بمكان بن لادن . اذ ذكرت معلومات في ذلك الوقت انه كان في لقاء مع عدد من الارهابيين ربما يصل الى مائة او اكثر، لكن لم يتم التأكد من تلك المعلومات. وقال مصدر ذو صلة بهذا الامر انه لم يكن هناك الكثير من الشك في انعقاد لقاء في ذلك اليوم، غير ان مسألة حضور بن لادن لم تكن امرا مؤكدا، ذلك ان الامر كله كان قائما على اساس معلومات استخباراتية «لم تكن صحيحة» ، حسب المصدر المذكور.

ثاني المخاوف يتمثل في الخشية من قتل السكان الابرياء خصوصا في مدينة قندهار التي دمرها سابقا الغزو السوفياتي لافغانستان عام .1979 وكانت وجهة النظر السائدة في هذا الاتجاه هي ان وقوع خسائر كبيرة وسط المدنيين يمكن ان يضر كثيرا بسمعة الولايات المتحدة، خصوصا في العالم الاسلامي، وبمساعيها لمكافحة الارهاب. ثمة عامل آخر يتمثل في المخاطر المتصلة بشن هجوم بعيد المدى بالمروحيات يتطلب عمليات اعادة التزود بالوقود ليلا. اذ يقول مسؤول ان على المروحيات ان تطير مسافة 900 ميل. فمسؤولو الادارة الاميركية ارادوا ان يتفادوا تكرار كارثة عملية عام1980 الفاشلة لانقاذ الرهائن الاميركيين الذين كانوا محتجزين في طهران. ففي تلك العملية، التي اصدر تعليمات تنفيذها الرئيس السابق جيمي كارتر، اصطدمت طائرة التزويد بالوقود بمروحية كانت تشارك في العملية مما ادى الى تدميرهما فوق الصحراء الايرانية ومقتل ثمانية جنود. العنصر الاخير يتمثل في عدم وجود تصريح للطائرات القاذفة للقنابل بعبور اجواء دولة مجاورة مثل باكستان أو بالهبوط على اراضيها. الجدير بالذكر ان اوزبكستان وتاجيكستان عرضتا على الولايات المتحدة استخدام مجالهما الجوي وقواعدهما في أي ضربات جديدة ضد بن لادن.

وكانت الـ«سي آي ايه» قد شكلت مطلع عام 1996 وحدة خاصة بابن لادن بسبب وجود دليل على تورطه في التفجير الذي استهدف مركز التجارة الدولي عام 1993، اذ كان بن لادن في ذلك الوقت مقيما في السودان قبل ابعاده من هناك في مايو (ايار) .1996 واصبح بن لادن هدفا رئيسيا للمساعي العسكرية والاستخباراتية الاميركية في فبراير (شباط) 1998 عندما اصدر من افغانستان فتوى تعهد فيها بقتل الاميركيين. ويقول الجنرال آنتوني زيني، الرئيس السابق للقيادة المركزية المشرفة على العمليات العسكرية في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، ان فتوى بن لادن المذكورة اثارت لديهم اهتماما خاصا. وعندما لقي 200 شخص حتفهم في نسف سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي وتوصلت الولايات المتحدة الى ادلة على ان بن لادن وراء العمليتين، لم يكن السؤال ما اذا كان على الولايات المتحدة الرد، ولكن كيف ومتى؟ واعتمد التوقيت على المعلومات المتوفرة حول مكانه. وبعدها بأسبوعين، وصلت معلومات استخبارية الى واشنطن، تفيد بأن بن لادن سيحضر اجتماعا في شرق افغانستان. وتعرضت نوعية المعلومات التي قدمها جورج تينيت مدير الـ«سي آي ايه» لانتقادات حادة، طبقا لما يتذكره مسؤول كبير في الوكالة لديه معلومات اساسية عن نقاش الادارة حول كيفية الرد.

لقد ادى مستوى المعلومات الاستخبارية الى تقييد التخطيط للغارة. ويتذكر زيني ان ضرب بن لادن بصواريخ كروز كان «ضربة غير مؤكدة النتائج، مشكوك فيها للغاية ولم تكن المعلومات الاستخبارية قوية». في الوقت ذاته ظهرت معلومات جديدة تشير الى ان بن لادن ربما يخطط لعملية اخرى اساسية. وشعر كبار المسؤولين في ادارة كلينتون انه من الضروري التصرف «ففي افضل الاحوال سيقتل بن لادن. وفي اسوأ الاحوال ربما يفقد توازنه ويضطر الى تخصيص الكثير من طاقاته للاختفاء من الولايات المتحدة». واوضح زيني ان بن لادن شعر بأنه «آمن في افغانستان وفي الجبال وداخل مجال جوي مغلق (لا يطل على سواحل) ولذا فعلى الاقل يمكننا توجيه رسالة تفيد بأن بامكاننا الوصول اليه». وفي النهاية تم اطلاق 66 صاروخ كروز من سفن للاسطول في بحر العرب امام سواحل باكستان على معسكراته في افغانستان. ولم يجر تحذير باكستان من قبل، لكن الجنرال في سلاح الجو جوزيف رالستون، نائب رئيس هيئة الاركان المشتركة، التقى بالمسؤولين الباكستانيين في وقت اطلاق الصواريخ بالضبط ليبلغهم بالعملية واكد لهم ان باكستان لا تتعرض لهجوم مفاجئ من الهند، وهو سوء فهم يمكن ان يؤدي الى حرب.

وقد فقد صاروخ واحد على الاقل طاقته وسقط في باكستان، ولكن الباقي وصلت الى افغانستان وضربت معسكرات تدريب مشتبه فيها خارج خوست وهي بلدة صغيرة بالقرب من الحدود الافغانية الباكستانية. وكانت معظم صواريخ كروز تحمل قنابل عنقودية مضادة للافراد. ولم تكن المعلومات القادمة من مواقع الهجوم مكتملة، ولكن معظمها ذكر ان الغارة قتلت حوالي 30 شخصا، ليس من بينهم بن لادن. وذكرت مصادر عسكرية اميركية ان توقيت اطلاق الصواريخ تعرض لتعديل من اجل تنسيقه مع الهجوم على السودان واطلاق الصواريخ بعد غروب الشمس لتقليل القدرة على اكتشافها. وأدى ذلك الى تأخير اطلاق الصواريخ لعدة ساعات. واكد مصدران ان اطلاق الصواريخ قبل ذلك الوقت كان يمكن ان يلحق اذى بابن لادن.

واعتقد كوهين بان بن لادن تمكن من الهرب لحصوله على معلومات باقتراب غارة ضده. فقبل اربعة ايام من العملية اصدرت وزارة الخارجية الاميركية تحذيرا عاما عن «تهديدات في غاية الخطورة» واصدرت اوامرها للموظفين غير الاساسيين والاسر بمغادرة باكستان. ويعتقد بعض المسؤولين الاميركيين انه ربما وصلت معلومات لابن لادن من طالبان بعد حصولهم على معلومات من اجهزة الاستخبارات الباكستانية. وتوجد خلافات ايضا حول متابعة غارة عام 1998 ولاسيما حول ما اذا كانت ادارة كلينتون التي حاولت وفشلت في قتل بن لادن فقدت حماستها. لقد كانت هناك محاولات فقد تم الاحتفاظ بالقوات الخاصة وطائرات الهليكوبتر المقاتلة في وضع استعداد في الاقليم، للقيام بغارة اذا حددت معلومات استخبارية مؤكدة موقع بن لادن بالضبط. كما وصلت في عام 1999 معلومات مرتين باحتمال وجود بن لادن في قرية في افغانستان في وقت معين، طبقا لما يتذكره المسؤولون انذاك. وجرت مناقشات حول تدمير القرية، ولكن المعلومات الاستخبارية لم تكن جديرة بالثقة بدرجة تسمح باحتمال ذبح المدنيين. بالاضافة الى ذلك، كانت الـ«سي آي ايه» قد شنت في العام السابق عملية سرية مع الاستخبارات الباكستانية لتدريب القوات الخاصة الباكستانية على الدخول في عمليات ضد بن لادن. واوضح كوهين اخيرا «لقد كان جهدا مستمرا. فلم يمض اسبوع بدون مناقشة مجلس الامن القومي للموضوع بجدية».

* خدمة: «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»