التفجيرات وضعت السعوديين في أعلى قائمة المضايقات والمشكوك فيهم

تفتيش المطــارات ومراجعــة الجــوازات وهجــوم الصــحافة العالميــة عليــهم

TT

كانت احدى الرحلات الجوية تتهيأ للاقلاع من شيكاغو صوب هيوستن عندما طلب طيارها من المسافرين النزول منها، وإثر التشويش الذي نشب، اصر الطيار على انه لن يحلق بالطائرة الا اذا نزل منها مسافر يحمل جواز سفر سعودي. وتكرر هذا المشهد في كثير من المطارات الاميركية منذ الهجوم الارهابي في 11 سبتمبر (ايلول) على نيويورك وواشنطن. وحتى هذا التاريخ كان الاميركيون يفضلون التعامل مع السعوديين على سائر العرب، ولكنهم بعده اصبحوا على رأس قائمة الامم التي يحذر منها. ولهذا سارع وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبد العزيز للقول في مؤتمره الصحافي، ان حكومة بلاده لا تقبل ان يعامل ابناءها في اوروبا واميركا معاملة لا تليق بهم.

كان الرأي العام الاميركي عقب الهجوم الارهابي يجهل اصحاب العلاقة به، وكانت وسائل الاعلام تشير الى العرب والافغان بشكل عام. ولكنها بعد ذلك بدأت بالتركيز على ما سمته صحيفة «وول ستريت جورنال» بـ«الحلقة السعودية»، ودفع الخوف من السعوديين الى انتشار اشاعات تقول برفض الفنادق استقبال نزلاء من المملكة، واكدت كارين سوبل المتحدثة باسم فندق شيرتون لـ«الشرق الأوسط»: «اننا لا نرفض النزلاء السعوديين، ولكننا ملتزمون بإعلام السلطات بوجود نزلاء من جنسيات معينة ولا استطيع تحديد تلك الجنسيات».

وكان فصل الخريف من بين المواسم المفضلة عند السعوديين لزيارة الولايات المتحدة، بعد موسم الصيف. غير ان اعداد هؤلاء تقلصت في هذا العام الى حد بعيد، حسب مصادر اميركية. وعلاوة على عدم وجود ولو سائح سعودي واحد، فإن عدداً من الطلاب قرروا عدم الرجوع الى كلياتهم ومعاهدهم.

ولانها تعتبر الوجهة الاولى للسائحين السعوديين، فإن الولايات المتحدة كانت تجني 4 مليارات دولار من حجم ما ينفقه السعوديون كل عام، (11 مليار دولار)، خلال سفرهم الى الخارج. وقال لنا احد المسؤولين عن الحجوزات في احد الفنادق ذات الاربعة نجوم في نيويورك: «لا يوجد عندنا اي نزلاء سعوديين الآن، اما حجوزات شهر سبتمبر فقد الغيت بالكامل». وخوفا من تعرضهم لاية رود فعل عنيفة اضطر العديد من السعوديين الى السفر الى جهات مختلفة متجنبين ركوب الطائرات الاميركية، لانهم سمعوا بأنهم غير مرحب بهم على متنها. وكان بعض السعوديين وبينهم اكثر من 20 فردا من افراد عائلة بن لادن، قد غادروا الولايات المتحدة على عجل على متن طائرات خاصة.

وعلق هنري جوثل الذي لاقت ابنته حتفها في الهجوم على مركز التجارة العالمي قائلا: «لم يدر بخلدي ابدا ان السعوديين يريدون قتل الاميركيين، ولا استطيع مغالبة نفسي من الشعور بالمرارة تجاه السعوديين رغم ادراكي ان الحكم على الآخرين بالذنب لصلتهم الواهية بابن لادن امر لا يجوز».

وقبل 11 سبتمبر (ايلول) كان اي سعودي محظوظا بوجوده في الولايات المتحدة، لان الاعتقاد السائد بين الناس ان السعوديين اثرياء واصدقاء لاميركا، الا ان ذلك كله تغير الآن. وقال سعودي يعمل في اميركا، طلب اغفال اسمه، «لم اعد اكترث الآن، ولكن بمقدوري التأكيد على اننا اصبحنا الآن اكثر جنسية مكروهة في البلاد. قبل 20 عاما كان الايرانيون هم من يحتلون هذا الموقع لان الاميركيين كانوا عاجزين عن التفريق بين انصار الخميني وبين الهاربين منه الى الولايات المتحدة. وبعد 10 سنوات دار الدور على العراقيين، لان الاميركيين لم يكن بوسعهم مجددا فهم ان معظم العراقيين يعارضون صدام حسين. اما الآن فانهم يعتقدون انه بسبب حمل بعض من كانت لهم صلة بالهجوم الاخير جوازات سفر سعودية، فإن اللوم يقع على كل السعوديين».

ونشرت صحيفة «شيكاغو تريبيون» تقريرا انتقدت فيه ما اعتبرته «تراخيا» من سلطات الهجرة التي تسمح لحملة الجوازات السعودية بالعبور الى الولايات المتحدة لأي غرض كان وتطبق عليهم اجراءات اسهل حتى من مواطني الاتحاد الاوروبي واليابان. ويبدو ان سلطة الهجرة والتجنيس الاميركية بدأت تلاحظ ذلك، اذ قالت فكتوريا ستوت التي تعمل في تلك السلطة: «لقد وضعنا مراقبة خاصة على حملة الجوازات السعودية، فنحن لا ندري اي الجوازات اصلية وايها مزيفة او معدلة. وهذه الاجراءات الجديدة ليست الا من باب الاحتراز والتحوط، وتشمل العديد من حملة الجنسيات الاخرى». كما نوهت الى انها لا تقدر على تأكيد او نفي ما ورد في بعض التقارير من ان كل السعوديين الذين يعيشون في الولايات المتحدة او يتمتعون بالاقامة الدائمة فيها، ستتعرض اقامتهم الى المراجعة. وطلب مكتب التحقيقات الفيدرالية (اف. بي. آي) من الخزانة الاميركية مساعدته في تحديد ومراقبة الحسابات المصرفية والصناديق الاستثمارية التي لها علاقة بافراد او مشاريع سعودية. وعبر مكالمة هاتفية اكد لنا متحدث باسم الخزانة على انه «ليس بوسعنا التأكيد على استهداف اي جنسية محددة، وكل ما سنقدم عليه يتلخص في الاخذ بتعليمات جديدة تساعد في تحديد الصناديق المالية التي لها صلة بالمنظمات الارهابية». ويتملك السلطات الاميركية الغضب على وجه خاص من تمكن مواطن سعودي بعد ايام من مذبحة 11 سبتمبر من تحويل نحو 15 الف دولار الى حساب مصرفي له في ابو ظبي، الذي تعتبره بمثابة «بقايا التمويلات التي استخدمت في الهجوم على نيويورك وواشنطن».

ويعلق جوزيف كشيشاني المتخصص في العلاقات العربية ـ الاميركية قائلا: «يمكن تدمير صورة شعب تشكلت على مر 5 عقود في يوم واحد». وبلغت الحملة ضد السعودية ان ذكرت صلتها بالحادث في نحو 100 افتتاحية، واكثر من هذا العدد من المقالات المنشورة في الصحف الاميركية. واشار ويليام بفاف الذي يكتب في صحيفة «لوس انجليس تايمز» الى ان «مصدر الاسلام الراديكالي اليوم هو السعودية». ويلقي بفاف باللوم على السعودية لما قدمته من مساعدات افضت الى خلق طالبان.

اما صحيفة «بوسطن لينك» فانها تربط بين العديد من الهجمات الارهابية الاخيرة على الولايات المتحدة والمواطنين السعوديين، وما وصفته بـ«شبكة الدعم المالي التي يوفرونها» في المملكة. وتتضمن تلك الهجمات تفجير السفارتين الاميركيتين في كينيا وتنزانيا، وقتل 19 جنديا اميركيا في مدينة الخبر السعودية، ومحاولات اغراق المدمرة الاميركية كول قرب الشواطئ اليمنية. واشارت الصحيفة الى ان «اف بي آي» مقتنع بأن المضرب الذي استخدم في الهجوم على كول تم شراؤه بأموال سعودية.

الى جانب ذلك، دعا ديفيد اجناتيوس في مقال له نشره في صحيفة «هيرالد تريبيون» واشنطن الى اعادة النظر في علاقاتها مع الرياض. وانتقد السعودية في رفضها حضور لقاء تخطيط عسكري مشترك مع الولايات المتحدة قبل ايام من 11 سبتمبر. ووصف ادوارد لوتواك في مقاله الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» السعودية على انها «مشكلتنا الاولى على المدى البعيد». وزعم ان المنظمات الخاصة في السعودية تمول العديد من المراكز الموزعة على انحاء العالم وتقدم التدريب للراديكاليين. ودعت صحيفة «لوس انجليس» في افتتاحيتها ادارة بوش الى الضغط على السعودية. وربما يشتد المزاج المعادي للسعوديين.

واشار العديد من وكالات السفر في الرياض وجدة خلال اتصال هاتفي معها الى ان القنصليات الاميركية اصبحت الآن تطلب عقد «مقابلات شخصية» لكل السعوديين الذين يتقدمون بطلب تأشيرات. وأوضح احد العاملين في مكتب سفر في الرياض «هذه اول مرة منذ عام 1990 يطلب منا كسعوديين الذهاب الى مقابلات خاصة، وكان يكتفى عادة بارسال جوازات السفر الى القنصلية لتعاد الينا ممهورة بالاختام المطلوبة وبالتأشيرات المحددة».

غير ان متحدثا باسم السفارة الاميركية في الرياض نفى ان يكون هناك اي تعديل في اجراءات الحصول على تأشيرات في السعودية، وقال «ان الطلب من متقدمي الحصول على التأشيرات القدوم بأنفسهم الى القنصلية امر ليس جديدا، ودائما ما كنا نطلب من بعض الافراد الحضور لمقابلتنا والاجابة على بعض الاسئلة».