بريطانيا: تهديدات «سرية» لوزير بإسقاط الحكومة تكشف عن قلق الشريك الصغير في الائتلاف الحاكم

وزير الأعمال يثير ضجة بعد أن تحدث عن خلافات داخل الحكومة لصحافيين متنكرين

فينس كيبل (رويترز)
TT

كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يأمل أن يقضي آخر مؤتمر صحافي له هذا العام، إلى جانب نائبه وشريكه في الائتلاف الحاكم نيك كليغ، بالإشادة بالخطوات التي اتخذها حكومته منذ تسلمها السلطة في مايو (أيار) الماضي، لخفض الدين العام في البلاد. ولكن عوضا عن ذلك، قضى معظم الساعة التي خصصها للحديث إلى الصحافيين في 10 داونينغ ستريت، وهو يدافع عن حكومته، بعد أن خرجت إلى العلن تصريحات أدلى بها أحد وزرائه الذي ينتمي إلى حزب الليبراليين الديمقراطيين، الشريك الصغير في الحكومة، يهدد فيها بإسقاط الحكومة، ويتحدث عن الخلافات المستمرة بين الوزراء.

ولكن ما بدا في البداية على أنها قصة عابرة، لم يتوقف عندها لا كاميرون ولا كليغ كثيرا، تطور بعد ختام المؤتمر الصحافي، ليصبح امتحانا لمتانة الحكومة الائتلافية، التي تجمع حزبين يقودهما الكثير من التناقض.

وبدأت القصة عندما نشرت صحيفة الـ«تليغراف» تصريحات لوزير الأعمال فينس كيبل، أدلى بها لصحافيين متنكرين. وقالت الصحيفة اليمينية التي دعمت حزب المحافظين خلال الحملة الانتخابية، إنها قررت إرسال صحافيين ادعوا أنهم ناخبون من دائرة كيبل الانتخابية، بعد أن تداعى إلى مسامعها أن وزراء حزب الليبراليين الديمقراطيين يتحدثون إلى ناخبيهم بصراحة عن الخلافات مع حزب المحافظين، في محاولة للحفاظ على قاعدتهم الانتخابية الناقمة عليهم بسبب نكثهم بوعودهم الانتخابية. وتحدث كيبل للصحافيتين المتنكرتين، عن خلافات مستمرة حول كل المواضيع بين أعضاء الحكومة من الحزبين، وهدد بأنه إذا تم «دفعه كثيرا» فإنه سيلجأ إلى «قنبلة نووية ويسقط معه الحكومة».

ولكن كاميرون وكليغ رفضا التهجم على كيبل في المؤتمر الصحافي، لا بل رميا فقط النكات حول الحادثة. وأبديا تمسكهما بالوزير الذي وصفاه بأنه أساسي لعمل الحكومة، وأن العمل معه جيد. وقال كاميرون: «لقد اعتذر عن تصريحاته، وتجمعني به علاقة جيدة جدا كوزير في الحكومة». وحاول كاميرون أن يبرز أن وجود الخلافات بين وزراء الحزبين أمر طبيعي. وقال: «لو كنا نتفق في كل شيء، كنا قد كوّنا حزبا واحدا».

أما كليغ، زعيم الحزب الذي ينتمي إليه وزير الأعمال، فقد شدد أيضا على أهمية وجود كيبل في الحكومة، محاولا التقليل من أهمية تصريحاته. وقال: «ما هذه الصدمة! أن تكون خلافات في الرأي بين أفراد حزبين مختلفين! الخلافات بالطبع موجودة ولكنها تحرك هذا الائتلاف».

ولكن مع انتهاء المؤتمر الصحافي، ظهرت تصريحات جديدة لكيبل بثها تلفزيون الـ«بي بي سي» لم تكن قد ذكرتها صحيفة الـ«تليغراف» في موضوعها. ويبدو أن أحد الصحافيين من داخل الصحيفة قد سربها إلى التلفزيون. وفي تلك التصريحات، يتحدث كيبل عن «إعلان الحرب» على إمبراطور الإعلام روبرت ميردوخ، الذي يسعى لشراء أغلبية حصص تلفزيون «بي سكاي بي» البريطاني. وتعترض مجموعة من وسائل الإعلام البريطانية على سعي ميردوخ إلى شراء كامل حصص المحطة، من بينها الـ«تليغراف»، ويتحججون بأن ذلك قد يلغي المنافسة. ويملك ميردوخ مجموعة من الصحف البريطانية، من بينها الـ«صن» الشعبية الأكثر مبيعا في البلاد. ولم تعلق الـ«تليغراف» عن سبب حجبها تلك التصريحات، وعادت ونشرتها بعد أن ظهرت على الـ«بي بي سي».

ويتعين على ميردوخ أن يحصل على موافقة الحكومة البريطانية قبل شراء أغلبية الأسهم في المحطة، ويعتبر ذلك من ضمن مسؤوليات وزير الأعمال كيبل، إلا أن التصريحات التي نشرت له، ووعد فيها بعدم السماح لميردوخ بشراء المحطة، حتى قبل النظر إلى القضية.

وتعالت الأصوات المطالبة باستقالته أو إقالته بعد نشر تصريحاته، خصوصا أن ميردوخ من الداعمين لحكومة كاميرون ولحزب المحافظين. وبعد مشاورات حكومية استمرت ساعتين في مقر رئاسة الوزراء، قررت الحكومة إزاحة كيبل عن الفصل في قضية شراء ميردوخ لـ«بي سكاي بي»، من دون فصله من منصبه.

قد يكون فصل كيبل انتهى، ولكن التصريحات التي أدلى بها من دون علمه بأنه يتحدث لصحافيين، تدل على حجم القلق الذي يساور حزب الليبراليين الديمقراطيين، وخصوصا أولئك الذين يميلون لليسار، مثل كيبل نفسه. وفي وقت تظهر استطلاعات الرأي تدني نسبة التأييد لحزب الليبراليين الديمقراطيين إلى مستويات هي الأدنى منذ بدأ تأسيس الحزب، بدأ الكثير من النواب بالتفكير في مستقبلهم في الانتخابات المقبلة في عام 2015. ويبدو أنهم يحاولون جاهدين إبعاد أنفسهم عن القرارات غير الشعبية التي تتخذها الحكومة، وخصوصا مواقفهم على رفع أقساط الجامعات من 3 آلاف جنيه إسترليني سنويا، إلى 9 آلاف جنيه إسترليني، علما بأن وعدهم الانتخابي كان العمل على إلغاء الأقساط.