في 2010.. تجار الموت يستهدفون السعودية بمئات الأطنان من المخدرات

استخدموا من أجل ذلك حيلا مبتكرة.. استغلوا فيها الخضراوات والمواد الغذائية والمصاحف وأطقم الأسنان

TT

استطاعت السلطات الأمنية السعودية تحقيق العديد من الانتصارات في حربها المعلنة على المخدرات وتجارها، خلال عام 2010، حيث تعد السعودية من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط استهدافا بحملات المهربين لتلك الآفة المميتة، وذلك بحسب تصريح للأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي أدلى به خلال افتتاح الندوة الإقليمية الأولى في مجال مكافحة المخدرات وتبادل المعلومات التي نظمتها المديرية العامة لمكافحة المخدرات في مدينة الرياض، في 27 أبريل (نيسان) الماضي، حيث أكد أن بلاده في مقدمة الدول المستهدفة من عصابات مروجي ومهربي المخدرات، مؤكدا ضرورة التعاون العربي والإقليمي والدولي لمكافحة هذا الداء.

وبالإشارة إلى كشف الأمير نايف، أوضحت أرقام كشف النقاب عنها، أن عدد ما ضبطته الأجهزة الأمنية السعودية، خلال السنوات الثلاث الماضية، بلغ أكثر من 178 مليونا من أقراص الكبتاجون، و47 طنا من الحشيش المخدر و156 كيلوغراما من الهيروين.

ووفق بيانات وزارة الداخلية السعودية، التي بلغ عددها عام 2010 ثمانية بيانات صحافية، والتي أبانت أنه خلال عام ونصف العام ضبطت مكافحة المخدرات 25 طنا من الحشيش، ونحو 57 مليون حبة كبتاجون، و68 ألف مليغرام من الهيروين النقي (يصل بعد الخلط إلى 686 ألف مليغرام)، وبلغت القيمة السوقية لهذه المضبوطات 2.220 مليار ريال (مليارين ومائتين وعشرين مليون ريال)، كما تم القبض على 559 سعوديا، و433 أجنبيا، وبحوزتهم مبالغ مالية بلغت 412 مليون ريال، وخلال العام الهجري 1431هـ المنصرم ضبطت الجمارك أكثر من 33 مليون حبة كبتاجون، ونحو 16 ألف مليغرام من الهيروين النقي، و2.3 طن من الحشيش.

وفي السياق ذاته، ضبطت دوريات حرس الحدود وقوات المجاهدين في منطقة جازان، جنوب السعودية، 346 حزمة قات متجهة إلى مدينة جدة، إضافة إلى ثلاث عمليات تهريب 55 بلاطة حشيش والقبض على مهربيها، حيث عثرت دوريات حرس الحدود في منطقة جازان، جنوب غربي السعودية، على كميات من القات مخبأة داخل سيارة محملة على ناقلة كانت متوجهة إلى جدة، فيما أحبطت دوريات قطاع المجاهدين ثلاث عمليات تهريب من كميات الحشيش المخدر تزن 55 بلاطة حشيش، وتم القبض على مهربيها.

يأتي ذلك في ظل ما تفصح عنه أحدث الأرقام الرسمية من تفاقم ظاهرة تعاطي المخدرات، حيث كشفت المديرية العامة لمكافحة المخدرات، في وقت سابق، عن تسجيلها ما يزيد على 30 ألف قضية ضبط مخدرات خلال العام الماضي 2009. بينما سجلت السعودية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، 2007 و2008 و2009، أكثر من 88 ألف قضية مخدرات، حيث لامست في السنة الأولى حاجز الـ31 ألفا، بينما انخفضت في السنة الثانية بواقع 4 آلاف قضية، لتعود إلى الارتفاع في السنة الثالثة لتقترب من الرقم المسجل في السنة الأولى وهو 30.7 ألف قضية.

وشهد عام 2010م، شكلا جديدا من عمليات ترويج المخدرات، حيث تم استغلال وجبات الإفطار التي تقدم خلال شهر رمضان في عمليات الترويج، فقد أعلنت السلطات الأمنية عن إطاحتها بعصابات تهريب وترويج مخدرات، يبلغ قوام أفرادها الإجمالي 210 أشخاص، قام بعضهم باستغلال مشاريع إفطار الصائم لتهريب المخدرات، في تحول جديد لجأت إليه تلك العصابات بعد انكشاف غالبية حيلها وأساليبها التي تتبعها في عمليات التهريب أمام أجهزة الأمن السعودية، وقدرت السلطات الأمنية السعودية القيمة السوقية للمخدرات المحبط ترويجها وتهريبها بـ330 مليون ريال سعودي، فيما كشفت عن أن نصف الذين تم اعتقالهم على خلفية تلك العمليات من السعوديين، ونصفهم الآخر أجانب، ويتصدر الباكستانيون قائمة الأجانب المتورطين في تلك العمليات، يليهم اليمنيون.

وبالعودة إلى أعمال الندوة الإقليمية الأولى في مجال مكافحة المخدرات، حيث أكدت خلالها المديرية العامة للمخدرات في السعودية، أن مما شجع على انتشار المخدرات، «كثرة الحروب في المنطقة، وانفلات الأمن في بعض الدول، وازدياد التبادل التجاري بين دول المنطقة، بتسارع كبير استُغل من قبل عصابات التهريب».

وهناك الكثير من المعطيات التي قد تنبئ بتحول الحدود البحرية للسعودية إلى خط مفضل للمهربين، بالنظر إلى الإجراءات والتدابير التي بدأت الرياض في اتخاذها على حدودها البرية، مما قد يفوت فرصة استغلالها من قبل المهربين.

وذلك ما دفع وفدا أمنيا رفيع المستوى بالسعودية إلى إجراء مباحثات في العاصمة اليمنية صنعاء أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي مع المسؤولين اليمنيين، للتباحث في أوجه التعاون الأمني بين البلدين الشقيقين، خاصة في مجال جرائم مكافحة المخدرات، حيث إن اليمن، وبحسب مصادر أمنية، تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية في مجال ضبط المخدرات.

ومعلوم أن السعودية تشترك مع اليمن بحدود برية وبحرية، وتعتبر الحدود البحرية بين الدولتين، أحد الخطوط التي ينشط تهريب المخدرات والممنوعات عبرها والتي يزيد طولها على 58 ميلا بحريا.

وبسبب تنامي ظاهرة التهريب للمخدرات والاشتباه في تورط بعض دول الجوار في تسهيل مهام المهربين بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد دفع ذلك أحد المسؤولين الأمنيين البحرينيين أن يتهم دولة باسمها بتسهيل مرور المخدرات لدول منطقة الخليج العربي، حيث اتهم مسؤول بحريني كبير، خلال الندوة الإقليمية الخاصة بمكافحة المخدرات، التي استضافتها السعودية على أراضيها خلال شهر أبريل الماضي، إيران وبشكل مباشر بأنها تقدم تسهيلات من جهات مسؤولة لتهريب المخدرات لكل من المنامة والرياض، مفيدا بأن العاصمتين الخليجيتين تمكنتا من إحباط الكثير من عمليات التهريب التي تتم عن طريق البحر بزوارق إيرانية.

وذلك ما دفع الدول المشاركة بتلك الندوة الإقليمية إلى الدعوة إلى «ضرورة رفع مستوى التنسيق والتعاون بين الدول في بناء الخطط الميدانية لرصد المهربين وتمرير المعلومات عن شبكات وخطوط التهريب وقضايا التسليم المراقب»، بالإضافة إلى «أهمية توظيف التقنيات الحديثة في تبادل المعلومات حول وسائل التهريب المتجددة وخصائص المهربين وشبكاتهم ورصد تحركاتهم، وتشجيع الدول على تأسيس مراصد معلوماتية وإعلامية لتسهيل التبادل المعلوماتي بين الدول الأعضاء، بجانب تعزيز التعاون الدولي في مجال تبادل الاستراتيجيات والبرامج التربوية والتعليمية لحماية النشء من الوقوع في براثن المخدرات وتقييم نتائجها».

في الوقت الذي كانت السلطات السعودية أعلنت في شهر يونيو (حزيران) الماضي عن إحباط أكبر عملية تهريب مخدرات لأراضي البلاد حيث جاء على لسان المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية تأكيده على تمكن السلطات الأمنية بالبلاد في عدد من العمليات الأمنية التي تمت في عدد من مناطق المملكة خلال شهري مارس (آذار) وأبريل 2010، من القبض على 124 شخصا لتورطهم بالمشاركة في تهريب وترويج الهيروين النقي والحشيش المخدر وأقراص الكبتاجون، منهم (76) سعوديا، و(16) يمنيا، و(9) باكستانيين، و(4) سوريين، و(4) عراقيين، و(3) سودانيين، و(3) مصريين، و(3) من الجنسية التركية، و(2) عمانيين، وكويتي، وصومالي، وإريتري، وإثيوبي.

وحول ارتباط تهريب المخدرات والمتاجرة بها وتنظيم القاعدة، قال المتحدث الأمني في وزارة الداخلية في وقت سابق من هذا العام «ثبت لدى المملكة ولدى العديد من دول العالم أنه توجد علاقة ما بين (القاعدة) وتهريب المخدرات، ويعود ذلك لما تواجهه (القاعدة) من أزمات مالية خلافا عن السابق، مما جعلهم يتاجرون بتهريب المخدرات ومثل هذه النشاطات».

من جانب آخر تعد الجمارك السعودية من خطوط الدفاع الأولى في مواجهة تهريب المخدرات ومكافحتها بالسعودية، وبحسب إحصائياتها فهناك الكثير من ضبطيات الجمارك «الكميات الكبيرة» من الحبوب المخدرة والمخدرات والخمور التي تمت من قبل المنافذ الجمركية «البرية، الجوية، البحرية» خلال النصف الأول من عام 2010م، حيث تم ضبط حبوب مخدرة بحدود 17 مليون حبة، بينما الحشيش تجاوز 687 كيلوغرام، والهيروين النقي 9 كيلوغرامات، والأفيون 5 كيلوغرامات، أما الخمور 44 ألف زجاجة.

وفي عمليتين متشابهتين فاق وزنهما 49 كغم أحبط رجال الجمارك في منفذ الطوال الحدودي في شهر نوفمبر الماضي كمية من الحشيش المخدر في عمليتين متشابهتين في الطريقة متفاوتتين في كمية الحشيش المخدر، خبئتا في خزاني وقود سيارتين.

وفي جمرك الدرة ضبط «165» ألف حبة مخدرة مخدرات بالباذنجان والشمام، حيث لم تسلم المواد الغذائية والخضراوات من حيل المهربين، إذ تم توظيفها في إدخال المخدرات إلى المملكة، فكانت موزعة داخل حبات باذنجان وسطول لبن وشمام وخمس حبات ملفوف، حيث قدرت كميتها بأكثر من مائة وستين ألف حبة مخدرة.

وعمدت الجمارك، التي تراقب 33 منفذا جمركيا، إلى الاعتماد على مناظير وأجهزة لقياس الكثافة والإشعاع، مما يساعد على عدم تمرير المخدرات، كما وضعت خطة استراتيجية طموحة تقضي بفحص كل ما يرد إلى المملكة من سلع عبر المنافذ الجمركية من خلال أنظمة الفحص الإشعاعي، حيث يعمل حاليا «83» نظاما في المنافذ الجمركية وسوف تصل إلى «120» نظاما في نهاية عام 2011م ويستمر التوسع في نشر هذه الأنظمة حتى تكتمل الخطة الاستراتيجية بإخضاع جميع الواردات للفحص الإشعاعي، وقد أسهمت هذه الأنظمة في الإسراع بفسح المسموح ومنع دخول الممنوع لأن استخدامها يتيح للمختصين في الجمارك التعرف على محتويات الحاويات، والتأكد من عدم استخدامها في إخفاء المواد الخطرة أو المحظورة أو الضارة دون الحاجة إلى تفريغ محتوياتها، كما وفرت الكثير من الوقت والجهد الذي يبذل لو تم الفحص يدويا، وقللت كثيرا من حجم التلفيات والمفقودات الناتجة عن تفريغ أصناف الحاويات ومن ثم إعادتها، إضافة إلى أنها قللت من المخاطر التي يتعرض لها الموظف الجمركي وخاصة عند معاينة الإرساليات الخطرة كالمواد الكيميائية والغازات».

كما أحبط رجال الجمارك في منفذ الوديعة الحدودي تهريب كميات من الحشيش المخدر بلغ وزنها (214.5 كجم)، حيث تم العثور عليها في حافلة كبيرة لنقل الركاب، وفي منفذ الطوال الحدودي أحبط رجال الجمارك تهريب خمسين بلاطة حشيش تزن (46.229 كغم)، وبعد الاشتباه في سيارة قادمة إلى الجمرك تحمل نخالة أعلاف وبتفتيشها عثر على المادة المهربة مغطاة بعازل من البلاستيك مفرغ من الهواء داخل العجلات الخلفية للسيارة تحوي كل عجلة خمسة وعشرين بلاطة حشيش إذ أعيد لف البلاستيك عليها بطريقة محكمة مصنعيا.

حتى إن معجون الطماطم المحكم تغليفه بطريقة مصنعية لم يسلم من حيل المهربين للمخدرات، وبعد تفتيش إحدى الشاحنات من قبل رجال الجمارك تبين أن هناك عدد 992000 حبة مخدرة، كانت مخبأة بطريقة مصنعية داخل علب مصنوعة من الحديد ومعبأة بمعجون الطماطم من جهة أخرى فإن السلطات السعودية عمدت إلى إطلاق عدد من اللجان والمشاريع التي تهدف من خلالها لمكافحة المخدرات، وكان على رأسها دعمها المستمر للإدارة العامة لمكافحة المخدرات، التي تعد من خطوط الدفاع المهمة في مواجهة المخدرات والاتجار بها، بالإضافة لمصلحة الجمارك العامة في السعودية والتي من المهام الأساسية لهذه الجهة هو منع دخول المخدرات من المنافذ الشرعية للمملكة سواء كانت برية أو بحرية أو جوية، وتتبادل هذه الجهة مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالمملكة العربية السعودية المعلومات عن الأشخاص المتهمين بإخفاء المهربات والإرساليات المتوقع وصولها للمملكة والتي تصل إلى الإدارة العامة لمكافحة المخدرات من الداخل أو الخارج أو التي تصل لمصلحة الجمارك والإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمديرية العامة لحرس الحدود، وهذه الأخيرة تتولى تغطية الحدود البرية والبحرية والجوية، والتي لا تغطيها مصلحة الجمارك وقد تتخذ منافذ غير مشروعة لإدخال المخدرات إلى السعودية.

وتأتي اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات بالسعودية كتتويج لعدد من الإجراءات التنظيمية والبحثية التي اتخذتها السلطات السعودية لمواجهة المخدرات ومكافحتها محليا، حيث تتولى تلك اللجنة إعداد البحوث العلمية والدراسات وورش العمل بهدف إعداد استراتيجية وطنية مبنية على أسس علمية لمكافحة المخدرات وتهريبها، وقد استفاد 870 مشاركا من الجهات الحكومية والأهلية والمؤسسات المجتمعية الأخرى من تلك البرامج الموجهة لمكافحة المخدرات.

وفي ضوء الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات تقوم أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات بإعداد دراسات حول ظاهرة المخدرات بالتعاون مع عدد من المراكز البحثية وبيوت الخبرة في مجال دراسات الشباب والمسوح والدراسات الأمنية.

وعمدت أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى تبني مشروع للتعليم الوقائي، والذي أطلق تحت شعار (المدرسة تحمي المجتمع) وذلك نتيجة لأهمية المدرسة في بناء الشخصية وتنمية مكونات الفكر لدى الفئة الأكثر تعرضا لخطر المخدرات، ويرتكز على مبدأ تغيير اتجاه الطلاب نحو السلوك الرافض لآفة المخدرات من خلال الاهتمام بالبيئة التعليمية المتكاملة وإدراج مفاهيم ومفردات تعليمية لتوعية الطلاب بأضرار المخدرات في مراحل التعليم العام والتعليم الجامعي، وإعداد برامج وحقائب تدريبية لتأهيل فرق عمل فاعلة في برامج التوعية الوقائية.

كما يوجد في أمانة اللجنة مركز استشارات إدمان يقدم الاستشارات الاجتماعية والنفسية والطبية المتعلقة بمجالات تعاطي المواد القابلة للإدمان، بالتعاون مع برنامج الدكتور ناصر الرشيد للوقاية من المخدرات، ويعتبر المركز الأول بالمملكة الذي يعنى بتقديم المشورة الاجتماعية والنفيسة والأسرية غير الربحية عن طريق عدد من المختصين في مجال علاج الإدمان. حيث جهز المركز بأحدث وسائل الاتصالات والتقنية لاستقبال جميع الاستشارات الخاصة بمشكلات التعاطي.

وقد بدأ المركز بالعمل مطلع يوليو (تموز) 2008م كمرحلة أولية من التشغيل الجزئي بواقع 5 ساعات يوميا، حيث يقدم خدماته عبر مجموعة من الاستشاريين المتخصصين، وتم استقبال وإرشاد أكثر من 2400 حالة إلى الآن. ويخضع المركز لإشراف إداري ومهني متخصص من قبل أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات التي تواجه سياسات العمل به وفقا لمتطلبات الحاجة ومعايير الأداء المفترضة.