مسلمات أميركا يحققن نجاحات أكبر

تفوقن على نظيراتهن في أوروبا والعالم الإسلامي في التعليم والأجور وتبوؤ المناصب القيادية

TT

في وقت قريب من 11 سبتمبر (أيلول) 2001، جاء اتصال إلى سمية خليفة، التي لم يكن قد مر وقت طويل على تأسيسها «مكتب المتحدثين الإسلاميين» في أتلانتا، من مجموعة بدا أن اسمها «بيكرز كلب». كانت المجموعة ترغب في عرض حول موضوع محدد. ولم يكن العنوان مألوفا، ولكن سمية ذهبت لتقديم العرض. وتبين أن اسم المجموعة هو «بيكررز كلب»، وهي مجموعة يحب أعضاؤها جلسات النقاش. وكان الإسلام موضوع ذلك اليوم، وتقابلوا داخل فندق صغير، وحاولت سمية حينها بذل أفضل ما عندها.

وتحقق سمية، التي ولدت في مصر وتربت في تكساس، وترتدي الحجاب، توازنا مع متطلبات الحياة في الضواحي الأميركية: جدول مواعيد مزدحم وميني فان، وما إلى ذلك. وتعتبر سمية واحدة من مجموعة من النساء تجدهن الآن في معظم المدن الأميركية الكبيرة قادرات على الحديث ومنتبهات للقيادة الذكورية المسيطرة داخل مجتمعاتهن وسئمن شكوك غير المسلمين في الدين الإسلامي.

وقد حققت هؤلاء النسوة مستوى من النجاح والظهور لا نظير له في أي مكان آخر. ويؤكدن أنهن تطبعن بالحريات في الولايات المتحدة - وفي الواقع تذكر الكثيرات منهن ميزات من دون مواربة - وتأثرن بحراك فكري ظهر عندما اختلط مسلمون مهاجرون بآخرين مولودين في الولايات المتحدة.

تقول شيرين زمان، المديرة التنفيذية لمعهد التفاهم والسياسة الاجتماعية: «ما نراه حاليا داخل أميركا عبارة عن نوع من التمكين الهادئ وغير الرسمي للمرأة». وقد أُسس المعهد البحثي غير الربحي عقب هجمات 2001 بهدف تقديم أبحاث عن المسلمين الأميركيين. وتضيف: «في الكثير من أوطاننا التي أتينا منها، توجد صعوبات أكثر أمام تولي المرأة دورا قياديا سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية».

وتقول نجاح بازي، وهي ممرضة أميركية المولد ومؤسسة للكثير من الجمعيات الخيرية في ميتشيغان: «نعم أنا عربية وأميركية وملتزمة بالدين الإسلامي بدرجة كبيرة، ولكني أجمع بين هذه الأشياء سويا، فأنا لم أعد مجرد شيء واحد وحسب. ولكني أصبحت شخصية جديدة».

وربما لا يعد ذلك بالأمر السهل.. وقالت الكثير من المسلمات اللاتي أجريت معهن مقابلات إنهن تعرضن لإساءات من خلال خطابات أو رسائل عبر البريد الإلكتروني أو المدونات. ولكن خلال سعيهن إلى تخطي الأفكار النمطية، نجد أن المسلمات في الولايات المتحدة يتمتعن بميزات؛ فهن أفضل تعليما من المسلمات في أوروبا الغربية وأفضل من الأميركيين العاديين، وذلك حسب ما أفاد به مسح أجرته «غالوب» في مارس (آذار) 2009. وبالمقارنة مع أخواتهن في دول مثل مصر والسعودية، فإنهن يحضرن الشعائر الدينية مثل الرجال. ووجدت مؤسسة «غالوب» أن المرأة المسلمة الأميركية تكون في الغالب في سوق العمل، وتكسب تقريبا ما يكسبه الرجل.

يقول إبراهيم موسى، أستاذ الدراسات الإسلامية المشارك في جامعة ديوك: «في الأغلب يأتي المسلمون إلى أميركا الشمالية بحثا عن تطبيق للإسلام فيه المساواة. ويجبر ذلك المرأة على المشاركة ويجعلها أكثر ظهورا، بالمقارنة مع المسلمات في أوروبا الغربية».

وإلى جانب «مكتب المتحدثين»، الذي يروج لنفسه على أنه «جسر بين الإسلام والأميركيين الذين يعتنقون ديانات أخرى»، تعمل سمية رئيسة لشركة استشارات تقدم خدماتها إلى الطلاب والمسؤولين التنفيذيين وجنود ومكتب التحقيقات الفيدرالي وتساعد على التغلب على الأفكار النمطية.

بدأت سمية، التي حصلت على درجات علمية في الكيمياء والموارد البشرية، ارتداء الحجاب في منتصف الثلاثينات من عمرها، أي قبل 15 عاما. وتقول إنه في البداية كان ينظر إليها الناس «وكأني غبية. غير أميركية، مسلمة، مختلفة».

لكنها كانت تتحلى بالعزيمة.. وعندما رفضت صحيفة في إحدى المدن الصغيرة أن تنشر إعلانا خاصا بسمية فيه مواعيد فعاليات داخل مسجد يقع في الجوار، نظمت مقاطعة ناجحة من جانب رجال الدين داخل الكنائس المحلية.

وربما تعتبر الشخصية الأكثر شهرة بين المسلمات الأميركيات هي إنغريد ماتسون، التي وقفت بحجابها ذي الألوان المتعددة وثوبها الأحمر الزاهي بين رجال دين ظهر الشيب في رؤوسهم، تجمعوا في واشنطن خلال سبتمبر من أجل محاولة لتبديد حالة غضب أثارها مقترح إقامة مسجد بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي في نيويورك.

وأصبحت ماتسون، 47 عاما، التي تدرس في كلية «هاتفورد اللاهوتية» داخل كونيتيكت، أول امرأة تتولى رئاسة الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية، وهي من كبريات المؤسسات الإسلامية داخل القارة. انتخبت ماتسون لمنصب نائب رئيس الجمعية في 4 سبتمبر 2001، وانتخبت لمنصب الرئيس في 2006، وبقيت في هذا المنصب حتى سبتمبر الماضي. وكانت هذه الأعوام بها الكثير من اللغط بشأن مكانة المرأة.

تقول ماتسون: «لكن عقب 11 سبتمبر وبعد أن أصبح للمسلمين للأميركيين دور أكبر في المجتمع المدني، وجدت المرأة المسلمة منطقة خصبة للقيام بنشاط». من الناحية التاريخية، لا تحظى المسلمات بنفوذ إلا في الخفاء، مع استثناءات بارزة مثل بي نظير بوتو، رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة. وجاء في مسح يعود لعام 2009 يرصد المسلمين الأكثر تأثيرا في العالم أجرته جامعة جورج تاون ومركز الدراسات الاستراتيجية الإسلامية الملكي، أن هناك امرأتين فقط ضمن أبرز 50 شخصية مسلمة، وهاتان المرأتان هما شخصية دينية سورية بارزة والملكة رانيا، زوجة ملك الأردن. وحظيت ماتسون بذكر شرفي.

وتعكس المرأة المسلمة في الولايات المتحدة التنوع هناك؛ إذ منهن نساء من البيض اعتنقن الإسلام مثل ماتسون وأخريات لديهن أصول شرق أوسطية مثل سمية أو طيبة تايلور، وهي امرأة اعتنقت الإسلام وتعود أصولها إلى منطقة الكاريبي وأسست مجلة «عزيزة» للاحتفاء بإنجازات المرأة المسلمة.

وربما تتناول المجلة موضوعا مثل «أول مجموعة قانونية نسوية إسلامية في أميركا»، أو «مضيفة طائرات ترتدي الحجاب»، لكنها تتناول مواضيع أخرى مثل الإيدز والعنف الأسري. وتحتفل «عزيزة» بعامها العاشر، ويصل توزيعها إلى 45 ألف نسخة. وتقول تايلور، 57 عاما، التي درست القرآن في مدينة جدة لمدة 6 أعوام: «لا أرى أن الإسلام يسلبني حريتي، بل أجد أنه فتح العالم أمامي».

وتعود جذور المسلمين في أتلانتا، الذين يقدر عددهم حاليا بـ80 ألف شخص، إلى الخمسينات من القرن الماضي، عندما كانت تجتمع مجموعة صغيرة تتبع منظمة «أمة الإسلام» ومعظمهم من السود داخل مبنى متواضع به فرع لمنظمة «كو كلوكس كلان». وانضمت مجموعات من المهاجرين من جنوب آسيا والشرق الأوسط والبوسنة والهرسك. ويوجد في المنطقة الحضرية، التي يعيش فيها 5.5 مليون شخص، 40 مسجدا.

ولكن على الرغم من أن المسلمات حظين بمكانة بارزة، فإنه لا يزال مقدار كبير من نشاطهن خارج المسجد. تقول سمية: «يوجد شيء مفتقد مرتبط بما يحدده الدين الإسلامي عن المساواة بين الجنسين؛ فالإمامة داخل مساجدنا لا تعكس عددنا، ولا تكاد توجد أي امرأة».

تحدث الإمام بلمون الأمين، وهو إمام متقاعد في مسجد الإسلام داخل أتلانتا، عن «تحرك بطيء، ومتردد، ناحية جعل المرأة لها دور كامل في الشعائر الإسلامية اليومية». ويقول: إن ذلك يتغير. ومن بين القضايا التي تطرح هي الفصل بين الجنسين في الصلاة، وهو الأمر الذي يعكس تركيز الإسلام على معاني الاحتشام. وتكون النساء في غرف منفصلة. ولكن يقول الإمام الأمين: «أرى مساجد تبذل جهدا أفضل لتحقيق مساواة بين هذه الأماكن المنفصلة».

كان انتخاب ماتسون لرئاسة الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية حدثا مهما. وكسر «حاجزا، وجعل من المقبول بدرجة أكبر أن تتولى النساء دورا قياديا في المجتمع الإسلامي بالكامل وليس بين النساء فقط»، بحسب ما تقوله داليا مجاهد، المديرة التنفيذية داخل مركز «غالوب» للدراسات الإسلامية والمستشارة السابقة المختصة بالقضايا الدينية في البيت الأبيض. ويعلق الإمام الأمين: «هذا تحديدا ما تحتاج إليه الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية والمؤسسات الإسلامية».

* خدمة «نيويورك تايمز»