سورية: تجاوز المرحلة الصعبة.. واسترخاء تجاه لبنان

2010 عام المراوحة في المكان.. وانفتاح على أميركا من دون نتائج

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون يتوسطهما رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل أثناء الزيارة التي أدياها إلى ليبيا في سبتمبر الماضي (أ.ب)
TT

بدأ عام 2010 السوري كما انتهى، ليستحق وصفه بعام المراوحة في المكان على صعيد الملفات السياسية الأساسية، الذي سعت الدبلوماسية إلى تحريكه باتجاه تعزيز العلاقات الثنائية وتنشيط التعاون الاقتصادي مع دول الجوار الإقليمي (إيران وتركيا) والدول المحيطة بها من الهند والصين وصولا إلى روسيا، وبذلت سورية جهدا حثيثا لتوسيع «الأفق الجيو - سياسي». فخلال العام الماضي، حفل جدول أعمال الرئيس بشار الأسد بجولات وزيارات إلى دول أوروبا الشرقية (أذربيجان وأرمينيا ورومانيا وأوكرانيا) والدول الأوروبية (النمسا وإسبانيا وفرنسا) ودول أميركا اللاتينية (فنزويلا والبرازيل والأرجنتين وكوبا). وترى مصادر رسمية أن سورية تمكنت رغم الضغوط من «تجاوز المرحلة الصعبة» وأنها حافظت على «دورها كلاعب استراتيجي مهم في المنطقة من خلال رؤية فضاء جيو - سياسي واسع يشكل منطلقا لبناء شرق أوسط غير الذي سبق وطرحته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش» فالعالم كما يراه السوريون ليس كله الولايات المتحدة وأوروبا، وهناك دول أخرى في العالم يسعون للتقارب معها واستمالتها لصالح مواقفهم من عملية السلام في المنطقة. ففي الوقت الضائع جراء الانصراف الأميركي لإيجاد مخارج للأزمات في العراق وأفغانستان، تعمل سورية على استغلاله في بناء شبكة علاقات اقتصادية في المنطقة تكون حوضا استراتيجيا للقضايا السياسية (إيران - العراق - تركيا - ودول الجوار العربي) خاصة أن الحوار السوري - الأميركي الذي انطلق منذ تسلم الرئيس الأميركي باراك أوباما مهامه، لم يفض إلى نتائج ملموسة على الأرض، وفي حوار أجراه الرئيس الأسد الأسبوع الماضي مع مجلتي «حرييت» التركية و«بيلد» الألمانية انتقد الأسد بشكل غير مباشر سياسة الرئيس أوباما بالقول إنه «بالتأكيد يريد أن يفعل شيئا ما.. فهو أيقظ بكلمته في القاهرة آمالا كبيرة بالسلام في المنطقة ولكن إذا ما أيقظ أحد آمالا دون تقديم نتائج فإنه يحقق النقيض فقط وهذا يؤدي إلى المزيد من اليأس».

وهكذا لم يطرأ خلال العام الماضي تقدم جوهري في العلاقات السورية - الأميركية رغم الزيارات المكثفة للمسؤولين الأميركيين إلى دمشق فحتى تعيين سفير جديد، تعطل إرساله لعدم نيله موافقة كافة أعضاء الكونغرس، إذ لا تزال سورية مدرجة على قائمة الدول الراعية للإرهاب، منذ عام 1979، كما أن قانون «محاسبة سورية» الذي صدر عام 2004 بقي ساري المفعول وتم تجديده، رغم حجم الضرر الذي يلحقه هذا القانون بعدة مجالات حيوية تتصل بحياة المواطنين السوريين، لا سيما حظر تصدير قطع تبديل لطائرات «إيرباص» وكثير من المنتجات الأميركية والسلع الأجنبية التي تشارك أميركا بـ10% من مضمون تصنيعها.

وفي المقابل، استمرت سورية في ممانعتها تلبية للمطالب الأميركية التي لم تتغير فيما يخص فك الارتباط مع إيران والتوقف عن دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وفي مقدمتها «حزب الله وحركة حماس» بل إن الرئيس الأسد لم يوفر فرصة لتأكيد تمسك بلاده بالتحالف الاستراتيجي مع إيران، وبدعم المقاومة كمسار متلازم مع المطالبة بتحقيق السلام. وفي آخر تصريح له عرض الرئيس الأسد وجهة النظر السورية في دعم حزب الله وحماس، وقال «نحن لا ندعم المنظمات والتنظيمات والمؤسسات إنما ندعم القضية الفكرية.. وللجميع حق الدفاع عن أرضه»، مؤكدا مواصلة هذا الدعم طالما استمر المقاومون بعملهم لنيل الحقوق، فالمسألة «ليست مسألة حماس.. إنما هي قضية فلسطين». وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع إيران، التي سعت أميركا لجعل حوارها مع دمشق مقدمة لفك هذه العلاقة، قال الأسد: «إيران بلد مهم في هذه المنطقة شئنا أم أبينا وعلينا أن نتعامل مع هذا الواقع».

وهذا الواقع يفرض أيضا على سورية إبقاء باب الحوار مع أميركا مفتوحا، والبحث عن قواسم مشتركة في ملفات أخرى. وكان واضحا النشاط السوري للعب دور إيجابي في العراق، سواء في تأمين دعم لوجيستي للانتخابات العراقية التي جرت على أراضيها بحكم وجود أعداد كبيرة من اللاجئين لديها، وضمان سيرها في أجواء هادئة مع السماح للمرشحين بنشر دعاياتهم الانتخابية في مناطق وجود اللاجئين، أو من خلال استقبال الشخصيات العراقية من كافة الأطياف والحث على إيجاد مخارج لأزمة تشكيل الحكومة من خلال الحوار والمحافظة على وحدة وعروبة العراق، وذلك رغم الخلاف مع حكومة نوري المالكي، على خلفية اتهام سورية بإيواء مسؤولين عراقيين ضالعين في التفجيرات التي شهدتها بغداد صيف عام 2009، تم على أثرها تبادل استدعاء سفيري البلدين، اللذين تمت إعادتهما في سبتمبر (أيلول) الماضي، لدى طي صفحة خلاف دام نحو عام، انتهى بتغير موقف سورية من تسلم نوري المالكي رئاسة الحكومة العراقية الجديدة، الذي أفضى إلى تفعيل الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين أهمها مشروع مد أنابيب نفط وغاز من أراضي العراق وإيران إلى الساحل السوري والبحث في ترميم أنبوب النفط بين كركوك ومدينة بانياس الساحلية السورية. بالإضافة إلى حصول تفاهم سياسي بعدما لمست دمشق وجود توافق بين مصالح بعض الأطراف الإقليمية وأميركا في بقاء المالكي، وهو أمر فضلت سورية أن لا تعارضه طالما لا تستطيع منعه، والعمل مع تركيا وأطراف عربية للمحافظة على العراق «موحدا وعربيا».

عدم الممانعة، موقف اتخذته سورية أيضا حيال إطلاق مفاوضات سلام مباشرة فلسطينية - إسرائيلية برعاية أميركية وعربية، وذلك رغم تحفظها على هذه المفاوضات لقناعتها أنها تسير في طريق مسدود، وارتأت ألا تمانعها وتستجيب للمطالب الأميركية بعدم عرقلتها، طالما أن نتيجتها محكومة بالفشل، وذلك لقناعة سورية أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليس لديها رغبة حقيقية بتحقيق السلام. من طرف آخر، دأبت سورية على إعلان تمسكها بالدور التركي في رعاية مفاوضات غير مباشرة، كما رحبت بأي دور دولي آخر يدفع عملية السلام، فيما كانت كافة الجهود الدولية تبوء بالفشل، فالاهتمام الدولي الذي عبرت عنه زيارات المبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى دمشق، ودخول باريس على الخط من خلال تعيين جان كلود كوسران مبعوثا لعملية السلام، لم يثمر شيئا، والسبب ترده مصادر سورية إلى«غياب شريك حقيقي راغب في السلام»، وقالت المصادر السورية لـ«الشرق الأوسط»: «إن إسرائيل تتحمل مسؤولية إجهاض المحادثات غير المباشرة واستمرار حالة الجمود»، مشيرة إلى «الممارسات الإسرائيلية الوحشية وسياستها التوسعية التي زادت في تعقيد الأمور والقضاء على فرص السلام»، الذي تعتبره سورية «السبيل الوحيدة لضمان أمن واستقرار المنطقة».

إلا أن حالة المراوحة في المكان، ولّدت في لبنان أزمة معقدة على خلفية القرار الظني، وطيلة العام الماضي عملت سورية على إدارة هذا الملف بـ«استرخاء وهدوء» من خلال صيغة تنسيق مع المملكة العربية السعودية للحفاظ على التهدئة في لبنان، حيث قام الرئيس الأسد بزيارة إلى بيروت بمعية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وعقدت قمة ثلاثية في يوليو (تموز) الماضي، كان لها دلالات مهمة من حيث التأكيد على التفاهم السوري - السعودي لتجنيب لبنان أي أزمات واضطرابات، ومع أن هذا التفاهم لم يسفر عن حل للأزمة إلا أنه منع الانفجار، ويعول عليه لإيجاد تسوية ترضي كافة الأطراف، خاصة أن سورية وخلال العام الماضي تمكنت من طي صفحة الخلافات مع غالبية الأطراف اللبنانية، فلم تنقطع زيارات المسؤولين اللبنانيين إلى دمشق، فعدا زيارات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والزيارات الخمس لرئيس الحكومة سعد الحريري، كانت زيارات النائب وليد جنبلاط الذي انتقل من خندق أشد خصوم سورية خلال السنوات الخمس الماضية، إلى خندق الأصدقاء وبات الطريق سالكا أمامه ذهابا وإيابا. إلا أن ذلك ورغم أهميته في جعل سورية مرتاحة في إدارتها لملف العلاقات مع لبنان، لم يحدّ من قلقها حيال إصرار الغرب وأميركا على التمسك بالمحكمة الدولية وإصدار قرار ظني ترى فيه مشروع «فتنة» من شأنه تقويض الاستقرار في لبنان، لذلك تقول المصادر إن الرئيس بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا كان «حريصا على سؤال نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي عن الدور الممكن لفرنسا أن تلعبه لدى الأمم المتحدة لمنع تسييس المحكمة، لا سيما أن سورية لا يمكنها لعب دور في لبنان ضد حزب الله في حال تم استهدافه، وما يمكنها القيام به هو بلورة الأفكار اللبنانية المطروحة لإيجاد مخرج للأزمة»، التي تم ترحيلها إلى العام المقبل. مع جملة الملفات الساخنة، يتوقع المحللون أن العنوان العريض لعام 2011 سيكون «تكريس إدارة الأزمات بعدما كان عام 2010 عام إدارة الأزمات»، وذلك على مستوى المنطقة، حيث لا يلوح في الأفق حل للأزمات فيما يخص الوضع في العراق ولبنان وعملية السلام، كما لا توجد مؤشرات لاندلاع حرب، وإنما سيكون هناك مزيد من الاحتدامات دون معرفة ما سينجم عنها.