الوثائق البريطانية: الإدارة الأميركية تتخبط في مجلس الأمن.. والعرب محبطون من تراجع كارتر

الملك حسين يريد التنوع في تسليحه وقد يتجه إلى موسكو.. ووزير الطاقة الأميركي يعود بخفي حنين من الرياض

الرئيس جمال عبد الناصر يتوسط الملك حسين وياسر عرفات والعقيد القذافي لدى اجتماعهم في فندق النيل هيلتون في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

تتناول «الشرق الأوسط» اليوم وثائق أخرى، من التي أفرجت عنها الحكومة البريطانية وتعود إلى عام 1980 وتخص الصراع في الشرق الأوسط، خصوصا مفاوضات كامب ديفيد والتصويت في مجلس الأمن والخلافات داخل الإدارة الأميركية وبيان الرئيس الأميركي جيمي كارتر بعد التصويت في مجلس الأمن حول بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. البيان أصاب العرب بحالة إحباط، وبدأ الملك حسين يتكلم عن برود في العلاقات مع واشنطن، وعزمه على التنوع في مصادر تسليحه، التي قد تعني علاقات أفضل مع موسكو. بعض سفراء أميركا شعروا بالحرج من بيان كارتر، الذي طالب فيه ممثله في مجلس الأمن بالاستقالة. إلا أن مساعد وزير الخارجية آنذاك قال إن عدم الفهم للقرار كان يخص كارتر ووزير خارجيته سيروس فانس. كما تصف وثيقة أخرى فشل وزير الطاقة الأميركي في زيارته للسعودية.

الملك حسين يقول إن هجومه السابق على أميركا لم يكن كافيا بعد بيان كارتر برقية مؤرخة في 5 مارس (آذار) 1980 من السفير البريطاني في عمان، على خلفية مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة وزيارات كل من الرئيس المصري أنور السادات ومناحيم بيغن والملك حسين لواشنطن. وقال السفير في برقيته (المعنونة تحت اسم الأردن والولايات المتحدة): إنه التقى العاهل الأردني الملك حسين في قصره بعمان بعد بيان الرئيس الأميركي جيمي كارتر الموجه لمجلس الأمن حول الوضع في الأراضي المحتلة.

وجاء في البرقية أن بيان الرئيس الأميركي جيمي كارتر «أصاب البعض (بما في ذلك الملك حسين ورئيس الوزراء) بالحيرة وخيبة الأمل، خصوصا أنهم كانوا يأملون أن يعكس التصويت إمكانية بداية التغيير في موقف الولايات المتحدة تجاه سياساتها في الشرق الأوسط».

«عندما التقيت الملك حسين أمس (مع اللورد أكاشيا) قال الملك حسين، إن التصويت في مجلس الأمن جعله يتساءل إذا كان قاسيا في انتقاداته السابقة للولايات المتحدة الأميركية، لكن بعد بيان الرئيس الأميركي كارتر اتضح لديه أنه في الواقع لم يكن قاسيا بما فيه الكفاية».

وتقول نفس البرقية إن السفير البريطاني في عمان التقى زميله السفير الأميركي بعد لقاء الأخير مع رئيس وزراء الأردن الشريف عبد الحميد شرف. «وعبر شرف عن خيبة أمله تجاه بيان الرئيس الأميركي بخصوص التصويت الأميركي في مجلس الأمن»، معتبرا أنه (أي الرئيس كارتر) قد «خضع لضغط إسرائيل الفاضح»، وكان منزعجا تماما، وطلب ردا رسميا من الولايات المتحدة على هذا الموقف.

وزير الطاقة الأميركي يعود بخفي حنين من زيارته للسعودية وتصف الوثيقة حالة الاكتئاب التي واجهت السفير الأميركي في عمان بعد التصويت في مجلس الأمن والهجوم في الصحافة الأردنية على أميركا وسياساتها في الشرق الأوسط. ويطلب السفير البريطاني في برقيته، رغم أنها وثيقة داخلية وليست للنشر، أن تبقى قيد السرية ويحافظ عليها بشكل خاص، لما تحتويه من معلومات خاصة ومحرجة على الصعيدين الشخصي والسياسي. ويقول هنا «زميلي الأميركي شعر أن التصويت الأميركي بدأ يأخذ تأثيراته في المنطقة، وأنه سمع أن زيارة وزير الطاقة الأميركي للسعودية كانت فاشلة، وأنه عاد بخفي حنين من الرياض».

سفير أميركا يطلب مساعدة بريطانيا في كيفية إصلاح العطب دون معرفة واشنطن وطلب السفير الأميركي من نظيره البريطاني أن يساعد بلده وخبراء بريطانيا في السياسة الخارجية في إصلاح العطب لكن دون معرفة أحد بأنه طلب ذلك.

وتقول الوثيقة إن السفير الأميركي أوصى أن على الولايات المتحدة أن تركز في محاولاتها على قضية المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، خصوصا فيما يخص مدينة الخليل التي تحتوي على مقدسات إسلامية. «لقد سأل إذا كان هناك أي شيء يمكن عمله من طرفنا (لكنه طلب منا عدم الإفصاح عن ذلك) لتوجيه جهود الإدارة الأميركية على هذا الجانب من المشكلة، وسيكون شاكرا جدا لنا، لأن ذلك سيساعد في إيقاف الضرر الذي منيت به الولايات المتحدة بسبب بيان الرئيس الأميركي». ويطلب السفير في نهاية البرقية إطلاع دوائر الدولة وبعثاتها الدبلوماسية، ما عدا جدة وبيروت وبغداد وتل أبيب والقاهرة ودمشق.

المشكلة جيمي كارتر ووزير خارجيته سيروس فانس وليس ماكنري الذي أثار حفيظة العرب هو البيان الذي أصدره كارتر بعد التصويت على الاستيطان بما في ذلك القدس، وجاء ذلك بعد أن أشارت إسرائيل للقرار بأنه شمل القدس، واضطر الرئيس لإصدار بيان يوضح الموقف الأميركي، مما أغضب العرب الذين اعتبروا القرار في مجلس الأمن جيدا نوعا ما. وكان قد طلب الأردن من الولايات المتحدة ودول منظمة الأمم المتحدة العمل على تنفيذ القرار الذي يطالب بوقف جميع العمل الاستيطاني وإزالة المستوطنات القائمة من جميع الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية. ولهذا علقت صحيفة «التايمز» الأردنية الناطقة باللغة الإنجليزية قائلة في افتتاحيتها، بأنه لأول مرة يتم اتخاذ قرار شجاع ومبدئي في الأمم المتحدة بدعم الولايات المتحدة ضد ممارسات إسرائيل المناقضة للقانون الدولي، إلا أن ذلك لم يدم طويلا، إذ قام الرئيس كارتر بإصدار بيان يتراجع فيه عن القرار، ويطلب من دونالد ماكهنري ممثل واشنطن في مجلس الأمن الاستقالة فورا.

ويظهر الاختلاف في وجهات النظر من خلال برقية من واشنطن إلى وزارة الخارجية تشرح الموقف. وتقول البرقية المؤرخة في 4 مارس 1980:

التجربة تظهر الفوضى القائمة آنذاك في واشنطن، وهذا ما صرح به ستيرنر نائب وزير الخارجية الأميركي، الذي كان في وضع لا يحسد عليه، كونه كان مسؤولا عن إيصال المعلومات لدونالد ماكهنري عن كيفية تصويت الولايات المتحدة. ويقول إن العاملين في وزارة الخارجية كانوا سعداء بما قاموا به من جهود لتمرير القرار الإيجابي، وكان ذلك محبطا للذين كانوا يريدون إثبات حسن النيات للعرب، وكذلك لأنفسنا وللآخرين (وتبيان مصداقية اتفاقيات كامب ديفيد)، بأن الإدارة الأميركية جادة وأنها حازمة مع الإسرائيليين.

وشرح ستيرنر أنه كان هناك انهيار في الاتصالات، وهذه لم تكن بين واشنطن ودونالد ماكهنري الذي اتبع التعليمات التي وصلت إليه بحذافيرها، والتي ناضل من أجلها يوم 29 فبراير (شباط) 1980. أي سوء فهم كان بين كارتر ووزير خارجيته سيروس فانس. لم تكن نية كارتر إدخال قضية القدس في القرار، لأن القرار كان يتحدث عن الأراضي المحتلة، وأن الولايات المتحدة تعتبر حسب القوانين الدولية أن القدس هي جزء من الأراضي المحتلة، لكن بيغن كان قد طلب إزالة أي إشارة للقدس على أنها من الأراضي المحتلة.. وقيل لنا إن كارتر لم يقرأ القرار، حتى نبهه اللوبي الإسرائيلي لذلك خلال عطلة نهاية الأسبوع بعد فوات الأوان.

الملك حسين لا يريد الاعتماد على الولايات المتحدة في العلاقة والأسلحة وتقول برقية أرسلتها بعثة بريطانيا في واشنطن مؤرخة في 25 أبريل (نيسان) 1980: إن علاقة الأردن بالولايات المتحدة وصلت الآن لأدناها من أي فترة مضت خلال حكمه. ومع أنه يرغب في أن تبقى علاقات الصداقة بينه وبين الولايات المتحدة مستمرة إلا أنه قرر تقليل اعتماده على الولايات المتحدة في التسليح، ويريد أن يتنوع في مصادر أسلحته من عدد من المصادر الأخرى بما في ذلك الاتحاد السوفياتي.

وتمضي البرقية لتقول إن الملك حسين يعتقد أن شكوك ومخاوف العرب أصبحت واضحة من خلال الاتفاقيات المعقودة بين مصر وإسرائيل، وأن الأخيرة تريد أن تبعد مصر عن المشهد السياسي، وأن الجانب الإسرائيلي - المصري من النزاع هو الجانب الأسهل، أما المشكلة الحقيقية فهي تكمن في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وحقوق الفلسطينيين والأرض.

السادات مستعد لأن يتدخل في حالة تعنت مصطفى خليل وبطرس غالي وثيقة بريطانية مصدرها واشنطن ومؤرخة في 11 أبريل 1980 بخصوص زيارة الرئيس المصري أنور السادات لواشنطن، تقول: إن الأميركان لا يعرفون ما الذي سيقوله السادات في هذه الزيارة، التي سبقت خطابه في القاهرة، الذي أظهر فيه بعض التشدد تجاه المفاوضات. إلا أنهم تأكدوا أنه ما زال جادا بخصوص اتفاقيات كامب ديفيد.. ومع أنه كان قلقا إلا أنه عبر عن ثقته في صديقه كارتر بأنه قادر على تخطي الصعوبات. كما أنه بين لهم أنه مستعد للتدخل عندما يتعنت بطرس غالي أو أسامة الباز في حالة طلب من المصريين تقديم تنازلات في حالة تعثر المفاوضات، مثل تسليم جميع السلطات العسكرية إلى سلطات الحكم الذاتي للفلسطينيين. هذا الاقتراح أفرح الأميركان ولهذا كان التقدير أن ذلك سوف يقوي موقف كارتر ويعطيه صكا برصيد يمكنه أن يصرفه من مناحيم بيغن عند لقائه.

خيار «غزة أولا» ومع أن السادات لم يقدم أي تفاصيل واضحة بخصوص المفاوضات، كما تقول الوثيقة، خلال زيارته لواشنطن، إلا أن الوثيقة تبين أنه يتوقع أن تتقدم المفاوضات بشكل بناء في قضايا مثل الأرض والاستيطان والقدس. كما يريد الأميركان أن يعرفوا منه خيار «غزة أولا». السادات بين أنه لا يفكر بترتيبات جانبية بخصوص غزة، إلا أن المصريين مستعدون لفرضها على أهل غزة إذا فشلت المفاوضات بالوصول إلى تسوية في الضفة الغربية مع الفلسطينيين في هذه المناطق.