مفوضية الجنوب لـ«الشرق الأوسط»: المسرح بات جاهزا.. ونعمل لإخراج اليوم الأول بسلام

فنادق جوبا تكتظ بالإعلاميين والصحافيين.. والحديث عن الوحدة «خيانة» > آلاف الجنوبيين عالقون أمام موانئ نهرية بالشمال لتعذر ترحيلهم

سوداني جنوبي مستلق بالقرب من أمتعته بالخرطوم في انتظار ترحيله إلى الجنوب (أ.ف.ب)
TT

في وقت يحبس فيه الجنوبيون أنفاسهم استعدادا للتصويت في استفتاء تقرير المصير الأحد المقبل، بدأت مفوضية الاستفتاء في الجنوب العد التنازلي والاستعداد لإخراج اليوم الأول من أيام الاستحقاق السبعة، بسلام. وأعلن أن رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت سيصوت في الاستفتاء في مركز أمام مقبرة رئيس ومؤسس الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق. وخرجت مسيرة في جوبا أمس قبل يومين من انتهاء حملة تعبئة المواطنين للتصويت لصالح الانفصال وهو الأوفر حظا خلال أيام الدعاية، فيما يواجه آلاف الجنوبيين مصيرا مجهولا في موانئ الشمال النهرية بعد عرقلة عملية ترحيلهم في برنامج العودة الطوعية لمناطقهم، وسط توقعات بازدياد وتيرة تدفقهم إلى الجنوب خلال الأيام المقبلة.

وقال المتحدث باسم المفوضية ماكير مريال بنجامين، لـ«الشرق الأوسط»، إن المفوضية أكملت استعداداتها. وأضاف أن عدد الموظفين في مراكز التسجيل يصل إلى نحو 7.914 ألف موظف وموظفة، في 2.638 مركز، بواقع ثلاثة موظفين لكل مركز، مشيرا إلى أن تدريب العاملين وتوزيع البطاقات اكتمل في كل الولايات والمراكز.

وتابع «المسرح الآن جاهز لبداية عملية الاقتراع في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي»، وكشف عن أن رئيس حكومة الجنوب سلفا كير سيصوت في مركز الرئيس السابق للحركة الراحل الدكتور جون قرنق - في رمزية لمؤسس وقائد الحركة الذي وقع اتفاق سلام مع الخرطوم في يناير من عام 2005. وقال إن أوراق الاقتراع وصلت إلى ولايات دارفور وولايات الشمال الأخرى حيث يدلي الجنوبيون فيها بأصواتهم، مشيرا إلى أن قوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) ساعدت في الخطوة، وأن المراقبين المحليين والدوليين انتشروا في الجنوب والشمال.

وقال بنجامين إن النشاط الدعائي للاستفتاء سينتهي يوم غد، وأضاف أن خطة بداية عملية الاقتراع تم وضعها، وأن رئيس المفوضية سيزور المراكز المختلفة. وتظاهر عدد من المواطنين الجنوبيين في شوارع جوبا يحملون رمز الانفصال (كف اليد الواحدة)، ويرددون أغنية بلغة عربي جوبا في مكبر صوت وطافوا الأحياء المختلفة، وتقول الأغنية «نحن كلنا في مركب واحد.. ماشي لي قدام». وأصبح كل المواطنين يتهيأون لليوم الموعود في التاسع من يناير. ولم يكن من السهل الحصول على مواطن يحمل أفكارا للوحدة في ما عدا سائق سيارة تابعة للمفوضية تحدث لـ«الشرق الأوسط» رافضا الكشف عن اسمه حتى لا يوصف بالخائن، قائلا إنه مع وحدة السودان على أسس جديدة، وسيظل يعمل للوحدة حتى لو تم الانفصال. وأضاف «يمكن أن نعمل انفصالا سريعا للعودة للوحدة بشكل سريع، والناس هنا تواقون للانفصال، ومن ينادي بالوحدة قد يواجه متاعب». وتابع «لكن في المستقبل سينظر الناس هنا إلى أن الوحدة مهمة». وخالفه مواطن يعمل في التجارة واسمه مايكل، قال إنه مع الانفصال ويحلم بذلك اليوم، وإن الشعب الجنوبي الآن جاهز لدولته.

وفي إطار الاستعدادات، بدأت وفود إعلامية إقليمية ودولية، باستثناء صحيفتين أو ثلاث من الخرطوم أرسلت مندوبيها. وقالت المسؤولة في تنظيم الإعلاميين في وزارة الإعلام في جوبا إن عدد الإعلاميين من مختلف وسائل الإعلام (فضائية ووكالات أنباء وصحف وإذاعات) بلغ أكثر من 350. واكتظت فنادق جوبا برجال ونساء الإعلام والصحافيين، منهم من يتبع إلى مؤسسات معروفة، وآخرون صحافيون بلا قيود يعملون لحسابهم الشخصي. وتتم عملية تنظيم الصحافيين بالتسجيل في وزارة الإعلام برسوم قدرها 50 دولارا، فيما يكتفي الصحافي المحلي ببطاقة مؤسسته، ومن ثم التسجيل لدى السلطات الأمنية لاستخراج تصريح بالموافقة على التحرك، وبعدها يتم التسجيل عند مفوضية الاستفتاء لاستخراج بطاقة أخرى خاصة بالاستفتاء، والإجراءات لا تأخذ وقتا كثيرا في وزارة الإعلام لكنها تتعثر أحيانا في مفوضية الاستفتاء. ويقول عدد من الصحافيين الذين شاركوا في تغطيات مماثلة إن التعقيدات الإدارية في الجنوب ناتجة عن التوتر الحادث بسبب الاستفتاء، فيما قال آخرون إن الإجراءات المعقدة سببها أن الجنوبيين يؤسسون دولتهم وخرجوا من الحرب قبل خمسة أعوام، والإقبال كبير فوق الطاقة ولا حمل لهم به.

إلى ذلك، كشفت مصادر «الشرق الأوسط» أن نحو 6 آلاف من العائدين الجنوبيين من الشمال واجهوا صعوبات كبيرة عرقلت وصولهم إلى الجنوب منذ بضعة أيام. وتتكدس الأسر في ميناء مدينة كوستي النهري في أوضاع إنسانية سيئة، فيما يتكدس آخرون في منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم لذات الأسباب. وكان حكومة الجنوب قد بدأت برنامجا للعودة الطوعية لترحيل نحو نصف مليون جنوبي من شمال السودان تزامنا مع عملية استفتاء الجنوب.

ومن جهة أخرى، تشير تقديرات إلى أن عدد الجنوبيين الموجودين في الشمال نحو مليون ونصف المليون مواطن، ومن المتوقع أن ينتقل نحو 150 ألفا إلى الجنوب قبل التاسع من يوليو (تموز)، وسيرغب كثيرون ممن ولدوا أو تعلموا أو عملوا أو تزوجوا في الشمال في البقاء.

وقال وزير الشؤون الإنسانية في حكومة الجنوب جيمس كوك إن الوضع الإنساني في جنوب السودان ليس سيئا لتلك الدرجة، وإن حكومته تبذل جهودها لتوطين العائدين من الشمال ودول الجوار، إلى جانب أن المنظمات الدولية مثل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يقدم برنامج «غذاء لأجل العمل». وأضاف أن وزارته بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإنسانية في الخرطوم استطاعت ترحيل 150 ألف مواطن إلى الجنوب. وقال إن الخدمات متوافرة، لكن ليس كما هو متوقع، وإن ذلك يمثل تحديا حقيقيا أمام حكومة الجنوب.

من جانبه، قال المسؤول الإعلامي الإقليمي للمفوضية العليا للاجئين يوسف حسن، لـ«الشرق الأوسط»، إن سبع شاحنات من جملة عشر محملة بالأغطية والأواني المنزلية لمساعدة الجنوبيين العائدين من الشمال وللحالات المتوقعة لعودة آخرين خلال أو بعد الاستفتاء. وأضاف أن قيمة الشاحنات التي قدمتها المفوضية تصل إلى نحو 13 مليون دولار. وقال إن المفوضية وضعت خطة طوارئ لمواجهة نزوح متوقعة، وإن المساعدات التي وصلت يمكن أن تقدم إلى 50 ألف شخص، مشيرا إلى أن الذين وصلوا إلى الجنوب قادمين من الشمال يصل عددهم إلى 100 ألف. وقال إن المفوضية استطاعت تقديم مساعدات إلى 35 ألفا بالتركيز على الفئات الضعيفة من النساء والأطفال وكبار السن.

وتوقع حسن أن يستمر تدفق العائدين من مواطني الجنوب إلى أن يصل إلى ما بين 200 ألف و250 ألفا، لكنه قال إن المفوضية والمنظمات الدولية تتوقع أن يلجأ نحو 500 ألف شخص إلى دول الجوار، مثل كينيا، وإثيوبيا، وأوغندا وربما مصر. وأضاف أن العودة الطوعية تقوم بها حكومة الجنوب، وأن الأمم المتحدة ومنظماتها تراقب عملية العودة وإتمام العملية بسلام، إلى جانب تقديم المساعدات.