تحسن فرص نجاة الجرحى في حرب أفغانستان

تراجع معدل الوفيات بسبب سرعة نقل الضحايا من جبهة القتال إلى المستشفيات

TT

أسفر القتال المكثف وزيادة عدد القوات في أفغانستان عام 2010 عن إصابة أكبر عدد من الجنود الأميركيين في الحروب حتى هذه اللحظة؛ حيث اقترب عدد الجنود المصابين برصاص وشظايا وعبوات ناسفة من عدد من أصيبوا خلال أكثر الفترات دموية خلال الحرب بالعراق.

لكن تشير البيانات المتوافرة إلى تقدم في علاج المصابين؛ حيث بلغ عدد وفيات الجنود الجرحى الحد الأدنى في حالات الحرب. وطبقا لبيانات البنتاغون الرسمية التي أعلنت الأسبوع الماضي بناء على طلب صحيفة «نيويورك تايمز»، توفي ما يزيد على 430 من أفراد الخدمة العسكرية الأميركية من جرَّاء أعمال العنف في أفغانستان خلال العام الماضي حتى 21 ديسمبر (كانون الأول). لكن لم يكن هذا إلا رقما صغيرا مقارنة بالأرقام الأخرى؛ حيث أصيب 5500 من أفراد الجيش الأميركي في الحرب، أي أكثر من ضعف العدد الإجمالي في 2009 وهو 2415 وأكبر من عدد الجرحى في 2008 بستة أمثال.

بشكل عام، قضى أقل من 7.9% من الأميركيين الذين أصيبوا عام 2010 نحبهم، وهو ما يعتبر أقل من نسبة تتعدى 11% في العام الذي يسبقه و14.3% عام 2008.

وتراجع معدل الوفيات على الرغم من زيادة عدد دوريات المشاة التي عرضت القوة لأخطار تفوق تلك التي تعرضت لها خلال السنوات السابقة. وقال الكثير من الأطباء: إن التحسن لا يرجع إلى سبب واحد، بل إلى سلسلة من الدروس المستفادة عبر نحو عقد شهد خوض حربين مثل الهبوط بالمروحيات المستخدمة في نقل الجرحى بالقرب من ساحة القتال وزيادة استخدام المرقآت.

على الرغم من عدم توافر معدلات وفاة الجرحى من القوات الأفغانية، يقول الأطباء المنخرطون في رعايتهم: إن سجلات المستشفيات توضح أنها تقترب من معدلات الجرحى من القوات الأجنبية، لكنها أيضا انخفضت.

يصور الكثير من الجنود ومن يقومون على رعايتهم تحسن معدلات النجاة كأضعف نوع من النجاح. فعلى الرغم من إنقاذ المزيد من الجنود، الذين فقد بعضهم أطرافهم أو أعضاءهم التناسلية أو يعانون تلفا في المخ، من الموت، سيكون من الصعب عليهم تجاوز جراحهم فيما بعد عند محاولتهم استئناف عملهم وحياتهم الاجتماعية والأسرية.

وبعد مقابلات أجريت مع مصادر طبية وأطباء في الجيش وقضاء صحافيين اثنين من صحيفة الـ«تايمز» شهرا في ملاحظة الجمع والعلاج الفوري للجنود الذين يعانون اضطراب ما بعد صدمات متنوعة، أوضحت البيانات بوجه عام نتائج تطور صراع على أقدار ومصائر الجنود المصابين. تم بذل كل الجهود الممكنة على عدة مستويات للإبقاء على حياة هؤلاء الجنود لمواجهة المعدل المتزايد لمعاناتهم جراحا خطيرة تفوق بعضها قدرة أي نظام طبي على المعالجة.

هناك دليل على التراجع الواضح لمعدلات الوفاة، ففي عام 2005 بلغ معدل الوفيات بين الجرحى من الجنود الأميركيين 19.8%، في حين تراوحت معدلات وفاة الجرحى بين 9.4 و14.3% في العراق وأفغانستان خلال الـ5 أعوام الماضية.

جدير بالذكر أن مصدر البيانات هو عينة شملت عشرات الآلاف؛ حيث أصيب نحو 7200 جندي أميركي في العراق عام 2006 من جرَّاء أعمال عنف وتوفي أكثر من 700 منهم متأثرين بجراحهم.

وأسهمت الإحصاءات في دعم توجهات متسقة في مجموعة الأخطار المهلكة بساحة القتال وقدمت لمحات عن حروب داخل حرب. وارتفع عدد الجنود المصابين في أفغانستان عام 2010 من جرَّاء العبوات الناسفة، حيث بلغ عددهم 3516 مقارنة بـ828 أصيبوا من جرَّاء أعيرة نارية، لكن ارتفاع معدلات الوفاة من جرَّاء الأعيرة النارية، التي بلغت 12.9% مقابل 7.3% هي معدلات الوفاة من جرَّاء عبوات ناسفة، جعلت البنادق والبنادق الآلية أكثر الأسلحة فتكا من الناحية الإحصائية.

وثبت أن القذائف الصاروخية، على الرغم من شهرتها بالقوة، أقل تهديدا؛ حيث تسببت في إصابة 373 جنديا أميركيا فقط، توفي منهم 13 بما يمثل 3.5%. بغض النظر عن تحسن عوامل الفشل، أوضحت البيانات مثل الملاحظات الميدانية أنه على الرغم من الجهود المبذولة لخداع الموت، لا تزال غير مجدية. وتعتبر حالة أحد الجنود الأفغان الذي أصيب في 9 ديسمبر (كانون الأول) من الأمثلة على ذلك. وكان هذا الجندي شابا مرتبكا ممددا على نقالة وزيه العسكري المهترئ يكشف عن جراحه التي أصيب بها من جراء انفجار عبوة ناسفة بدائية الصنع. كان وجهه منسحقا وتحيط برجله اليسرى مرقأة ترتفع حتى الفخذ، وبطنه منتفخ قليلا نتيجة النزيف الداخلي، ورائحة اللحم والشعر المحترق تفوح من نصفه العلوي. لقد عمل هذا الشاب مع فريق القوات الخاصة الأميركي، وعكف أطباء على عمل ما يمكن له بينما ترتفع المروحية ويعدون الدقائق في سباق مع الزمن.

أرجع الطاقم الطبي تحسن فرص نجاته إلى عدة عوامل، من بينها التعديلات التي طرأت على تدريب الجنود على القيام بالإسعافات الأولية وزيادة سرعة نقل الضحايا إلى المستشفيات من خلال زيادة عدد المروحيات أثناء القتال وتغير الإجراءات في غرف العمليات.

ومن العوامل الأخرى التي يرى الأطباء والجنود أنها أدت إلى انخفاض معدل الإصابة بالحروق ودرجة خطورتها هي المعدات، مثل استخدام مركبات مدرعة أقوى وأكثر قدرة على مقاومة المواد المتفجرة والزي العسكري والقفازات المقاومة للنيران.

قال الكولونيل إيفان رينز، مدير مركز إصابات حروق الجيش في تكساس: «لقد رأينا تراجعا في عدد حالات الإصابة بالحروق بوجه عام، حتى مع زيادة عدد القوات في أفغانستان».

ويقول الأطباء إن تغير النظرة إلى المرقآت حال دون وفاة الكثيرين.. فمنذ سنوات قليلة ماضية كانت المرقآت تعتبر من آخر الوسائل التي يتم اللجوء إليها ولم تكن تستخدم سريعا في حالات الإصابة بجروح خطيرة. أما حاليا فيحمل كل جندي في حقيبة الإسعافات الأولية أو في سترته مرقأة واحدة على الأقل، بينما يحمل بعض الجنود أكثر من واحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»