«عكاشة» الشمالي.. صوت في اقتراع الجنوب: لا نريد جدار برلين سودانيا

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه ناضل مع الجنوبيين ضد تسلط الحكومات الشمالية.. واعتقله نميري

شرطي جنوبي في حالة استرخاء امام احد مراكز الاقتراع بجوبا (إ.ب.أ)
TT

صوت السوداني الشمالي أمين عكاشة محمد أحمد، الذي ينتمي إلى قبيلة الجعليين، التي ينتمي إليها الرئيس عمر البشير، في الاستفتاء على مصير الجنوب، رغم انه شمالي، ولكنه يعتبر نفسه جنوبيا بحكم النشأة والمولد، فقد وصل والده إلى هناك عام 1904، ولديه 12 من الإخوة والأخوات أمهاتهم من قبيلة الباريا الجنوبية.

يقول عكاشة، الذي يملك فندقا على الطراز العالمي، إنه ناضل من أجل الجنوب، حتى اعتقله الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969 - 1985) مع عدد من القيادات الجنوبية أبرزها مستشار الرئيس البشير السياسي المخضرم بونا ملوال عام 1982، وأفرج عنه في 16 مايو (أيار) 1983، وهو تاريخ يوم ميلاد الجيش الشعبي لتحرير السودان بزعامة مؤسسها الراحل جون قرنق الذي قاتل الحكومات كلها في الخرطوم لأكثر من 20 عاما انتهت باتفاقية السلام التي شارفت على فترتها الانتقالية بإجراء الاستفتاء المفضي إلى انفصال الجنوب في يوليو (تموز) المقبل.

وعكاشة، الذي التقته «الشرق الأوسط»، في فندقه بجوبا، تربطه صلات قوية بزعماء الجنوب الجدد، وأبرزهم قرنق نفسه، الذي أبلغه عكاشة، قبل رحيل الرجل في حادثة الطائرة، أنه سيسمي فندقا ينوي بناءه باسم «السودان الجديد» أو «نيو سودان» كما يحلو للجنوبيين أن يرددوا.. ويقول عن تاريخه السياسي إنه من مؤسسي الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني. ويضيف: «أنا أقدم حليف مع الحركة الشعبية قبل القوى السياسية، بما فيها الاتحادي الديمقراطي». وظل يردد طيلة الحوار معه أنه يدعو إلى علاقات بين شعبي الشمال والجنوب بسبب ارتباط الدم والمصاهرة والعلاقات الاقتصادية. وقال: «لا يمكن أن نبني حائط برلين بيننا، وعلاقاتنا يجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل وعلى القوى السياسية أن تمنع نشوب الحرب مدى الحياة».

ويقول عكاشة إنه بدأ في بناء فندقه المكون من 6 طوابق، ويتوقع أن يصل إلى 9 طوابق ليصبح أعلى بناية في الجنوب منذ أن بدأ إنشاءه في عام 2006 بعدد 180 عاملا، 15 منهم أجانب والبقية سودانيون.. ويشير إلى أن لديه مشاريع أخرى يسعى لإقامتها منها مدرسة فندقة لتعليم أبناء الجنوب فنون الخدمة الفندقية، ويملك الرجل شركة نقل للبضائع عبر الطيران منذ 26 عاما، وأخرى للتأمين منذ 27 عاما، وقال: «أعتبر نفسي جنوبيا؛ لذلك يعمل معي أكثر من 400 مواطن جنوبي، وهذا دليل على أنني من هذا البلد». ويعاني الجنوب الكوادر المدربة في عدد من المجالات، خاصة الفندقية؛ حيث يوجد في جوبا وحدها أكثر من 150 فندقا بمستويات مختلفة، وتتراوح أسعارها بين المكلفة التي تصل إلى ما بين 180 و800 دولار في الليلة، والعمال الأجانب من أوغنديين، كينيين، إريتريين، إثيوبيين، وقلة من أبناء الجنوب.

ويتحدى عكاشة إمكانية أن ينهض الجنوب في حال انفصاله، ويقول: إن إمكانات الدولة الجديدة متوافرة، بما فيها من الكوادر، خاصة أن عددا منهم تعلم في الشمال وعمل في الخدمة المدنية والعسكرية ومجالات الطب والهندسة والبحوث الزراعية، داعيا الخبرات الشمالية إلى الحضور إلى الجنوب لمساعدة الدولة الجديدة. وقال: إن بناء القدرات ممكن ومتوافر، خاصة أن الجنوبيين - كما يصفهم عكاشة - لديهم من الذكاء والقدرات الاستيعابية بشكل واضح. ويشير إلى أن المباني العالية في الخرطوم أسهم الجنوبيون بشكل كبير في بنائها من خلال عملهم كعمال بناء. وأضاف: «لكن الآن في الخرطوم يستجلبون العمال من إندونيسيا وبنغلاديش».

وفي فندق «نيو سودان» يوجد جاك شيراك الذي قال إنه بدأ عامل بناء لكنه الآن يعمل في تركيب السيراميك والأبواب، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه اكتسب خلال 5 سنوات الكثير من المهارات. ويواصل عكاشة قوله: إن الفنادق في جوبا يملك الأجانب 90% منها، بينما 10% للسودانيين، مناشدا العرب والشماليين الاستثمار في الجنوب.. وقال إنه عندما يفتتح كليته للفندقة ستنتعش الخدمة الفندقية في الولايات العشر. وأضاف أنه أيضا يفكر في فتح مدراس لتعليم اللغة الإنجليزية، إلى جانب مستشفيات متخصصة حتى يتم إيقاف العلاج بالخارج. وقال: إن حكومة الجنوب في كل مستوياتها تفتح الأبواب للاستثمار، خاصة المشاريع الحيوية، التي قال إنها ستفتح المجال لتوسيع فرص العمالة للجنوبيين. وتابع: «المستثمر يريد السلام والحرية والمناخ الجيد والاستقرار، وهذا كله متوافر».. ويردد: «الجنوب واعد.. واعد بشكل كبير وسيصبح أكبر وأغنى دولة في أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط.. انظر حولك العالم كله الآن في جوبا».

ويقول عكاشة عن نفسه إنه صمم الفندق ونفذه وحده، وإنه عمل مع إميل البستاني - لبناني - في تصميم وتنفيذ مبنى بنك السودان المركزي في الخرطوم عام 1964، وفي عام 1977 صمم ونفذ مبنى تلفزيون جنوب السودان مع شركة أميركية، كما أنه صمم مسجد جوبا الكبير ومباني مستشفى الصباح الذي بنته دولة الكويت في أوائل السبعينات.

على الجانب الآخر شرق فندق «نيو سودان» يقف فندق «صحارى» الذي يملكه لبناني بدأ عمله في الخرطوم بمطعم وانتهى به المقام في جوبا بأفضل فندق أجنبي، ليليته تصل إلى نحو 800 دولار، كما قال مدير الفندق هشام فياض، الذي بدأ يتحدث بلغة عربي جوبا بشكل قليل، وقال إن الأمور كانت في بدايتها صعبة، لكنها تذللت بعد أن اكتسب ود الجنوبيين واحترامهم، وإن تعاملهم، مقارنة مع الشماليين، أفضل بالنسبة له، وقال إن حاجز اللغة كُسر مع العمل والتواصل المباشر اليومي، والرجل لديه خبرة في أفريقيا؛ حيث عمل في ساحل العاج وليبيريا، نافيا ما ظل يردده البعض من أن اللبنانيين يتعاملون بعنصرية مع أفريقيا، وقال: «يكفي أن 70 ألف لبناني يعيش في ساحل العاج». وأضاف أن أسرته يمكن أن تسكن جوبا في حال توافرت البنية التحتية من تعليم وعلاج، مشيرا إلى أن المسؤولين، ومن بينهم رئيس حكومة الجنوب سلفا كير، يرحبون بالمستثمر، وقال إنه سيعمل في مجالات الزراعة بعد أن يصبح الجنوب دولة جديدة وإن مشروعا زراعيا ضخما يقوم بالإعداد له.

في الجانب الغربي من جوبا تملك لولا الإريترية مطعما على الطراز الإريتري يقدم وجباتهم الشعبية، وتسمع الأغنيات الإثيوبية والإريترية، وتقول إنها كانت مع جنود الجيش الشعبي في منطقة «هايكوتا» بشرق السودان عندما نقلت الحركة الشعبية معاركها إلى شرق السودان، ولدى لولا فندق صغير يديره معها جنوبي، وتقول: «يعمل معي الجميع من سودانيين وإثيوبيين وإريتريين»، على الرغم من أن بين إثيوبيا وإريتريا ما صنع الحداد، لكن لولا أذابت ذلك في سوق العمل.