باريس تتأهب لإعلان ولادة «مجموعة الاتصال» حول لبنان

المجموعة عربية - إقليمية - دولية.. وتضم مبدئيا 7 بلدان

TT

كثفت باريس اتصالاتها الدبلوماسية عالية المستوى مع العواصم المعنية للبحث عن وسيلة من أجل «احتواء التوتر المتصاعد» الناتج عن إسقاط حكومة سعد الحريري وعن الخلاف على المحكمة الدولية. وقالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن ما تسعى إليه فرنسا هو «توفير مظلة أمان تضاعف الدعم الخارجي للمؤسسات والدفع في اتجاه إنتاج حكومة جديدة وتدارك ما قد ينجم من مضاعفات سلبية على قرار ظني منتظر من المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان».

وكان منتظرا أن يصدر عن القصر الرئاسي بعد ظهر أمس بيان بهذا المعنى، حيث إن الاتصالات التي تقوم بها باريس، وأهمها الجولة الواسعة من مشاورات الرئيس نيكولا ساركوزي ومساعديه ووزيرة الخارجية ميشال أليو ماري، أفضت إلى بلورة صيغة تصور لمظلة الأمان تحت مسمى «مجموعة اتصال» عربية - دولية. ووفق المعلومات المتوافرة في العاصمة الفرنسية، وبانتظار بيان رسمي رئاسي، فإن المجموعة ستتشكل من فرنسا ولبنان والولايات المتحدة الأميركية وسورية وقطر وتركيا ومصر. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن هذه المجموعة بمثابة «بنية خفيفة للتشاور» ومن أجل «رعاية الوضع اللبناني» بعد أن وصلت «المبادرة السعودية - الفرنسية إلى طريق مسدود». وحرصت هذه المصادر على القول بأن الغرض الأوحد هو «البحث عن وسائل للمساعدة».

ومن هذا المنطلق، تعتبر باريس أن الاهتمام العربي والدولي بلبنان غرضه الأول «عدم ترك اللبنانيين وحدهم»، مما يعني بكلام أوضح «منعهم من الانزلاق» نحو ما لا تحمد عقباه وخروج الوضع السياسي والأمني من تحت الرقابة. وأصدرت الخارجية الفرنسية أمس بيانا شددت فيه على دعم باريس لـ«السلطات اللبنانية» وعلى تمسكها باحترام المؤسسات وبالإطار المؤسسي الذي أرساه اتفاق الطائف، كما أنها جددت رؤيتها للبنان سيدا ومستقرا وتمسكها بالمحكمة الدولية واستقلالها وأهمية أن تستمر في عملها من غير عوائق.

وحثت باريس الأطراف اللبنانية على سلوك الحوار طريقا لتسوية المشكلات وتشكيل حكومة جديدة، في عبارة بالغة الدلالة بأنه من «الأساسي أن تساهم الأسرة الدولية وكذلك اللاعبون الإقليميون وكل شركاء لبنان في توفير الاستقرار للبنان». وتعتبر باريس أن أي بحث عن الحلول يجب أن يحترم مبدأين: استقرار لبنان من جهة، واحترام التزاماته الدولية من جهة ثانية، مما يعيد الأمور إلى مربع قبول المحكمة الدولية.

وناقش ساركوزي مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مجمل الوضع اللبناني والمقترح الفرنسي بتشكيل «مجموعة اتصال» غير رسمية والأجندة التي يمكن أن تعمل عليها. وبينما «تتناسى» واشنطن، كما برز ذلك في تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الأخيرة، الطرف السوري، فإن باريس، كما قالت مصادر متابعة للملف اللبناني، تعول على دور سوري لـ«احتواء التصعيد».

ويبدو دور سورية في مجموعة الاتصال المقترحة والمنتظر الإعلان عنها رسميا، باعتبار أنها الطرف الوحيد الذي يتبنى موقف المعارضة اللبنانية، وتحديدا موقف حزب الله بشكل كامل ومفتوح. ولذا، فإن قبول سورية للمجموعة بالغ الأهمية، حيث لا تستطيع هذه الأخيرة العمل في حال لم تجد تغطية سورية، وفق ما تقوله مصادر سياسية في العاصمة الفرنسية. ومن السيناريوهات المتداولة أن ترفض المعارضة وجود هذه المجموعة أصلا.

غير أن مصادر عربية في العاصمة الفرنسية تحدثت عن وجود «عقدة سورية»، رجحت أن يكون سببها رغبة دمشق في إبقاء جانب كبير من خيوط اللعبة اللبنانية في يدها وعدم رغبتها في تقاسمها مع هيئة تشبه مجموعة اتصال عربية - إقليمية - دولية. وثمة من تحدث أيضا عن «عقدة مصرية» سببها التباعد بين دمشق والقاهرة بخصوص الكثير من الملفات العربية، ومن بينها الملف اللبناني.

وفي المؤتمر الصحافي نصف الأسبوعي، امتنع الناطق باسم الخارجية برنار فاليرو، عن تأكيد ولادة المجموعة بشكل رسمي، محيلا السائلين إلى رئاسة الجمهورية. غير أن فاليرو طالب بـ«بعض الوقت» من أجل إيجاد «أفضل الصيغ» لمساعدة اللبنانيين، وتوفير الوقت لمزيد من المشاورات.

وعلى أي حال، تبقي باريس التي تتخوف من انعكاسات الوضع الداخلي اللبناني على أمن قوتها العاملة في «اليونيفيل» وعلى الاستقرار الإقليمي بشكل عام، على تعبئتها الدبلوماسية من أجل لبنان رغم انشغالها بمشكلات كثيرة، ليس أقلها الوضع الداخلي التونسي، وتهديدات «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي. وستناقش وزيرة الخارجية هذه المسألة في جولتها الشرق أوسطية القادمة التي تبدأ يوم الخميس القادم، وتشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية، بما فيها غزة، وكذلك الأردن ومصر.

بموازاة ذلك، لم تغير باريس حتى الآن برنامجها لاستقبال السياسيين اللبنانيين في الأيام القادمة، حيث من المقرر أن يأتي إلى باريس تباعا رئيسا القوات اللبنانية وحزب الكتائب، وكذلك زعيم تيار «المردة» ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، لعل «المواكبة» اليومية لتطورات الوضع اللبناني توفر على اللبنانيين مزيدا من المشكلات.