عودة بطيئة للحياة العادية في العاصمة التونسية وتخفيف الطوارئ

رفع الحواجز وتخفيف الطوق الأمني.. والجيش منتشر في المناطق الاستراتيجية

TT

بدت الحياة في العاصمة التونسية وضواحيها تعود إلى طبيعتها بصورة بطيئة بعد ليلة شهدت تحليقا لمروحيات الجيش التي استخدمت أضواءها الكاشفة وإنذارات بتحركات مشبوهة لسيارات يطلق ركابها النار على منازل.

وتم صباح أمس تخفيف الطوق الأمني حول وسط العاصمة ورفعت الحواجز التي نصبت ليلا في الشوارع المؤدية إليه، مع انتشار أمني أقل وضوحا. وبدت الشوارع الكبرى شبه مقفرة وانتشر الجيش في المناطق الحساسة من العاصمة، خصوصا مطار «تونس قرطاج» الدولي ومقر التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي). وانتشر في بعض التقاطعات جنود وشرطيون بالزي. وفتحت مقاه قليلة أبوابها في السوق المركزية بالعاصمة.

وعادت الحافلات الصفراء (النقل الحكومي) وعربات المترو الخفيف الخضراء (النقل الحديدي العمومي) إلى الظهور بعد ثلاثة أيام من الراحة الإجبارية. وفتحت المقاهي والمحلات التجارية أمس أبوابها أمام العموم وبدت الفرحة تغمر جميع الوجوه، وشبه بعض التونسيين نهار أول من أمس الأحد بيوم عيد، وتعالت النقاشات حول الأوضاع في الساحات ومعظم الشوارع، كما بدا التصميم على الجميع بقطع الطريق أمام من يحاول الرجوع بالبلاد إلى العهد السابق.

وخففت قوات الأمن والشرطة والجيش الوطني من حواجز المراقبة، ولم تبق سوى على حراسة مشددة على المنطقة المحاذية لمقر وزارة الداخلية التونسية، ولازمت دبابتان من دبابات الجيش التونسي مكانهما في شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي للعاصمة التونسية. ولا تزال طائرات الهليكوبتر تجوب سماء العاصمة التونسية بين الحين والآخر ويسمع دوي محركاتها من حين لآخر، خاصة الجهة الجبلية المعروفة بـ«جبل عمار» من ولاية (محافظة) أريانة (من ضواحي العاصمة)، حيث يعتقد أن بعض الجيوب المقاومة لعملية الثورة الاجتماعية لا تزال متحصنة هناك.

ولعبت المجموعات الشعبية، التي كونها سكان الأحياء السكنية في مختلف مدن البلاد (الحماية الشعبية)، دورا في تخفيف حدة التوتر الأمني الذي عرفته تونس خلال ليلة السبت، أول يوم بعد رحيل بن علي. فقد أقام شبان ارتدوا الملابس البيضاء لتمييزهم عن غيرهم من العناصر، حواجز تفتيش على مختلف الطرقات المؤدية إلى أحيائهم، في حين تكفلت قوات الجيش بالمحاور الرئيسية لتلك المدن. ونجحت هذه العملية في القضاء على جزء كبير من مخاوف السكان. وتسلح الشبان بأدوات عدة من فؤوس وآلات حادة دفاعا عن ساكني تلك الأحياء.

في هذا الصدد، قال صابر الهمامي، طالب جامعي: «إننا نحمي سكان الحي من عصابات وفلول النظام السابق، حسب ما وصلنا من أنباء، ونحن لا نخاف تلك الأقلية التي تحاول تنغيص الفرحة على التونسيين».

وفي إطار تخفيف حالة الاضطراب الاجتماعي وللتأكيد على درجة تحسن ملحوظة على المستوى الأمني، صرح مصدر مسؤول، لم يذكر اسمه لوسائل الإعلام التونسية المحلية أمس: «إنه في نطاق تخفيف إجراءات حالة الطوارئ ونظرا لتحسن الأوضاع الأمنية بالبلاد، تقرر خفض مدة الحظر الليلي، حيث أصبحت من الساعة السادسة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا، مع المحافظة على بقية الإجراءات، وذلك ابتداء من أمس». وهو ما أعطى انطباعا لدى مختلف شرائح المجتمع التونسي بأن الوضع الأمني سائر نحو الانفراج، وأن أجهزة الدولة سيطرت بالكامل على الجيوب التي تقف وراء التسيب الأمني الذي عرفته البلاد على مدى يومي الجمعة والسبت الماضيين.

ودعت السلطات التونسية مختلف الناشطين في الأعمال التجارية إلى فتح محلاتهم، قائلة إن «كل السلع، وبالخصوص المواد الأساسية متوافرة بكميات كبيرة». وإن كل التجار ومختلف المحلات التجارية مدعوة لفتح أبوابها لتأمين تزويد المواطنين في أفضل الظروف. وذكر البلاغ أن «قوات الأمن والجيش الوطني ساهرة على ضمان استتباب الأمن، ولا داعي للخوف وليس هناك موجب لأن تبقى المحلات مغلقة». إلا أن الوضع القائم حاليا وحالة الطوارئ المسيطرة على البلاد تحول دون تزويد السكان بالحاجيات الأساسية، خاصة الخبز الذي يتطلب إعدادا ليليا، وهو ما لا يمكن توفيره، إذ تمنع حالة الطوارئ تنقل الأشخاص طوال معظم ساعات الليل.

وقال رؤوف الجريء، تاجر مواد غذائية بضواحي العاصمة: إنه على استعداد لفتح محله، ولكن المخازن الكبرى التي تزود البلاد بتلك المواد مغلقة، إذ يصادف اليوم يوم أحد، وهو عطلة أسبوعية في تونس. وربما أن هؤلاء لم يفهموا أن البلاد تمر بظروف استثنائية ومن واجبهم إعانة السكان على توفير المواد الغذائية الأساسية، إذ إن بعض السكان لم يقتنوا الخبز العادي منذ أكثر من خمسة أيام، وأن طوابير المواطنين على الخبز بدأت بالظهور منذ أيام، وأن مخزونات معظم العائلات التونسية من تلك المواد سائر نحو النفاد، إن لم يكن قد نفد بالفعل. وأشار إلى أن استعادة الحياة العادية يتوقع أن تبدأ فعليا من نهار اليوم (أمس).