باراك ونتنياهو.. نحو حلف طويل الأمد يخفف الضغوط الأميركية على الحكومة

TT

خطوة الاستقالة من حزب العمل، التي أقدم عليها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، جاءت بالأساس لحماية مقعده كوزير للدفاع في حكومة بنيامين نتنياهو، وحماية الحكومة ومقعد رئيسها أيضا، ولكنها لا تخلو من أبعاد سياسية.

أولا، لجهة كونها خطوة جرى الإعداد لها منذ نحو السنة وكانت، في الأصل، معكوسة، إذ إن نتنياهو بدأ يشعر بأن رفاقه في الجناح المتطرف من حزب الليكود، يعقدون تحركه بسبب إعلانه القبول بمبدأ «الدولتين للشعبين» ثم موافقته على الطلب الأميركي بتجميد البناء الاستيطاني 10 شهور. وبدأ المقربون من نتنياهو بث إشاعات عن أنه قد يضطر إلى قسمة حزب الليكود وإقامة حلف مع مجموعة من حزب العمل برئاسة باراك وتشكيل حزب جديد وسطي عمليا، يقود إسرائيل إلى عملية سلام ويبقي المتطرفين اليمينيين واليساريين خارج الصف.

نتنياهو لم يضطر إلى هذه الخطوة، أولا بسبب إدراك اليمين المتطرف لهذا الاحتمال، وثانيا لأن نتنياهو نفسه كان مترددا في اتخاذ خطوة كهذه، فهو كان قد هاجم أرييل شارون لأنه شق حزب الليكود وأسس حزب «كديما» بالتحالف مع مجموعة منشقين من حزب العمل برئاسة شيمعون بيريس. وعندما تسببت مواقف نتنياهو في تجميد المفاوضات السلمية مع منظمة التحرير الفلسطينية، هدأت المعارضة اليمينية المتطرفة داخل الليكود.

بيد أن التيار المعارض لباراك داخل حزب العمل ازداد حدة، وتمكن خصومه من تقويض مكانته بشكل كبير بعد اتهامه بأنه موجود في الحكومة فقط لكي يبقى وزيرا للدفاع، ولا تهمه عملية السلام ولا مصلحة الحزب، الذي تطالب كوادره بأن ينسحب من الحكومة إذا لم تتحرك مسيرة السلام. وزاد الطين بلة نشر أنباء مصدرها الولايات المتحدة تفيد بأن إدارة الرئيس باراك أوباما فقدت ثقتها بوزير الدفاع الإسرائيلي الذي أوهمها بأن نتنياهو جاد في عملية السلام وتبين أنه لا يتمتع بالشجاعة الكافية للتقدم في مسيرة السلام. وشعر باراك أن خصومه ينفذون خطة أميركية للتخلص منه لكي ينسحبوا من الائتلاف ويشكلوا بذلك عنصر ضغط على نتنياهو.

وعندما تبين أن خصوم باراك في حزب العمل نجحوا في جمع تواقيع أكثرية مجلس الحزب المركزي للإعلان عن انتخابات داخلية تهدف إلى الإطاحة به، قرر التحرك وفق خطته. وبسرية بالغة وهدوء تام، رتب مع نتنياهو خطواته، وفاجأ الجميع بإعلان الانسحاب من حزب العمل وتشكيل حزب جديد.

باراك من جهته يتوقع من هذه الضربة، أن تنسف رثاءه في حزب العمل حيث بدأوا يعدون لفرض اعتزال السياسة عليه. وهو أقدم على خطوة يحاول من خلالها ضمان البقاء في ساحة القيادة سنين طويلة، فحسب هذا المخطط، سيقيم حزبه الجديد تحالفا في الانتخابات المقبلة مع حزب الليكود، ويضمن بذلك أكثرية ساحقة في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). وأما بخصوص المفاوضات، التي كانت من أهم أسباب عزلة الحكومة والضجة داخل حزب العمل ضدها، فإنها ستتلقى ضربة ليست قاضية، ولكنها واضحة المعالم. في أساسها أن نتنياهو وباراك يتوجهان الآن إلى واشنطن وفق معادلة جديدة، فالضغط الداخلي عليهما فشل وحزب العمل سيحتاج إلى شهور طويلة ليتجاوز أزمته ويلملم أطرافه. وهناك محاولات جدية من حزب «كديما» الليبرالي المعارض من جهة وحزب «ميرتس» اليساري الصهيوني المعارض من جهة ثانية، لضم ما تبقى من النواب الثمانية في حزب العمل إليهما وعمليا القضاء التام على هذا الحزب.

هدف نتنياهو وباراك ليس إفشال مسيرة المفاوضات. بل بالعكس، فمن مصلحتهما تحريك هذه المسيرة حتى لا يستغل خصومهما الموقف ويتهموهما بتفجير الأوضاع في المنطقة. ولكن التحرك في هذه المسيرة مع الأميركيين سيكون من خلال وضعية جديدة، تضطر فيها الولايات المتحدة - وفقا لحسابات باراك ونتنياهو - إلى تخفيف الضغوط الخارجية على هذه الحكومة. فهما اليوم أقوى. والولايات المتحدة تحترم عادة الأقوى.