تونس: قانون العفو العام قد يطال 30 ألفا والأحزاب المرخصة ستزيد على 12

دعوات للعفو أيضا عن موقوفي الحوض المنجمي.. والخريطة السياسية مرشحة لتنوع أوسع

تونسيان يمران أمام منزل مراد الطرابلسي، أحد أصهار الرئيس المخلوع، خارج العاصمة، تونس، أمس (أ.ب)
TT

تنتظر مكونات المشهد السياسي في تونس المصادقة النهائية على مشروع قانون العفو العام الذي صادقت عليه الحكومة أول من أمس وقررت إحالته إلى البرلمان، وأيضا تسريع منح التراخيص للأحزاب السياسية. ويتوقع، حسب سياسيين وخبراء، أن يطال قانون العفو العام قرابة الـ30 ألف تونسي وأن يصل عدد الأحزاب السياسية المرخص لها إلى 12 على الأقل.

ويفترض أن يطال قانون العفو العام آلاف التونسيين الذين حرموا على مدى عقود من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية، مثل الانتخاب والترشح لعضوية المؤسسات الدستورية على غرار مجلسي النواب والمستشارين، إضافة إلى حق اختيار ممثليهم في تلك المجالس.

وحول هذا القانون الجديد، قال سمير بن عمر، الكاتب العام للجمعية الدولية لمساندة المساجين لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا القانون يخص كل ضحايا مرحلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وقد تمتد إلى مرحلة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة»، متوقعا أن يصل العدد الإجمالي للمستفيدين من القانون قرابة الـ30 ألف تونسي. وأضاف أن الكثير من سجناء الرأي خلافا لما راج عن إطلاق سراحهم في ظل الوضع الجديد، لا يزالون يقبعون في السجون ويعيشون ظروفا صعبة، إذ هم محرومون من الزيارات العائلية وتقدم لهم خلال هذه الفترة السياسية الانتقالية ما يكفي من الغذاء، على حد قوله. وأضاف أن بعض السجناء يقضي الليل في العراء بعد تخريب أجزاء من السجون. وتابع بن عمر: «إن بعض السجناء السياسيين قد تعرضوا لإطلاق الرصاص وألقيت عليهم قنابل مسيلة للدموع داخل زنزاناتهم». وأكد من ناحية أخرى أن الطلب الأساسي لعائلات السجناء السياسيين هو تعويض الضرر المادي والمعنوي من جهة، ومسح العقاب بالكامل وإعادة إدماج المساجين السياسيين في المجتمع التونسي.

بدوره، قال بسام الطريفي، وهو محام وناشط حقوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن العفو التشريعي المزمع إصداره يمحو العقوبة والجريمة الملصقة بالكثير من التونسيين ويرجع لهم حريتهم ومواطنتهم. وطالب بالإسراع بتطبيق هذا القانون حتى تتواصل مرحلة الانفراج السياسي في البلاد. وقال إن الكثير من السجناء السياسيين قد تمت محاكمتهم في عهد بن علي باعتبارهم مخالفين لقوانين الحق العام، مثل اتهامهم بارتكاب جرائم عنف أو غيرها مما جعل كل وزراء العدل في عهد بن علي يصرحون للإعلام بأن تونس ليس فيها محاكمون من أجل أفكارهم السياسية. وأضاف الطريفي أن المنظمات الحقوقية التونسية تطالب اليوم بجرد كامل وغربلة دقيقة لوضعيات السجناء الذين تعرضوا لمحاكمات ظالمة على غرار المنتسبين لحركة النهضة الإسلامية والكثير من الصحافيين، مثل توفيق بن بريك والفاهم بوكدوس وزهير مخلوف. كما طالب بضرورة الإسراع بإطلاق سراح بعض سجناء أحداث الحوض المنجمي ممن لا يزالون خلف القضبان بتهم متعددة والحال أن خلفية تلك الأحداث كانت سياسية بالأساس، على حد قوله. وأعرب الطريفي عن تفاؤله بالإسراع في تطبيق قانون العفو العام قائلا: «إن الحكومة وافقت على مشروع القانون بعد ستة أيام فقط من سقوط نظام بن علي والمنتظر منها أن تكون بنفس الفعالية في مجال المصادقة عليه حتى يمر إلى مرحلة التنفيذ».

أما حمادي الجبالي، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، فاعتبر أن العفو التشريعي العام سيشمل كل سجناء الرأي من دون استثناء وحذر مما سماه «ألاعيب فلول النظام الرئيس السابق»، قائلا: «إن لهم القدرة على الالتفاف على مشروع هذا القانون الذي صدر تحت ضغط الشارع التونسي». وقال إنه قد يشمل ما بين 25 ألفا و30 ألف تونسي معظمهم تم القبض عليهم إبان حملات الاعتقال التي قادها نظام الرئيس المخلوع سنتي 1990 و1991 عندما تم إيداع المنتمين لحركة النهضة وبقية التيارات الإسلامية السجون بمحاكمات وصفها بـ«الملفقة والظالمة».

وقال إنه يتعين على المكلفين وضع آليات تنفيذ هذا القانون أن ينصوا صراحة على تعويض المتضررين وجبر الضرر المعنوي والمادي بعيدا عن لغة التشفي والانتقام ممن دمروا حياة قسم من شباب تونس، على حد تعبيره.

ومن المنتظر أن يفتح قانون العفو التشريعي العام شهية التونسيين على ممارسة العمل السياسي، حيث ظلت مجموعة من الأحزاب السياسية والتوجهات الفكرية تنشط في كنف السرية لمدة سنوات من دون أن تحصل على الترخيص القانوني لممارسة العامل السياسي في العلن. ومن المتوقع أن تشهد الساحة ميلاد عدة أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية في القريب العاجل. يشار إلى أن الأحزاب المرخص لها حاليا تضم «التجمع الدستوري الديمقراطي» الذي كان في الحكم، وثمانية أحزاب أخرى هي الحزب الديمقراطي التقدمي (يساري) والتكتل من أجل العمل والحريات (اشتراكي)، وحركة التجديد (يساري)، والاتحاد الديمقراطي الوحدوي (قومي عربي)، وحزب الوحدة الشعبية (اشتراكي)، وحزب الخضر للتقدم (حزب بيئي)، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين (توجه اشتراكي)، والحزب التحرري الاجتماعي (ليبرالي).

وبالتأكيد، لن تجد هذه الأحزاب التسعة نفسها تنشط وحدها بعد الإقرار المرتقب لقانون العفو التشريعي العام. فقد اعترفت الحكومة الجديدة بعد أسبوع من الإطاحة بنظام بن علي بثلاثة أحزاب هي حزب تونس الخضراء (توجه بيئي) ويرأسه عبد القادر الزيتوني، والحزب الاشتراكي اليساري (يساري) ويرأسه محمد الكيلاني، وحزب العمال الوطني الديمقراطي (توجه وسط اليسار) ويرأسه عبد الرزاق الكيلاني. إلا أن القائمة لن تبقى في هذه الحدود، إذ من المنتظر منح حركة النهضة الإسلامية الترخيص القانوني إلى جانب التكتل من أجل الجمهورية (يساري علماني) الذي يرأسه المنصف المرزوقي، وحزب العمال الشيوعي الذي يقوده حاليا حمه الهمامي، دون نسيان ما ستطرحه الساحة السياسية التونسية لاحقا من أحزاب وتوجهات سياسية أخرى.