مشرف لـ «الشرق الأوسط»: مصير باكستان على المحك.. وسياسات الحكومة تدفع الشعب نحو التطرف

الرئيس السابق قال إن الحريري قدم له 3 سيارات مصفحة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال

برويز مشرف (تصوير: حاتم عويضة)
TT

بعد سنتين تقريبا على مغادرته إسلام آباد «طوعا»، بحسب ما يؤكد، يأمل الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف، في أن يعود إلى بلاده قبل الانتخابات المقبلة عام 2013، ليخوض الانتخابات بحزب سياسي جديد أعلن تأسيسه من لندن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.. ولكن عائقين يقفان اليوم أمام عودته، الأول الخوف من محاكمته بتهمة الخيانة، التي يقول إنها سياسية. والثاني الخوف من الاغتيال.. فقد تعرض منذ عام 2000، إلى 4 محاولات لقتله. سخرية القدر، يقول مشرف، أن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الذي كان صديقا مقربا له، أرسل له 3 سيارات مصفحة لحمايته، «بينما لم يتمكن هو من حماية نفسه!».

رغم الجدل الذي أحاط به أثناء وجوده في سدة الرئاسة بين عام 2001 و2008، بعد أن وصل إلى السلطة إثر انقلاب عسكري عندما كان قائدا للجيش، تمكن مشرف من تحقيق نهوض اقتصادي في بلاده أثناء حكمه. وظل يتمتع بشعبية عالية حتى الأشهر الأخيرة التي سبقت استقالته بسبب تدخله في السلك القضائي وإقالة رئيس المحكمة العليا الذي فتح جدلا كبيرا في البلاد أدى إلى استقالته. إلا أن انتقادات كثيرة وجهها إليه خصومه بسبب التصاقه الكبير بالولايات المتحدة، خصوصا حول الضربات التي كانت تنفذها طائرات أميركية من دون طيار داخل باكستان لاستهداف مقاتلين من «القاعدة».

اليوم، بانتظار عودته إلى باكستان، يقضي مشرف وقته بين بريطانيا والإمارات العربية والولايات المتحدة حيث يعيش ابنه. «الشرق الأوسط» التقته بمنزله في «ادجوير رود»، المعروف بشارع العرب، في لندن، وكان معه هذا الحوار:

* عندما أطلقك حزبك في المؤتمر الصحافي بلندن في أكتوبر الماضي، اعترفت بأنك ارتكبت أخطاء خلال فترة وجودك في السلطة، واعتذرت للشعب الباكستاني، أي أخطاء قصدت؟

- أول خطأ كان قانون المصالحة الوطني الذي أسقطنا فيه كل تهم الفساد التي حصلت في فترة معينة بحق سياسيين، وكان أول المستفيدين رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو وزوجها الرئيس الحالي آصف زرداري. أعتقد أنه بسبب الاضطرابات التي تسبب ذلك في الوطن، كان خطأ، رغم أنني وقعت القانون بعد التوصية القوية من مناصرينا السياسيين.. ولكن أدركت متأخرا أنه ما كان يجب أن أوقع هذا القانون. الخطأ الثاني كان التحرك ضد السلطة القضائية.

* تندم على ذلك؟

- لا أندم على هذا القرار، لأنه كان تصرفا صحيحا، فدستوريا وقانونيا كان القرار صحيحا.. لقد قمت بالأمر الصحيح تماما ولكن انقلب الأمر بسبب التحريض في الشارع من قبل المحامين الذي تم تسييسه، وأدى إلى جعلي غير شعبي. والآن تعلمت درسا ويمكنني أن أرى أنه أحيانا حتى عندما تقومين بالأمر الصواب فيجب أن نكون عمليين فيما إذا كان يمكن تنفيذ الأمر أم لا.

* إذا كان القرار صحيحا، فلماذا تعتبره خطأ؟

- لا أعتبره خطأ لأن القرار كان صحيحا ولكن بسبب النتيجة، لم يكن يجب أن أتخذ القرار.

* وعدت بالعودة إلى باكستان قبل الانتخابات المقبلة التي من المفترض إجراؤها عام 2013، وتقول أيضا إنك لم تغادر باكستان إلى المنفى بل غادرت بكامل إرادتك، لماذا لا تعود إذن؟

- لقد استقلت في أغسطس (آب) 2008، وغادرت باكستان في مارس (آذار) أو أبريل (نيسان) 2009. إذن لنحو 7 أشهر بقيت في باكستان، ولكن غادرت بسبب بعض التهديدات الأمنية، والسبب الآخر تسييس القضاء الذي كان يمكن أن يفتح قضايا ضدي أساسها سياسي لأنه ليس هناك أي قضية ضدي من أي ناحية قانونية. لذا غادرت بإرادتي الكاملة، ولست في المنفى، يمكنني العودة غدا.

* إذن متى ستعود؟

- قبل الانتخابات المقبلة، ولكن علي أن أفكر جيدا بسبب العنصرين اللذين ذكرتهما.

* ماذا إذا لم تتغير الظروف؟

- نحن نحاول أن نغيرها، لأنني الآن انضممت إلى الحياة السياسية، بينما لم أكن في السابق. الآن أسست حزبي الخاص وكلما أعمل على توسيع نفوذ الحزب، أعتقد أننا سنتمكن من تحييد هاتين الخدعتين إلى حد ما، ليس كليا، ولكن إلى حد ما.

* هل ستعمل مع أحزاب أخرى في باكستان لتحقيق ذلك؟

- من الأفضل دائما في باكستان أن تكون في ائتلاف، المثالي طبعا هو الفوز بأغلبية ولكن الحكومات الائتلافية دائما جيدة.

* مَن من الأحزاب يمكن أن تعمل معها؟

- لا أريد أن أوضع على جنب أي حزب، ولكن أنا منفتح لأي تعاون، لأن الأمر يتعلق بمستقبل باكستان، واليوم مصير باكستان على المحك. علينا أن نكون عمليين جدا وننظر إلى المصالحة.

* لماذا تقول إن مصير باكستان على المحك؟ هل هناك من أمور تهدد الدولة اليوم لم تكن موجودة في السابق؟

- نعم، الاقتصاد الذي ينهار بشكل كامل. وإذا لم نضع حدا لهذا الانهيار يمكن أن نصبح دولة مفلسة.

* ولكن الكثير من خصومك يلومونك على الوضع الاقتصادي اليوم، يقولون إن سياساتك الاقتصادية هي التي تسببت في ذلك.

- هم خصومي السياسيون، ويحاولون أن يخدعوا كل العالم ويخدعوا الباكستانيين. إذا كان أحد يفهم في الاقتصاد، يمكن النظر إلى المؤشرات الاقتصادية التي لا يمكن لأحد التلاعب بها.. يمكن النظر في السجلات إلى أرقام التحويلات والصادرات والاحتياطي.. كل الأرقام موجودة في الملفات، ومن يحاول لومي يقول كلاما فارغا ويخدع الشعب الباكستاني. الاقتصاد هو الأساس، إذا لم يكن الاقتصاد جيدا، لا يمكن تحقيق أي شيء، من الوظائف ومحو الفقر.. المرتبطة بالنمو الاقتصادي.

* هل تخشى من أن ذلك سيؤدي إلى دفع الباكستانيين نحو التطرف؟

- نعم بالطبع، الفقر والأمية يؤديان إلى التطرف. والتطرف يؤدي إلى الإرهاب، خصوصا في باكستان.

* ما الذي تخشاه في حال انهارت الدولة؟ هل تخشى من أن يسيطر المتطرفون على الحكم أو أن يستلم الجيش؟

- لا أعتقد أن المتطرفين يمكنهم أن يسيطروا على باكستان، لأنه حتى اليوم الأحزاب الدينية لديهم 3 أو 4 في المائة تمثيلا في المجالس. وليس لديهم دعم كبير بين الشعب يخولهم بالحصول على السلطة.. ولكن الوضع السياسي اليوم، والاقتصاد هو واحد من المشكلات، لأنه من دون اقتصاد جيد لا يمكن تحقيق أي شيء آخر. المشكلات الأخرى، هي أولا حكومة غير فعالة وثانيا أجواء سياسية غير مستقرة، وثالثا القانون والنظام. وكل هذه العوامل تؤدي إلى انزلاق باكستان والناس لديهم شكوك حول باكستان.. فقدان الأمل يتزايد، والباكستانيون يهربون. هذا أمر مؤسف جدا أن يحصل لدولة، كنت أحاول أن أعطي الباكستانيين العزة والاحترام، والآن خسرنا ذلك.

* ماذا عن الجيش؟

- أنا متأكد من أن الجيش سيحرص على ألا يحصل شيء لباكستان، ولكن لا أعتقد أنهم سيتسلمون السلطة، لا يجب أن يفعلوا ذلك، ولا أعتقد أنهم سيفعلون. ولكن يجب أن يقوموا بشيء.. فليكن هناك حل سياسي إذا أمكن يشجعه الجيش أو يسهله، ولكن لا أعتقد أنه سيسيطر على الحكم. ولكن إذا سقطت باكستان، سيكون للجيش دور يلعبه، لكن لا أدري ما هو هذا الدور تحديدا بعد.

* هل ما زالت لديك علاقات بقادة الجيش؟

- نعم، فأنا كنت معهم لمدة 40 عاما ومن دون شك أعرف الجميع وهم يعرفونني.

* إذن العلاقات ما زالت جيدة؟

- تعرفين.. لقد كنت قائدهم وكنت قائدا شعبويا جدا ولن أصبح غير شعبي فجأة.

* ولكن ألا تشعر بأنك تعرضت للخيانة من الجيش عندما غادرت السلطة؟

- لا أبدا، الجيش لم يكن لديه أي دور فيما حصل. أنا قررت الاستقالة بسبب الوضع السياسي ولأن الحكومة وصلت إلى مكان كان ضدي. فلماذا أبقى رئيسا بينما ليس لدي شيء أقوم به؟ لذلك استقلت ولم يكن للجيش دور في ذلك.

* إذا أردت العودة، أو عندما تعود، هل تعتقد أن الجيش سيدعمك؟

- الكل يظن أن الجيش يشارك في الحكم بشكل فعال، ولكن الجيش لا يدعم أحدا ولا يرفض أحدا. هناك مناخ سياسي ديمقراطي، والجيش يفضل عمل الديمقراطية، ولكن هناك القوى السياسية التي لا تترك الديمقراطية تعمل بشكل فعال ولذلك يجب على الجيش أن يقوم بشيء لأجل الشعب الباكستاني. هل أريد دعم الجيش؟ لا أريد دعمهم وهم لا يدعمون أحدا عندما تأتي الانتخابات. وسيكون خطأ من جانبي أن أتوقع بأن أفوز بسبب دعم الجيش، أود أن أربح بتفويض من الشعب، ولكن أنا مؤكد في قلوبهم، طبعا لقد كنت قائدهم 9 أو 10 سنوات وقاتلت إلى جانبهم، فمن غيري سيفضلون؟!

* هل ما زلت تثق بقائد الجيش أشفاق كياني الذي عينته؟

- نعم بالطبع، هو قائد الجيش، وعلينا أن نحترمه، هذا انضباط الجيش.

* علمت أنك معجب بمصطفى كمال أتاتورك، هل هذا صحيح؟

- لقد قرأت عنه.. لقد كنت في تركيا وأعرف مدى شعبيته هناك وأعرف ما الذي فعله لتركيا، حول رجل أوروبا المريض تركيا إلى عصرية، وأكن له احتراما كبيرا.

* هل فكرت أن تبني باكستان على صورة تركيا، كدولة علمانية، كما كانت نظرة مؤسسها لها، محمد علي جناح؟

- لا، كل بلد مختلف عن الآخر. والقرارات التي اتخذت في أوقات معينة تختلف. لا يمكن نقل تجارب بلدان وتطبيقها في بلدان أخرى. باكستان، ليس كتركيا، خلقت لكي تكون للمسلمين في الهند لأنهم ظنوا أنهم بين أغلبية هندوسية لن يتمكنوا من ممارسة دينهم وعاداتهم وثقافاتهم. لذلك كانت جمهورية إسلام الباكستانية، ولكن أي شخص يفهم الإسلام يعرف أن الإسلام لا يتعارض مع العلمانية.. في الإسلام الأقليات لديهم حقوق متساوية، ولذلك الأقلية في باكستان كانوا أحرارا في أن يمارسوا دينهم في الكنائس أو المعابد. لذلك أن نكون جمهورية إسلامية لا يعني أننا نتعارض مع العلمانية، نحن علمانيون وليس علينا أن نتخلى عن كلمة «إسلامية» لنصبح علمانيين. وأعتقد أننا أكثر علمانية من الهند التي يطلق عليها أنها علمانية. لقد قتلوا 3 آلاف مسلمة هناك في غوجرا، والذي سمح بالقتل كان يمكن أن يصبح رئيس وزراء لو فاز حزبه بالانتخابات.. هل هذه علمانية؟! بينما في باكستان لم يقتل هندوسي واحد ردا على ذلك.

* إذن ماذا تعتبر مقتل حاكم البنجاب سلمان تيسير الذي قتله حارسه بسبب دفاعه عن امرأة مسيحية تحاكم بتهمة التجديف بالإسلام استنادا إلى قانون التجديف؟

- لم يقتل لأننا دولة إسلامية.. الحادث مؤسف جدا، ولكن علينا أن يكون لدينا فهم لقانون التجديف.

* أنت لا تعارضه.

- قوانين التجديف موجودة في الكثير من الدول من بينها دول أوروبية، وإسرائيل لديها قوانين تجديف. إذن القانون ليس المشكلة. وأيضا الشعب الباكستاني أكثر من أي بلد مسلم آخر، عاطفيون جدا وحساسون عندما يتعلق الأمر بتدنيس القرآن أو أي أعمال تجديف ضد النبي. لذلك يجب أن يبقى القانون، لأن المشكلة ليست في وجوده بل في تطبيقه واستغلاله. هناك العديد من الأبرياء يتم توريطهم بسبب تصفية حسابات شخصية، ومعظم ذلك يتم ضد المسلمين وليس ضد الأقليات. للأسف يتم فقط لفت النظر إلى الأقليات. ولكن معظم الحالات، من المسلمين، علما بأنه لم يتم شنق أي واحد. هذا يحصل بسبب الثأر والعداءات. وهذا ما يجب التنبه إليه، ألا يتم توريط الأبرياء.. لا يجب أن نخجل من القانون بل يجب أن نخجل من توريط الأبرياء. وهذا الرجل الذي قتل الحاكم يجب أن تتم معاقبته لأنه ارتكب خطأ.

* أريد أن أنتقل إلى الحرب على الإرهاب، هل تعتقد أن تعاون باكستان في الحرب على الإرهاب تضاءل بعد أن غادرت السلطة؟

- لا أعتقد أن الحرب على الإرهاب سائرة في الطريق نفسه، هناك عنصر واحد يتم التحريض ضده في باكستان، وهو هجمات طائرات من دون طيار. بين عام 2004 و2007، حصلت فقط 9 هجمات بطائرات من دون طيار.

* ولكن مع ذلك تعرضت لانتقادات داخلية شديدة لأنك سمحت بها.

- لم أسمح بها قط، هذا خطأ. لماذا كان هناك 9 فقط، والآن هناك 150 هذا العام؟ هذا ما يروج له خصومي لتقويض مصداقيتي.

* هل تعتقد أن هذه الضربات كانت مفيدة وكانت تستهدف مقاتلين؟

- نعم كانت تستهدف مقاتلين من دون شك، لأنها واضحة ودقيقة جدا. يمكنهم تحديد أهدافهم بدقة كبيرة. ولكن استعمال هذه الضربات بطريقة عشوائية يؤدي إلى أضرار جانبية، ويقتل أطفال ونساء، وهذا ما يجري التحريض ضده.. لذلك فإن دور هذه الضربات هو التعريف بالأهداف، هذا يتم بشكل دقيق، ولكن السؤال كيف تستهدف هدفك؟ هل تستعمل الطائرات من دون طيار وتتسبب في أضرار جانبية؟ لا. يجب أن يكون هناك وسائل أخرى، وهي موجودة ودقيقة أيضا ولا تؤدي إلى أضرار جانبية.

* هذه الضربات التسعة التي حصلت خلال عهدك، هل علمت بها مسبقا وسمحت بها؟

- لا.

* لم تعلم بها؟

- لا.

* ولم تسمح بها؟

- لا.

* ما رأيك إذن في سياسة أوباما لتكثيف الضربات الجوية من طائرات من دون طيار؟ هل تعتقد أنها تنجح؟

- بالطبع ليس صحيحا السماح – لا أدري إذا كان يسمح لهم أو يقومون بها وحدهم – لأي قوة أجنبية سواء إذا كانت جوية أو على الأرض، بأن تخترق الأجواء، سيادتنا لا يجب أن يتم اختراقها.

* حتى ولو كانت في صالح الحرب على الإرهاب؟

- لا ليست في مصلحة باكستان، لأن القوات الباكستانية قادرة على معالجة الأمر، أكثر مما يعتقد أحد.. الأميركيون ارتكبوا أكبر خطأ في حياتهم ولا يمكنهم التعامل مع الوضع في أفغانستان، وإذا أتوا إلى هنا فلن يتمكنوا من فعل شيء.

* هناك اعتقاد سائد بأن هناك أفرادا في جهاز الأمن الباكستاني متعاطفين مع طالبان ويؤمنون لهم التمويل والتدريب والتسهيلات، وقد تحدث الأميركيون عن ذلك في وثائق «ويكيليكس»، كما حذر رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون من أن باكستان مرتبطة بجماعات تصدر الإرهاب، هل هناك فعلا من يساعد طالبان داخل الأجهزة الأمنية الباكستانية؟

- هذا ليس واقعا. ولكن علينا أن نفهم أنه أولا إذا كانت حكومة باكستان أو الجيش أو قيادة المخابرات، أعطت أوامر بدعم طالبان أو تشجيعهم في عملياتهم في أفغانستان، فهذا خطأ تماما. قد يكون هناك عنصر أو اثنان مختلفان.

* ولكنها ليست ممارسة سائدة؟

- لا إطلاقا.

* إذن لماذا يحذر منها الأميركيون دائما؟

- هم مخطئون، وهذه هي المشكلة. مرات كثيرة تحصل خلافات في الرأي حول الطرق التكتيكية للتعاطي مع المسائل، مثلا في وقتي كنت أقول لهم يجب أن تكونوا مهتمين بالقضايا الاستراتيجية حول موقف طالبان و«القاعدة». هل نحن معكم؟ بالطبع. ولكن كيف نقوم بذلك؟ باكستان أدرى ولن يكون هناك أي تسويات حول كيف نقوم بذلك، ولسنا بحاجة إلى تعليمات جزئية حول التعاطي مع الأمر. لا تحاولوا أن تقولوا لنا كيف نتعامل مع الوضع من جهتنا من الحدود، وهنا تأتي الفروقات، وبسبب ذلك يلومون المخابرات على التعاطف مع طالبان.

* هناك أيضا قلق أميركي كما أبرزت وثائق «ويكيليكس»، من أن تسقط الترسانة النووية الباكستانية في أيدي المتطرفين.

- لا أعتقد أنه يمكن أن تقع الترسانة النووية بين أيدي الإرهابيين، لأن الترسانة محمية بشكل جيد، وحمايتها تقع تحت مسؤولية القوى الاستراتيجية - قيادة الجيش، التي شكلتها أنا عام 2000. هذه قوى مؤلفة من 16 ألف شخص، وهي جوهر الجيش الباكستاني، وهم يملكون بحوزتهم المعدات الاستراتيجية، مثل الأجهزة النووية والصواريخ. لذلك أي شخص يريد الحصول عليها، عليه أن يهزم الجيش، ولا أعتقد أن هناك حاليا أحدا يمكنه هزيمة الجيش والحصول على الأسلحة النووية. الأمر الآخر، هو المخاوف من فوز الحركات المتطرفة بالانتخابات وتشكيل الحكومة، هذا غير معقول، هم ممثلون بـ3 في المائة في المجالس، ولا أرى ذلك يحصل في المستقبل القريب.

* كان هناك قلق لدى الحكومة الحالية من الدعوة إلى انتخابات مبكرة بسبب إمكانية فوز الحركات الإسلامية المتطرفة.

- هذا لن يحصل أبدا. الإسلاميون لن يربحوا أبدا. حزب الشعب يخسر شعبية، وحزب نواز شريف يخسر شعبية، وفي الوقت الحالي هنا فراغ سياسي في باكستان، هذا هو القلق، ليس أن يتسلم الإسلاميون السلطة.

* البعض يقول إن باكستان اليوم أخطر من أفغانستان، هل توافق؟

- لا، لأنه لا يجب أن نقارن بأفغانستان. هذه بروباغاندا من الرئيس (الأفغاني حميد) كرزاي نفسه. ماذا هناك في أفغانستان؟ ليست هناك حكومة، يجلسون في قصور وبالكاد هناك أي مؤسسات وأي حكم، مؤسساتهم عمرها فقط 5 إلى 6 سنوات.. ليس لديهم تدريب حقيقي للشرطة، يرسلونهم إلى الهند للتدريب.. كيف يمكن مقارنة باكستان بأفغانستان؟ نحن بلد ديمقراطي لدينا حكومة فاعلة ومؤسسات.

* وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قالت قبل بضعة أشهر إنها تعتقد أن أسامة بن لادن يختبئ في باكستان، هل هذا صحيح؟

- يجب أن تسأليها كيف تعرف ذلك. اسأليها أن تعطينا أدلة. من قال لها ذلك؟ نريد أدلة! هل لديها أدلة؟

* لا تصدق ذلك إذن؟

- بالطبع لا أصدقه، الناس يقولون كلاما فارغا. اسأليها! أنا متأكد 500 في المائة أنها لا تعلم شيئا عن الأمر، هي فقط تخمن. الأمر أشبه بالقول إنه في أفغانستان، أو أوزباكستان، أو الصومال.. إذا سألتيني الآن أين هو، أقول لا أعرف. ولكن يمكنني أيضا أن أقول إنه في الصومال. كيف يمكن أن تتثبتي من ذلك؟

* هل تعتقد أنه يمكن للأميركيين أن يفوزوا بالحرب في أفغانستان، أم أنه يجب اعتماد طريق الحوار مع طالبان؟

- في عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، تمت هزيمة طالبان بمساعدة الحلف الشمالي الذي كان خليطا من أوزبيك وطاجيك وهزارة. طالبان كانت في أغلبيتها من البشتون. عندما تمت هزيمتهم، هربوا إلى مدن وجبال باكستان، «القاعدة» وطالبان. وحصل فراغ في أفغانستان، حيث كان علينا وضع حكومة شرعية. وهنا كانت هناك فرصة لإعادة الأغلبية البشتون إلى الحكم، لأن كل طالبان من البشتون ولكن ليس كل البشتون طالبان. أنا كنت أقول إنه إذا أدخلنا البشتون إلى الحكومة فسنفصلهم عن طالبان، لأنه لا يمكن أن يحكم البلد من الأقليات. اليوم البنشيري، وهم جزء من الطاجيك، يحكمون البلد.. من عام 2002 وحتى عام 2004، كانت هناك نافذة لتغيير أفغانستان عبر السياسة وإعادة البشتون إلى المناصب المهمة، ولم يقوموا بذلك حتى اليوم. خسرنا فرصة كبيرة، ولكن اليوم إذا ما كانوا سيتحدثون إلى طالبان المعتدلة، فليس هناك طالبان معتدلة، هناك طالبان وهناك بشتون. يجب أن يتكلموا مع البشتون، وهو ما كنا نقوله قبل سنوات. ولكن اليوم سيبدأون المحادثات من نقطة ضعف، بينما حينها كانت ستكون من موقع قوة. ولكن لا يزال الأمر الصحيح للقيام بذلك متاحا.

* ولكن ماذا عن باكستان؟ قلت إن المقاتلين فروا إلى باكستان، ماذا حصل لهم؟ وهل يجب إرسال «الناتو» إلى هناك لمقاتلتهم؟

- لا، لأن الجيش الباكستاني تعامل مع الأمر. لقد تخلصنا منهم في المدن، في السابق كانوا في كراتشي ولاهور وإسلام آباد.. اليوم لا أثر لهم في المدن. ولكن بعدها اختبأوا بالجبال في وزيرستان، وأيضا لاحقناهم.. اليوم «القاعدة» بأعداد صغيرة، ولكن في عام 2004 عادت طالبان لتجميع نفسها.. الناس لا يفهمون تاريخ المنطقة.

* في عام 2005 ألقيت خطابا في نيويورك أمام تجمع لليهود، وفتحت الباب حينها لعلاقات بين باكستان وإسرائيل، هل ما زلت تعتقد أن باكستان عليها أن تفتح علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟

- لم أقل إن إسرائيل وباكستان عليهما أن يبدآ علاقات دبلوماسية، في نهاية المطاف نعم. ولكن مواقف باكستان تجاه إسرائيل، كانت عدائية جدا، لم نكن نعتقد بوجود إسرائيل، ولكن أنا اعتقادي كان في الوقت الذي ندعم فيه القضية الفلسطينية، علينا أن نسهم في التوصل إلى حل للقضية، مما يعني حلا للأقصى ولقضية المستوطنات وعودة اللاجئين، سنبقى دائما داعمين للقضية ونريد أن تحل سلميا. قلت إنه في وقت نتقدم فيه بالمفاوضات لحل القضية الفلسطينية، على باكستان أن تكمل تعديل وإعادة النظر في سياستها الدبلوماسية تجاه إسرائيل. وعلى هذا الأساس، ذهبت إلى نيويورك وتحدثت أمام المؤتمر اليهودي الأميركي، ولكن لم أقل قط إننا سنعترف بها قبل حل القضية الفلسطينية.

* ما الموقف الآن؟ فليس هناك تحسن في المفاوضات؟

- لا أريد التعليق نيابة عن الحكومة الباكستانية، ولكن بالطبع يجب أن نعمل على حل القضية الفلسطينية. وربما يجب أن نلعب دورا، وأنا لطالما ظننت أنه يمكننا أن نلعب دورا. ففي عام 2007 بدأت مبادرة جديدة، واعتبرت أنه من الضروري إدخال لاعبين جدد إلى ساحة المفاوضات، لأن الأميركيين لم تعد لديهم مصداقية لدى الفلسطينيين بسبب عدم حيادهم. العرب لطالما كانوا في قلب المفاوضات، ولكن هناك بلدان مسلمة أخرى يجب أن تشارك، مثل تركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا، إلى جانب السعودية ومصر والأردن، مع الاتحاد الأوروبي.

ولكن المبادرة لم تستكمل لأنني غادرت.

* تعليق صغير حول رأيك فيما يحصل في تونس وفي لبنان، لأنني فهمت أنك مهتم بلبنان بسبب علاقة الصداقة التي كانت تربطك برئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

- لبنان لطالما كان غير مستقر بسبب الفروقات الدينية وحزب الله، أن يكون هناك حكومة تضم الفرقاء من الجميع، يبدو هذا أمرا شبه مستحيل، ولذلك هي ضعيفة.. رفيق الحريري كان صديقا كبيرا، ومن المؤسف أنه قتل لأنه كان لديه القدرة على قيادة لبنان. من السخرية أن رفيق الحريري أرسل لي مرة 3 سيارات مصفحة لحمايتي بعد أن تعرضت لعملية اغتيال، وهو لم يقدر على حماية نفسه! ولكن من المؤسف أن هناك حزب الله والتدخل الخارجي!

* هل تعتبر حزب الله قوة مزعزعة للاستقرار في لبنان؟

- لا أدري، أعتقد نعم. هو قوة تقسم لبنان، وهو له نفوذ.

* وماذا عن تونس؟

- من المؤسف أن الشعب التونسي كان ضد الرئيس، ولكن لا يمكنني القول كيف كان أداء الرئيس. من خبرتي كرئيس باكستان لتسع سنوات، فالقائد أو الحكومة موجودون للشعب وللدولة، وعملهم تأمين رفاهية الشعب وتطوير الدولة، وإذا تحقق هذان الأمران، فهذا يعني أن الأمر يسير بطريقة جيدة.. فقط عندما يتم استعمال موارد الدولة لرفاهية الشعب، أي مكافحة الفقر والبطالة، والتعليم والصحة، إذا تم العمل على هذه الأمور، فالشعب يكون سعيدا.