الصين تهيئ سياسيا ماهرا ليكون الرئيس المقبل خلفا لجينتاو

مخطط سري لنقل السلطة وضع قبل أعوام.. لصالح نائب الرئيس شي جين بينغ

نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ يتحدث في احد الاجتماعات ويبدو خلفه الرئيس هو جينتاو («نيويورك تايمز»)
TT

عاد الرئيس الصيني هو جينتاو إلى أرض الوطن نهاية الأسبوع بعد رحلة الهدف منها إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة. ولكن في المرة المقبلة التي يجهز فيها البيت الأبيض حرس الشرف لاستقبال الرئيس الصيني، من غير المحتمل أن يكون ذلك من أجل جينتاو. وبتتبع مخطط سري لنقل السلطة وضع قبل أعوام، نجد أن هو بدأ بالفعل الاستعداد للرحيل عن سدة الحكم وتسليم سلطاته إلى خليفته المحتمل، وهو حاكم مقاطعة سابق يدعى شي جين بينغ، ويشغل حاليا منصب نائب رئيس الصين. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يتولى شي مقاليد الأمور رسميا داخل الصين العام المقبل، فإنه لا يزال نكرة بالنسبة لمعظم الناس حتى داخل الصين، التي بها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأسرع دولة تحدث من جيشها.

ولكن تظهر دراسة مطولة لماضي شي، بالرجوع إلى سلسلة كبيرة من المقابلات الشخصية وإلى دوريات صينية رسمية، أن صعوده اعتمد على مزيج من الفطنة السياسية وعلاقات أسرية وبراعة آيديولوجية. وكما هو الحال مع الدولة التي سيتولى إدارتها، فقد يعطى شي أهمية للحزب الشيوعي، في حين يجعل النمو الاقتصادي النشاط الرئيسي للحزب.

ولا تشير أشياء كثيرة في ماضيه إلى أنه ينوي دفع الصين إلى اتجاه مختلف بدرجة كبيرة. ولكن يقول مراقبون سياسيون أيضا إنه ربما يكون له دعم أوسع مما يحظى به الرئيس هو داخل الحزب، وربما يمنحه ذلك فرصة لتجربة أفكار جديدة. وفي الوقت نفسه، ليس واضحا النهج الذي سيتبعه في سدة الحكم. ولدى شي أيضا علاقات أعمق مع الجيش، إذا ما قورنت بعلاقات سلفيه هو وجيانغ تسه مين عندما توليا سدة الحكم.

وخلال الجزء الأكبر من حياته المهنية ترأس شي (57 عاما) قطاعات مزدهرة على الساحل الشرقي الذي كان في مقدمة تجربة الصين المعتمدة على جعل السوق تعمل لصالح الدولة، وتضمنت جذب استثمارات أجنبية ووضع خلايا حزبية في شركات خاصة وتوسيع الدعم الحكومي لرجال أعمال بعينهم. وقد منح ذلك شي نوعا من الخبرة السياسية والاقتصادية افتقر إليها الرئيس هو عندما صعد إلى المنصب القيادي الأعلى.

ويُعرف شي بالأمير الصغير - حيث إنه سليل أحد أعضاء نخبة الحزب الثوري - وكان زواجه الثاني من بنغ لي يوان، مغنية شهيرة وجنرال في الجيش.

وعلى عكس الرئيس هو الذي لديه أداء آلي، وجه شي انتقادات بقيت في الذاكرة للغرب خلال خطابين أدلى بهما مؤخرا، ومنها المرة التي حذر خلالها منتقدي الصعود الصيني ودعاهم إلى «التوقف عن الإشارة إلينا». ولكنه رغم ذلك ألحق ابنته بجامعة هارفارد تحت اسم مستعار.

ويقول مسؤولون وأعضاء حزبيون آخرون يعرفون شي إنه ارتقى السلم من خلال تكوين قاعدة دعم بين مسؤولين حزبين بارزين، ولا سيما من هم ضمن زمرة جيانغ، وخلال ذلك رسم صورة التواضع والاعتماد على النفس على الرغم من علاقاته العائلية البارزة.

ويلاحظ أسلوبه البراغماتي الماكر في الطريقة التي تعامل بها مع مشروع كهرباء بارز كان على وشك الإخفاق عام 2002، عندما كان حاكم مقاطعة فوجيان الساحلية. وكانت شركة «بكتل» الأميركية ومستثمرون أجانب آخرون قد ضخوا قرابة 700 مليون دولار في المشروع. وانغمس المستثمرون في خلاف مع مسؤولي التخطيط.

وبعد التحايل على طلبات مقابلة من جانب مسؤولين تنفيذيين أجانب، وافق شي على الحوار معهم في إحدى الليالي داخل مجمع الحاكم مع مستشار تجاري أميركي بشأن المشروع أقام والده صداقة مع والد شي خلال الأربعينات من القرن الماضي.

وأوضح شي أنه لا يستطيع التدخل في خلاف يتضمن مسؤولين آخرين لهم نفوذ. ولكن أبدى أنه تعرف على المشروع عن قرب ودعمه، وتعهد بأن يجتمع مع المستثمرين «بعد وصول الجانبين لاتفاق». وساعد ذلك على الوصول لتسوية أتاحت فرصة أمام مشروع الكهرباء ليبدأ العمل. ويقول المستشار سيدني ريتنبرغ: «قلت لنفسي: هذا الشخص سياسي ذكي».

وقد آتت مهارات شي السياسية أفضل ثمارها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما عُين نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، ويعني ذلك أنه بات في حكم المؤكد أنه سيخلف هو كسكرتير الحزب في أواخر 2012 وكرئيس في عام 2013. وربما يستمر هو، رئيس اللجنة، في منصبه العسكري لأعوام قليلة أخرى. ويقول تشانغ شياو جين، المتخصص في العلوم السياسية بجامعة تسينغهوا، إنه على مدار الأعوام تمكن شي من التأكيد على جاذبيته من خلال «الوسيلة التي ألزم نفسه بها في الشؤون السياسية». ويقول تشانغ: «برهن على فعاليته في التنمية والإصلاحات الاقتصادية. ولكن في الإصلاحات السياسية لم يدخل في أي مخاطر قد تواجه معارضة».

كما بدا شي كعنصر مريح بالنسبة لجناحين متنافسين داخل الحزب: الموالون للرئيس هو، والمتحالفون مع جيانغ، الذي لديه دور مهم في تسمية خليفة هو داخل القيادة الجماعية في الصين.

وعلى خلفية علاقات شي النخبوية وحياته المهنية على امتداد الساحل المزدهر، تمكن من الارتباط بدرجة أكبر من جيانغ. وكما هو الحال مع الرئيس هو، قضى شي أيضا أعوام تنشئة في مناطق نائية داخل المقاطعات. وكان هو في السابق قريبا من والد شي، وهو قيادي شيوعي بارز خلال الحرب الأهلية الصينية.

وكان شي زهونغكسون، الأب، أحد القيادات الحزبية الأكثر ليبرالية، وبرئ من تهم في مرات كثيرة إبان ماو. وكان عقلا مدبرا في مطلع الثمانينات للمنطقة الاقتصادية الصينية الخاصة الأولى في شنتشن. ووراء الأبواب المغلقة، كان يدعم الزعيم الليبرالي التوجهات هيو ياوبانج، الذي فصل عام 1987، وأدان إجراءات عسكرية صارمة ضد متظاهرين في ساحة تيانانمن عام 1989.

ونشأ شي الصغير في بكين وذهب إلى مدرسة عليا يديرها الجيش. ولكنه اضطر لحماية نفسه خلال التغيير إبان الثورة الثقافية. وعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره، أرسل للعمل بين فلاحين في التلال الصفراء في مقاطعة شنشي. وأقام سبعة أعوام في قرية ليانغيجاي، التي اختارته في النهاية سكرتيرا حزبيا.

وأصبح شي يكره الصراعات الآيديولوجية. وفي مقال نشر عام 2003، كتب قائلا: «تعود جذور جزء كبير من تفكيري إلى هذا الوقت، ولا تزال لها تأثير علي».

وحتى في مرحلة عمرية مبكرة، كان أسلوبه القيادي المعتمد على التصالح واضحا. ويقول لو نينغ تشونغ (80 عاما)، رئيس منزل عاش فيه شي لثلاثة أعوام: «عندما كان الناس يختلفون بعضهم مع بعض كانوا يذهبون إليه فيقول لهم: (تعالوا بعد يومين). وحينها تكون المشكلة انقضت من تلقاء نفسها».

وبعد ذلك، اعتمد شي على العلاقات الأسرية للالتحاق بجامعة تسينغهوا في بكين. وبدأ حياته السياسية كمساعد لجينغ بياو، وهو بيروقراطي عسكري قوي تحالف مع والد شي.

وفي مطلع الثمانينات من القرن الماضي، كانت شخصيات كبيرة داخل الحزب قد اختارت شي ضمن مجموعة من القيادات المستقبلية المتحملة. وكان أول منصب يشغله داخل المقاطعة في خبي، حيث روج للسياحة المحلية والأنشطة التجارية الريفية، ولكنه دخل في مواجهة ضد حاكم المقاطعة المحافظ. وأرسله الحزب إلى مقاطعة فوجيان، التي تقع على الجانب الآخر من مضيق تايوان قبالة تايوان. وتنقل عبر ثلاث مدن على مدار 17 عاما.

وهناك غازل مستثمرين تايوانيين. وعلى مدار 14 عاما، أشرف أيضا على القيادة العسكرية المحلية. ويقول أليس ميلر، الأكاديمي المتخصص في الشؤون السياسية الصينية بمعهد «هوفر» إن علاقته التايوانية «ربما تغير آراءه في العلاقات عبر المضيق تجاه نوع من المرونة».

وقد جذبت بعض الاستثمارات الطموحة الاهتمام على المستوى الوطني عندما حكم شي فوتشو، عاصمة فوجيان. ووقعت قيادات بالمدينة عقدا مع لي كا شينغ، قطب العقارات البارز داخل هونغ كونغ من أجل إعادة تطوير مربع المدينة القديم، ولكن أخفق الأمر بعض غضب شعبي. وتجاوز مطار دولي جديد ميزانيته على نحو فادح.

ولم يكن شي بمنأى عن فضائح فساد، حيث أطاح تحقيق حزبي في قضية رشوة داخل نينغده وفوتشو، أعلن عنه بعد أعوام من رحيله من فوجيان، بقياديين سابقين داخل المدينة قام شي بترقيتهما.

وفي بكين كانت قيادات بارزة تراقب شي، ولكنه في الواقع كان في المرتبة الأخيرة عندما صوت نواب حزبيون على 344 عضوا وبديلا داخل اللجنة الحزبية المركزية في 1997 بسبب عداء عام تجاه الأمراء الصغار. ولكن انضم شي كبديل بصورة أو بأخرى. وساعد جيانغ، الزعيم الحزبي، ومساعده تسنغ تشينغ هونغ على دعم صعود شي المستمر، بحسب ما يقوله تشنغ لي، الأكاديمي المتخصص في الشؤون السياسية بمعهد «بروكينغز» داخل واشنطن.

وكان تكليفه التالي، كرئيس حزبي داخل مقاطعة في تشجيانغ أكثر سهولة، فهناك كان الاقتصاد يشهد نشاطا كبيرا. وعمل شي وفق مبادرات بكين المعتمدة على تبني المستثمرين من القطاع الخاص. وربط نجمه بشركات خاصة محلية ناشئة أصبحت بعد ذلك شركات عالمية.

وبعد وصوله في أواخر 2002، قام بزيارة «جيلي»، وهي شركة السيارات الوحيدة داخل المقاطعة. وكان مؤسس الشركة لي شوفو قد بدأ في الحصول على بعض التمويل من مصارف حكومية. وأشار شي: «إذا لم نعط دعما إضافيا لشركات مثل (جيلي)، فمن سندعم؟».

اشترت «جيلي» شركة «فولفو» المصنعة للسيارات العام الماضي من شركة «فورد» للسيارات.

كذلك اعترف شي مبكرا بـ«ما يون»، مؤسس «على بابا»، الذي أصبح من عمالقة التجارة الإلكترونية وشريك «ياهو» في الصين. بعد أن ترك جيجيانغ عام 2007 ليصبح أكبر مسؤول في شنغهاي، شملت دعوة شي (ما) حيث قال له: «هل يمكنك أن تأتي إلى شنغهاي وتساعدنا في التطور؟».

في ذلك الوقت كان قادة الحزب يحثون شركات خاصة على تكوين خلايا حزبية في إطار رؤية جيانغ المركزية للتقريب بين الشركات والحزب. ووزع مسؤولون تحت قيادة شي المناصب العليا على أصحاب المشروعات الرائدة ومنحوا بعضهم اللقب الذي يطمح الجميع إلى الحصول عليه وهو النائب التشريعي المحلي. دعم شي بحرص إصلاحات سياسية على نطاق ضيق في جيجيانغ حيث للتجارب الديمقراطية جذور.

عندما سمحت كوادر في قرية بمقاطعة ووي لأهلها بانتخاب لجان تتكون من ثلاثة أعضاء للإشراف على قادتهم، انتبه شي للأمر وأصدر تعليمات محورية ساعدت في مد البرنامج التجريبي المجهول، على حد قول شيانغ هانو، أحد المسؤولين في المقاطعة. وأشادت المدرسة الحزبية للجنة المركزية للحزب الشيوعي التي يتم فيها تدريب الكوادر بهذا النظام. وفي أغسطس (آب) وافقت جيجيانغ على هذا التغيير الذي يشمل المقاطعة رغم فرض مزيد من القيود من جانب الحزب.

وحقق شي تقدما مهما على المستوى المهني بفضل خطوة جيجيانغ باتجاه عمل علاقات تجارية مع أقاليم داخلية أكثر فقرا. وقاد مجموعات من رجال أعمال جيجيانغ الأثرياء الذين يعقدون لقاءات مع مسؤولين في الأقاليم الغربية مما جعله يكسب نقاطا في علاقته بقادة الأقاليم الأخرى.

لم يعد شي لسنوات قبل مؤتمر الحزب في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007 الأوفر حظا لخلافة هو جينتاو في قيادة الحزب، فقد كان الرجل المفضل هو لي كاغيانغ التابع لـ«هُو». لكن ارتفع رصيد شي السياسي في مارس (آذار) 2007 عندما تولى منصب رئيس الحزب في شنغهاي بعد أن أطاحت فضيحة أموال المعاشات بسلفه.

كانت شنغهاي بمثابة قاعدة نفوذ لكل من جيانغ وزينغ، فخلال إقامته هناك لمدة سبعة أشهر قبل أن ينضم للجنة الدائمة بالمكتب السياسي التي تشمل النخبة في بكين، ساعد شي في التخفيف من أثر الفضيحة في نطاق نفوذهم مع التأكيد على المواصفات التي تحددها بكين لنوع النمو المدروس الذي يفضله هُو. لقد كان هذا إجراء متوازنا خدمه جيدا لعشرات السنوات.

وعزز دخول شي ضمن الدائرة الداخلية في بكين، موقفه كلاعب في الفريق. وبصفته رئيس المدرسة الحزبية للجنة المركزية، أعطى شي الأولوية لتعليم الأخلاقيات السياسية القائمة على نماذج ماركس ولينين وماو وهو ما يمثل اتجاها ثوريا في النظام البيروقراطي.

* خدمة «نيويورك تايمز»