أمين عام «التقدم والاشتراكية» المغربي: مقارنة الأوضاع المغربية بالحالة التونسية نظرة سطحية وتبسيط للأمور

نبيل بن عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: لا يمكن القول إن النسيج الاقتصادي في المغرب تسيطر عليه أسرة واحدة كما في تونس

نبيل بن عبد الله (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

قال نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي، إنه لا سبيل للمقارنة بين تونس والمغرب في المجال السياسي، وذلك في معرض حوار حول تقييمه لأسباب «الانتفاضة التونسية». وقال في هذا الصدد: «واقع تونس يختلف عن الواقع المغربي، الذي يتميز بتعدديته الحزبية، عكس تونس».

ومضى يقول في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في الرباط، إن المغرب وعلى الرغم من أنه «عاش فترات سياسية حالكة تميزت بالمواجهة مع السلطة، فإنه ظل يتوفر على نسيج سياسي ونقابي وثقافي».

وأكد بن عبد الله أن الفضاء الديمقراطي المغربي أقوى وأعمق مما عرفته تونس. وأشار بن عبد الله، الذي تميز حزبه عن موقف باقي الأحزاب المغربية في الاهتمام بالحدث التونسي، إلى أن المغرب خلافا لباقي الدول المغاربية أقر نظام التعددية الحزبية، لكن بن عبد الله طالب بضرورة اعتماد مجموعة جديدة من الإصلاحات على جميع المستويات، أو ما سماه «خلق جيل جديد من الإصلاحات»، مشددا على ضرورة معالجة عدد من السلبيات التي تعرفها الانتخابات في المغرب، وقال إن التجربة التونسية ستصبح رائدة، والمحنة التي يمر منها الشعب التونسي تحمل في طياتها بوادر انتقال ديمقراطي.

وفي ما يلي نص الحوار، الذي فسر فيه بن عبد الله أسباب مساندة حزبه، الذي يشارك في الحكومة المغربية بحقيبتين، للشعب التونسي.

* كان موقف حزبكم عكس موقف باقي الأحزاب المغربية، لافتا من أحداث تونس. ما تفسيرك لذلك؟

- من الصعب الحديث عن موقف بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بأحداث داخلية لبلد شقيق ولقضايا تهم أساسا الشعب التونسي في تطوره وسعيه إلى الديمقراطية، لكن ما يمكن أن نقول هو أن هناك دروسا يجب استخلاصها مما حدث في تونس، مفادها أنه لا مستقبل لأي نظام يعتمد على نظرة متفردة للحكم، وعلى إرادة في السيطرة على دواليب القرار كافة، سواء تعلق الأمر بالقرار السياسي، وفي الحالة التونسية كذلك بالقرار الاقتصادي وبالممتلكات الاقتصادية والخيرات التي يتوفر عليها الشعب التونسي. وفي نهاية المطاف، يكمن الدرس الأساسي في أن الشعوب في لحظة ما تعبر عن رفضها وعن رغبتها الجامحة في التغيير، وفي قيام نظام ديمقراطي حقيقي سواء على مستوى التمثيلية السياسية أو على مستوى التنمية الاقتصادية والتوزيع العادل لخيرات البلاد. عبرنا في حزب التقدم والاشتراكية من خلال ثلاثة بيانات أصدرناها خلال الأحداث التي عرفتها تونس عن تضامننا مع الشعب التونسي ومتمنياتنا له بأن يجد السبيل الذي يمكنه من تحقيق ديمقراطية حقيقية تقوم على التعددية واحترام الحريات وعلى بناء مشروع مجتمعي قوامه الرقي الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكل ذلك في إطار الاستقرار والوحدة بين مكونات المجتمع التونسي كافة.

* لكن لماذا كان حزبكم هو الحزب الوحيد الذي عبر عن مساندة علنية للتونسيين؟

- لأن توجهنا السياسي يحتم علينا أن نكون دائما إلى جانب المطالب الديمقراطية، وإلى جانب الشعوب التي تعبر عن رغبتها العميقة في التحرر الحقيقي وفي قيام نظام تمثيلي عادل على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية كافة. الشعب التونسي فاجأ، ربما، الجميع بخروجه هكذا في لحظة واحدة ليعبر عن هذه الإرادة بعدما تحمل لمدة أكثر من عقدين عددا من المظاهر السلبية للحكم وللحكامة في تونس، لذلك عبرنا عن هذه الإرادة وعن هذا التضامن في إطار احترام ما يمكن أن يقرره الشعب التونسي وقواه الحية، ومن دون أن نسمح لأنفسنا بأن نتدخل في الشكل أو الأشكال التي يمكن أن تناسب الشعب التونسي في المستقبل القريب على مستوى الجوانب المؤسساتية والدستورية والأشكال الانتقالية التي على الشعب التونسي أن يلتف حولها، فهذه كلها أمور داخلية، ونتمنى فقط للشعب التونسي أن ينجح في تحقيق هذا الطموح والأمل الديمقراطي.

* هل تعتقدون أن المغرب في مأمن من مثل هذه الأحداث؟

- التاريخ يؤكد لنا أن التجارب تختلف، وأن القيام بنوع من المقارنات السطحية يمكن أن يكون صالحا بالنسبة لبعض المحللين السياسيين، ويمكن أن يكون صالحا لبعض الخبراء الذين ينظرون إلى الأمور بأسلوب أكاديمي، لكن الواقع أن تجارب الشعوب تختلف، وواقع تونس يختلف عن الواقع المغربي. المغرب بلد تميز بتعدديته الحزبية منذ زمن بعيد، في عهد الاستعمار كان المغرب يتميز بحيوية خاصة على مستوى نسيجه الحزبي، وكانت هناك تيارات متعددة من ضمنها الحزب الشيوعي وحزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، ثم في فجر الاستقلال عرف ظهور حزب الحركة الشعبية، وعدد من الأحزاب السياسية الأخرى على امتداد خمسة عقود عشناها منذ الاستقلال. حقا عشنا في المغرب كذلك بعض الفترات الحالكة التي تميزت بنوع من المواجهة من أجل السلطة، كما يؤكد ذلك تقرير الخمسينية الرسمي، الذي تم وضعه قبل ثلاث سنوات، لكن هذا لا يمنع أن يتوفر المغرب على ذاك النسيج السياسي النقابي الثقافي، والمغرب ينعم كذلك بفضاء ديمقراطي أقوى وأعمق مما عرفته تونس، وينعم كذلك بحريات واسعة، ولم يقر المغرب، خلافا للبلدان المحيطة به سواء تعلق الأمر بالجزائر أو بموريتانيا أو بتونس أو بعدد من البلدان الأخرى في المشرق العربي، بنظام الحزب الواحد، وسلك منذ تبنيه قانون الحريات العامة عام 1958 النهج التعددي على المستوى الحزبي ونهج الحريات. وهنا يجب على المغرب أن يقوم بمجهوداته حتى يتفادى أي تراجع على مستوى تجربته الديمقراطية. المغرب عرف كيف يكون سباقا على مستوى المغرب الكبير، وعلى مستوى العالم العربي، وربما كذلك على مستوى العالم الأفريقي، كيف يكون سباقا في إنجاز عدد من الإصلاحات الجوهرية، طالت مجالات حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وعرف كيف يقضي على أشكال الاعتقال السياسي، وعالج معالجة ذكية وعميقة ما نسميه في المغرب «سنوات الرصاص»، وكانت هناك تجربة الإنصاف والمصالحة، كما دخل المغرب في إصلاحات اقتصادية عميقة في عقد التسعينات من القرن الماضي، وفي بداية هذا العقد. وأكثر من ذلك، فالمغرب يتميز بنسيج اقتصادي أغنى وأوسع من النسيج الاقتصادي التونسي، ولا يمكن أن نقول إن النسيج الاقتصادي المغربي تسيطر عليه أسرة واحد كما هو الشأن بالنسبة للنسيج الاقتصادي التونسي، كذلك يمكن أن نقول إن المغرب عرف كيف يدخل في نموذج تنموي يجعل المواطن في قلب العملية التنموية، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الإصلاحات التي قام بها حتى الآن أضحت غير كافية، ويجب أن يقفز إلى إصلاحات أعمق وأكبر مما قام به حتى الآن حتى يكون دائما في طليعة الدول العربية والدول المغاربية والأفريقية، أي على المغرب أن لا يفقد الصدارة التي تميز بها في السنوات الأخيرة، وذلك يستلزم توفير جيل جديد من الإصلاحات الذي نطالب به على المستوى الدستوري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ لماذا؟ لأننا في حاجة إلى تقوية دور المؤسسات ومكانة ودور الأحزاب السياسية في المغرب، ولأننا في حاجة إلى معالجة عدد من السلبيات التي يعرفها الحقل الانتخابي، ولأننا كذلك في حاجة إلى أن نجتهد أكثر في الحقل الاقتصادي من أجل قيام دولة الحق والقانون، أي تنافس حقيقي شريف على مستوى النسيج الاقتصادي المغربي، بالإضافة إلى تطوير القوى المنتجة المغربية أكثر مما قمنا به لحد الآن، ثم الدخول في مشاريع أكبر مما قام به المغرب حتى الآن، لأن مفتاح نسبة نمو مرتفعة يمر بالضبط عبر توفير بنيات تحتية ضخمة على امتداد التراب الوطني وبشكل لا يميز هاته الجهة وتلك، إضافة إلى أنه علينا أن نعالج قضايا الرشوة وقضايا العدالة وقضايا دور ومكانة الإدارة وقدرتها على حكامة جيدة للمسلسل التنموي، وأخيرا ضرورة معالجة أوضاع الفئات المستضعفة والمهمشة من أجل أن تستفيد من ثمار هذا النمو ومن هذا المشروع المجتمعي. وإذا أردنا أن ندافع عن أي مشروع مجتمعي كيفما كان، يجب أن نجعل الشعب هو الذي يدافع عنه، لأنه يجد فيه سبل الكرامة، وسبل العيش اللائق والتعبير الحر، وعندما نرى عددا من الاختلالات التي تكون في الأساس في الحقل السياسي وبعض الممارسات التي تعيدنا إلى الماضي، فعلا يمكن أن نقول إن المغرب سيعرف تراجعا على مستوى هاته الأمور ليس بالضرورة بالشكل الذي عرفته تونس. وما يهمني شخصيا أن يبقى المغرب البلد المثالي والنموذج بالنسبة للتجارب العربية والمغاربية والأفريقية، وهذا يحتم علينا أن نخوض في جيل جديد من الإصلاحات الذي تكلمت عنه.

* كيف تفسرون تأخر صدور بيان عن وزارة الخارجية المغربية حول أحداث تونس؟

- يجب أن نعي أن هناك علاقات بين الدول. والدول في اتخاذها المواقف يجب أن لا تتسرع، المغرب لا أعتقد أنه مارس أو عبر عن أي موقف يساند النظام السابق، عندما خرج الشعب التونسي إلى الشارع. الدولة المغربية احترمت ما يجري داخل تونس، وعندما تبين خروج الرئيس السابق من البلاد، وتبين أن هناك بوادر لقيام حكومة جديدة، أصدر المغرب بيانا يؤكد فيه أنه يوجد إلى جانب الشعب التونسي في مساعيه من أجل الاستقرار من أجل الوحدة ومن أجل التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، لذلك أعتبر أنه إلى يومنا هذا هناك بعض الدول التي لم تتخذ بعد أي موقف، وما عبر عنه المغرب هو أنه يوجد إلى جانب الشعب التونسي في اختياراته، والاختيارات التي تلائمه ستلائم الدولة المغربية.

* هل يمكن إجراء مقارنة بين المغرب وتونس على ضوء ما حدث؟

- نحن في حزب التقدم والاشتراكية لا نسقط في نوع من المقارنة السطحية السهلة، ما يهمنا هو أن نواصل مجهوداتنا كحزب من أجل أن يتطور المغرب، ويكرس البعد الديمقراطي بمضامينه السياسية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي المواقف التي نعبر عنها الآن عبرنا عنها منذ سنوات وسنستمر في التعبير عنها إلى أن تتحقق، أي إلى أن نرى «الجيل الجديد» من الإصلاحات التي نعتبر أن المغرب في أمس الحاجة إليها، بغض النظر عما يقع في تونس أو في غير تونس. بالنسبة لنا، نعتبر أن التجربة التونسية اليوم ربما تصبح تجربة رائدة بالنظر إلى تسارع الأحداث والتغييرات، وبالنظر إلى ما هو مرتقب من إصلاحات سياسية ودستورية، ربما أن الشعب التونسي يمر الآن من محنة، لكن هناك بوادر للشروع في انتقال ديمقراطي رحب، لكن في الوقت ذاته، نتمنى للمغرب أن يظل سباقا، وفي المغرب هناك استقرار للدولة والمؤسسات وعلى رأس هذه المؤسسات، المؤسسة الملكية التي تحظى بإجماع الشعب المغربي بكل مكوناته، وهذه المؤسسة تلعب دورا رياديا في المغرب في اتجاه الإصلاح والديمقراطية، وهدفنا هو صيانة هذه المؤسسات على أساس أن لا تكون هناك بعض الممارسات التي يمكن أن تؤثر سلبا على المسار التحديثي والديمقراطي المنشود. وفي هذا الاتجاه، نعبر عن رغبة في أن ندخل في هذا الجيل الجديد من الإصلاحات حتى تكون التجربة المغربية تجربة متفردة، ونعتبر ما حصل من تطور بناء على تجربة التناوب التي خاضها المغرب منذ نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي، يجب أن يعزز لأجل بروز المغرب التقدمي الحداثي. والمضمون الذي نؤمن به هو البعد الديمقراطي العميق والممارسة السياسية السليمة والانتخابات الحرة النزيهة، كما لا نريد أن تتدخل أياد لصياغة خارطة سياسية من الفوق، ولا نريد أن نسقط في مؤسسات تمثيلية وعلى رأسها البرلمان، تصبح شبه صورية بالنظر إلى طبيعة الناس الذين يعملون من خلالها، لأنه بهذا الشكل، سيتم إبعاد النخب السياسية الحزبية الحاكمة والإدخال إلى هذه المؤسسة فقط من يتوفر على مال أو من له قدرة على الضغط أو من يشتري الأصوات. وهؤلاء عبارة عن كائنات انتخابية فاسدة ومفسدة للعملية الديمقراطية والانتخابية. نريد في الوقت نفسه أن نسير في اتجاه اقتصاد متين يعطي ملامح كل ضوابط ومقومات دولة الحق والقانون في الفضاء الاقتصادي، ونريد أن تستفيد فئات واسعة من مجتمعنا، وأساسا المستضعفين، من ثمار هذا النمو، وذلك يستلزم الابتعاد عن أي محاولة للسيطرة بشكل ما على القرار في المجتمع المغربي، ومحاولة القضاء على التعددية وقدرة المغرب على تدبير الاختلاف، والمغرب تمكن من خلال تياراته السياسية؛ بل والثقافية والمجتمعية المختلفة، أن يتقدم في ظل الاستقرار، وفي ظل المؤسسة الملكية التي تشكل اللحمة التي تؤلف بين المغاربة.

* هل التعددية الحزبية بالمغرب من شأنها توفير الاستقرار الداخلي؟

- المقومات الأساسية التي من شأنها أن تحمي المغرب من أي اختلال في بنائه الديمقراطي، هي بالضبط تلك المقومات القائمة على التعددية الحزبية وعلى ديمقراطية حقيقية، وعلى احترام الحريات والأحزاب ودورها، من دون السقوط في الاتجاه الذي يريد أن يجعل من كل هذه المؤسسات مجرد مؤسسات شكلية.

لكن لا يجوز أن تتدخل بعض الأوساط بشكل متسرع وغير مفهوم، من دون أن يعي أحد أين تريد هذه الأوساط أن تسير وفي أي اتجاه تريد أن تذهب بالمغرب، ومن دون أن يكون ذلك مرتبطا بشكل أو بآخر بما يحدث في تونس، وأعتقد ومن دون أي مبالغة أن المغرب كان يمتاز بتفوقه وبتقدمه على مستوى البناء الديمقراطي والحريات والتعددية السياسية والحزبية وغيرها. على المستوى الثقافي مثلا، المغرب متقدم جدا على كل الدول الأخرى في تدبيره للتنوع الثقافي. فبالتالي، تعددية المغرب هي مصدر الأمان بالنسبة له، وعليه أن يحافظ عليها ويكرسها أكثر.

* هل يمكن أن تؤثر أحداث تونس على الأمن الإقليمي في منطقة المغرب العربي؟

- أعتقد أن الدرس الأساسي الذي يجب استخلاصه من التجربة التونسية الحالية، يوجد على مستويين: المستوى الأول هو أن الحل الحقيقي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية لبلدان المغرب العربي، يوجد في قدرتها على التكامل، وعلى قيام فضاء مغاربي ينعم بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبنظرة اقتصادية موحدة، وبتكامل بين قدرات مختلف هذه الدول، والخيرات التي يمكن أن ينتجها هذا التكتل المغاربي ستستفيد منها الشعوب المغربية بشكل أساسي، خاصة الفئات المستضعفة من هذه الشعوب.. هنا يوجد السبيل التنموي الذي سيجعل من هذا الفضاء شريكا للاتحاد الأوروبي وشريكا لباقي الدول العربية. المستوى الثاني، هو أن الاستقرار في المغرب العربي وتأمين مستقبل البلدان المغاربية لمواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب المهدد لمنطقة الساحل الأفريقي وكل أنواع التهريب، كل ذلك يستلزم من دول المغرب العربي أن تكون لها سياسة موحدة، وأن تشرع في أقرب وقت ممكن في بحث تشكيل تكتل متكامل، عندئذ ستتغير أنظمة الحكامة بالنسبة لكل دولة من هذه الدول المغاربية، وبالتالي ستستفيد في ما بينها من تجارب دول أخرى في ما يخص البناء الديمقراطي والأشكال التنموية المعتمدة والاستراتيجيات الاقتصادية.. إذن، في هذا الاتجاه يجب أن نشتغل، وهذا الاتجاه يقتضي منا أن لا نزيد من نقط الاختلاف وأن لا نشتت الفضاء أكثر مما هو عليه، كما تصبو إلى ذلك الجزائر من خلال تأييدها لجبهة البوليساريو في مسعى لا مستقبل له، والحال أن الحكم الذاتي الذي يتقدم به المغرب هو صيغة ديمقراطية عميقة بإمكانها أن تحتضن مكونات الساكنة الصحراوية كافة، لأن المغرب ينعم بالحرية والتعددية، وفي التعددية إمكانية لاحتضان كل مكونات هذه الساكنة الصحراوية.

* هناك من يرى أن المغرب لا يتوفر على أحزاب سياسية ذات تأثير فعلي على الساحة المغربية؟

- على أي حال، تأثير الأحزاب السياسية على الساحة المغربية أقوى بكثير من تأثير أحزاب أخرى في بلدان عربية أخرى على ساحات بلدانهم، ربما أن هذا التأثير ليس في مستوى ما نطمح إليه، لكن عندما تنظرون إلى مدارس حزبية في المغرب، التي يعود تاريخها إلى منتصف القرن الماضي أو ما قبل ذلك كما هو الشأن بالنسبة لحزب الاستقلال أو حزبنا (التقدم والاشتراكية)، ترى أن هذه الأحزاب لها جذور حقيقية في المجتمع المغربي، ربما أن تمثيليتها تتأرجح.. تتقدم في لحظات وتتراجع في أخرى، لكن التأثير موجود، وبالتالي هناك قدرة لتدبير تنوع المجتمع المغربي عبر تعددية النسيج الحزبي، لذلك يمكن القول إن الأحزاب السياسية المغربية عرفت نوعا من التراجع في تمثيليتها، وهذا التراجع راجع إلى تقاعس هذه الأحزاب السياسية في القيام بدورها، وهنا أقصد الأحزاب السياسية التي لها ماض وشرعية، لكن ما ساهم كثيرا في بخس العمل السياسي والعمل الحزبي، هو ما لاحظناه في السنوات الأخيرة من انحرافات من خلال الترحال السياسي، وتراجع دور المؤسسات المنتخبة والتأثير على القرار الحزبي والضرب في استقلالية الأحزاب السياسية، وبروز الممارسات الانتخابية الدنيئة التي تعتمد على المال وعلى شراء الضمائر، مما جعل جزءا كبيرا من الكتلة الناخبة لا تذهب لصناديق الاقتراع، كلها أمور يجب معالجتها، والدولة لها مسؤولية أساسية في ذلك، وهذا الخطر الحقيقي على الديمقراطية المغربية لا يمكن أن يؤدي إلى انصهار أقوى بين الأحزاب السياسية والمجتمع المغربي بكل مكوناته.

* ما توقعاتكم بشأن تطور الوضع التونسي؟

- أتمنى للشعب التونسي أن ينجح في مساعيه الانتقالية من أجل دخول عهد الديمقراطية والحرية والنماء الاقتصادي العادل. وفي هذا الاتجاه، أعتقد أن ما يحدث ينبئ عن أن هناك حرصا من قبل كل الأطراف المشاركة في هذه العملية من أجل النجاح في هذا المسلسل، قد يتعثر بعض الشيء، وتوجد هناك بعض الاختلافات، لكن أرى أن هناك قدرة على إدارتها بشكل رزين، على الرغم من أنه ما زالت هناك أطراف من الشعب التونسي تتظاهر في الشوارع للتعبير عن بعض المطالب، لكن يبدو أنه لا يزال هناك نوع من التفاعل بين مختلف أطراف الحراك السياسي والاجتماعي في تونس يجعلني متفائلا بالنسبة لما يمكن أن يحدث في الشهور المقبلة.