اليسار الإسرائيلي: نشر الوثائق يؤكد أن القيادة الفلسطينية معتدلة

اليمين هاجم أولمرت على تنازلاته: يبدو أنه كان ثملا خلال المفاوضات * مصادر: «الجزيرة» نصبت كمينا لعريقات

TT

انتهز اليمين الإسرائيلي المتطرف الحملة التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية، على أثر نشر ما يسمى بـ«كشاف الجزيرة»، لمهاجمة رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، ونائبته تسيبي ليفني، التي تتزعم حزب «كاديما» المعارض حاليا، وبقية المفاوضين الإسرائيليين، قائلين إن الوثائق تثبت أنهم وافقوا لأول مرة على سريان مبدأ الانسحاب من الضفة الغربية والقدس على أساس حدود 1967 بنسبة 100 في المائة.

واعتبر اليمين المتطرف ما كشف عن تنازلات أولمرت ورفاقه أنه سابقة خطيرة. وهاجمتهم لجنة المستوطنين في الضفة الغربية بكلمات قاسية، إذ قالت: «إنهم (أولمرت وليفني وغيرهما من المفاوضين) كانوا على استعداد لتوقيع اتفاق ينطوي على طرد 160 – 170 ألف مستوطن من بيوتهم، وتقسيم القدس ومنحها للدولة الفلسطينية الغريبة. وبهذا بصقوا في وجه الشعب اليهودي وداسوا على تاريخهم وتخلوا عن تراثهم القومي». وقال داني ديان، رئيس مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، إن ما نشرته «الجزيرة» يثبت أنه لا يوجد لإسرائيل شريك سلام في الجانب العربي. وفسر أقواله مضيفا: «حتى الرئيس الفلسطيني المتطرف، محمود عباس، الذي يصر على أن تسلخ القدس بمعظمها من السيادة الإسرائيلية ويريد أن يجعل من القدس، العاصمة التاريخية للشعب اليهودي، عاصمة لدولته العتيدة، يعتبره العرب خائنا. فهل هؤلاء يريدون سلاما معنا؟!». وأضاف ديان أن «ما تسميه (الجزيرة) تنازلات فلسطينية يؤكد أن الفلسطينيين ليسوا معنيين بالسلام».

وقال جرشون مسيكا، رئيس المستوطنات المحيطة بمدينة نابلس الفلسطينية، إنه «لا بد أن أولمرت كان سكران خلال المفاوضات. فهو منسلخ عن واقع شعبه». وكان وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، قد بدا مغتبطا وهو يتحدث عن النشر في «الجزيرة»، فقال إن هذا النشر يؤكد أنه لا يوجد لإسرائيل شريك في عملية السلام، حيث إن «الفلسطينيين رفضوا التوصل إلى سلام مع حكومة أولمرت - ليفني رغم أن هذه الحكومة قدمت لهم تنازلات غير مسبوقة في تاريخ الصراع». واعتبر ليبرمان هذا النشر مساعدا للحكومة الإسرائيلية في موقفها القائل بأنه لا توجد أي إمكانية للتوصل إلى سلام دائم مع الفلسطينيين تحت قيادة الرئيس محمود عباس، وأن الأمر الوحيد الممكن حاليا هو التوصل إلى اتفاق مؤقت لإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.

وفي ضوء هذه المواقف في اليمين، اضطرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى لفت نظره لحقيقة أن «ما فعلته (الجزيرة) يخدم حركة حماس، فعلام هذه الفرحة؟!». واهتمت الصحيفة بنشر استعراض لطريقة عمل «الجزيرة» في هذه القضية، مشيرة إلى أنها عملت بسرية على جمع الوثائق ونصبت كمينا لرئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية الدكتور صائب عريقات، وكيف أرسلت مراسلها في بريطانيا إلى لبنان ليلتقي اللاجئين في مخيم «برج البراجنة»، الذين سيكون رد فعلهم الأولي سريعا وساخنا في الغضب. وكتب كبير المعلقين السياسيين في صحيفة «هآرتس»، عكيفا الدار، مقالا تحليليا على صدر الصفحة الأولى تحت عنوان «بدء معركة الخلافة»، قال فيه: «في الوقت الذي ستستقبل فيه إسرائيل والأسرة الدولية الوثائق كدليل قاطع على المواقف المعتدلة للقيادة الفلسطينية برئاسة عباس، فإن هذا الأمر في قيادة حماس، وكذا في أوساط خصومهم في قيادة فتح، سيكون دليلا آخر على ما يسمونه الانهزامية العقيمة للسلطة الفلسطينية. يسير عباس كل الوقت على الحبل الدقيق بين الرغبة في كسب عطف الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، وبين الحاجة إلى حماية ظهره من سكاكين الخصوم الداخليين. الشائعات عن نيته بالاعتزال في السنة القريبة القادمة أعطت الإشارة لصراع الخلافة. منذ وقت غير بعيد أعلن عباس الحرب على محمد دحلان بدعوى أنه مل الانتظار بهذا القدر بحيث إنه خطط لانقلاب أبيض. دحلان ليس الوحيد بين متفرغي فتح ممن سجل واحتفظ بالبث الخاص لـ«الجزيرة». على أي حال ليست هذه صدفة أن تحظى الشبكة العربية الشعبية بالغنيمة الصحافية السمينة».

وأضاف الدار: «الوثائق المسربة تسحب البساط من تحت الادعاء بأنه (لا شريك)، الذي طرحه زعيم (الاستقلال) إيهود باراك، ورئيسه بنيامين نتنياهو. وهي تذكر بأنه من أجل دولة مستقلة يبدي الفلسطينيون استعدادهم لقطع شوط طويل.. التنازل عن كتلة الأحياء اليهودية في القدس ومحيطها، غوش عصيون والمستوطنات الملاصقة للخط الأخضر. وكل هذا مقابل أراض من الجانب الغربي لهذا الخط، بما في ذلك أراض في منطقة الجلبوع (شمال غربي بيسان) وسفوح جبل الخليل».

اعتبر الدار توقيت نشر الوثائق السرية مهما للغاية، حيث قال: «توقيت نشر الوثائق المسربة يثير الاشتباه بأن خطة الدولة الفلسطينية في حدود مؤقتة، لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، جاءت لتكون ضربة وقائية للصيغة الفلسطينية. فالخريطة التي (يقترحها) ليبرمان على الفلسطينيين كتسوية انتقالية بعيدة المدى (45 – 50 في المائة من الضفة مع تبادل للأراضي)، تشطب دفعة واحدة الخريطة التي اقترحها عليهم إيهود باراك والرئيس الأميركي بيل كلينتون (94 – 96 في المائة) قبل أكثر من عشر سنوات. وهي تتجاهل الخريطة التي عرضها إيهود أولمرت على عباس (93.5 في المائة سوية مع الممر من غزة إلى الضفة)».

وقال عضو «الكنيست» من حزب «العمل» بنيامين بن اليعازر، إن مسألة تنازلات السلطة الفلسطينية في منطقة شرق القدس، بما في ذلك المناطق التي بات يقطنها اليهود الآن، ليست جديدة. وأضاف: «أنا كنت مشاركا في المفاوضات مع الفلسطينيين منذ عام 1993 وخلال حكومة أولمرت، وكان الفلسطينيون على استعداد لتقديم تنازلات في شرق القدس، ولكن سقطت حكومة أولمرت قبل أن نتوصل إلى اتفاق».