الخبير القانوني إدمون رزق: صلاحية الرئاسة مفقودة في التكليف ومطلقة في التوقيع على التشكيلة الحكومية

قال لـ«الشرق الأوسط» إن اتفاق «الطائف» حرم الرئيس اللبناني من تسمية رئيس الحكومة وألزمه بالاستشارات

TT

بعد تسميته من قبل أكثرية نيابية موصوفة، يبدأ رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي اليوم استشارات تأليف حكومة جديدة، بعد أن استهل نشاطه الرئاسي أمس بزيارة كل من رؤساء الحكومات السابقين، وفق ما يقتضيه البروتوكول.

وبعد صدور بيان التكليف الرئاسي، بناء على نتائج الاستشارات الملزمة، يُترك المجال للرئيس المكلف من أجل إجراء استشارات التأليف في مجلس النواب. ويوضح الخبير القانوني والدستوري والوزير السابق إدمون رزق، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن الرئيس المكلف يعمد خلال الاستشارات إلى جمع المطالب والاستنتاجات والاقتراحات، ثم يتوجه إلى القصر الرئاسي لعرضها على رئيس الجمهورية. ويشرح أن رئيس الحكومة المكلف يضع التشكيلة الحكومية عموما بالتوافق مع رئيس الجمهورية، الذي يبقى صاحب الحق المطلق في الموافقة عليها وتوقيعها، مع العلم بأنه لا نص قانونيا يلزمه باعتماد أي تشكيلة حكومية تقدم إليه باعتباره الرئيس الوحيد للدولة.

ومن المعلوم أن آلية الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة وتأليف الحكومة اختلفت بعد اتفاق «الطائف» عما كانت عليه قبله، خصوصا لناحية جعلها استشارات نيابية ملزمة لرئيس الجمهورية وحده، دون سواه. وإذا كان يعود لرئيس الجمهورية أن يحسم هوية رئيس الحكومة، على ضوء ما يتوافر لديه من معطيات، قبل اتفاق الطائف، فإن مهمته بعد «الطائف» انحصرت في عملية إحصاء الأصوات وإعلان نتيجتها، لا أكثر ولا أقل، على أن يتجلى دوره في المرحلة اللاحقة، عند التوقيع على التشكيلة الحكومية أو رفضها.

ويشير رزق إلى أن «الاستشارات النيابية التي كان يجريها رئيس الجمهورية كانت ترتدي ما قبل اتفاق الطائف طابعا من الخصوصية، بمعنى أنها تجرى بين الرئيس والنواب والكتل البرلمانية، ويعود لرئيس الجمهورية وحده تقدير من يكلفه في ضوء مجموع المعطيات ومنها الاستشارات». وكان المألوف، وفقا لرزق، أن يترك معظم النواب أمر اختيار رئيس الحكومة العتيد لرئيس الجمهورية، وكان ذلك موضع تململ، ذلك أن الهامش الاستنسابي لرئيس الجمهورية كبير جدا، لدرجة كان بإمكانه معها تجاهل نتيجة «البوانتاج» أي احتساب النقاط. ويلفت إلى أن «رئيس الجمهورية دأب بشكل عام، خصوصا الرئيس سليمان فرنجية، على إضافة أصوات النواب الذين يتركون له الأمر، إلى من ينال الأكثرية في الاستشارات، بما يراعي خيار النواب».

في اتفاق الطائف، طُرح الموضوع باعتباره إشكالية، وتم التوافق على أن تكون الاستشارات النيابية ملزمة. ويوضح رزق أن «المقصود بالإلزام هو أن يكون رئيس الجمهورية ملزما بأخذ نتائج الاستشارات، خلافا لما راج في فترة سابقة، خصوصا عندما وقع الخلاف بين رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري ورئيس الجمهورية السابق إميل لحود، لناحية اعتبار أن النواب ملزمون بالتسمية»، مؤكدا أن ذلك «لم يرد في الدستور ولا في روح اتفاق الطائف». وأضاف «المقصود بالإلزام هو رئيس الجمهورية، ولكن يحق للنائب أن يتحفظ ولا يسمي».

وكان الرئيس سليمان، بعد الانتهاء من إجراء الاستشارات النيابية واحتسابه الأصوات أول من أمس، أطلع رئيس مجلس النواب نبيه على نتائجها كنوع من «العلم والخبر»، معلنا بعد إبلاغ المرشح الفائز بتكليف الرئيس ميقاتي. ويشير رزق في هذا السياق، إلى أنه خلال انعقاد مؤتمر الطائف «حصل نوع من الظروف الضاغطة، أولت إلى رئاسة مجلس النواب نوعا من الشراكة، لكنها تنحصر في مجرد الاطلاع والتشاور».

وإذا كان تكليف رئيس الحكومة يتم وفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، فإن تأليف الحكومة يتم بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية. ويلفت رزق إلى أنه «لا شيء يلزم رئيس الجمهورية باعتماد أي تشكيلة حكومية تقدم إليه، لأنه رئيس الدولة الوحيد والمؤتمن على الدستور وسلامة البلاد وأمنها»، وقال «صحيح أن رئيس الجمهورية لم يعد مطلق الصلاحية في التكليف والتشكيل بعد الطائف، لكنه مطلق الصلاحية في التوقيع على التشكيلة الحكومية»، مشيرا إلى أن «لديه ضوابط أخلاقية بالدرجة الأولى مستمدة من محافظته على وحدة البلاد ومصالحها العليا، استنادا للمادة 49 من الدستور اللبناني».

وعما إذا كانت النصوص الدستورية تمنح لرئيس الجمهورية حق الاحتفاظ بحصة وزارية في الحكومة، أوضح رزق أن «المفروض أن يكون جميع الوزراء من حصة رئيس الجمهورية، ليس بمعنى المحاصصة والتبعية والانتماء، إنما بمعنى الثقة، لأنه بالنتيجة مسؤول عن توقيعه، ولا يفترض به أن يضعه على أي تشكيلة لا توفر شروط السلامة العامة والمصلحة العليا ووحدة البلاد وسلامتها وتضم أي جسم مشكوك فيه، لأن الرئيس بالنتيجة هو المرجع الأخير الذي يحسم اختيار الوزراء وليس مجرد صندوق بريد». وتوقف رزق عند المادة 49 من الدستور اللبناني، التي تحدد مسؤوليات رئيس الجمهورية، والتي تجعله «مطلق الصلاحية في تحملها ولا يحد من ذلك أي نص قانوني»، موضحا أن «لديه جميع الصلاحيات اللازمة لأداء مهامه».

وفور توقيع مرسوم التأليف، يدعو رئيس الحكومة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، ويكلف لجنة وزارية بمهمة صياغة مسودة البيان الوزاري، ومن ثم يتوجه أعضاء الحكومة الجديدة في اليوم التالي إلى القصر الجمهوري لالتقاط الصورة التذكارية مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب باللباس الأبيض، وفقا لما يقتضيه البروتوكول. وبعد الانتهاء من صياغة بيانها الوزاري، تتوجه الحكومة إلى البرلمان لعرضه على مجلس النواب لتنال الثقة على أساسه وتباشر مهامها كسلطة تنفيذية.