المحكمة الدولية ساحة المواجهة المقبلة بين حكومة ميقاتي والمعارضة الجديدة في لبنان

خبراء قانون يحذرون من رفض التعاون معها ومواجهة المجتمع الدولي

TT

قبل أن تعرف ملامح الحكومة اللبنانية العتيدة، التي سيشكلها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، بدأت تتضح معالم المعركة المقبلة التي ستخوضها هذه الحكومة في مواجهة المعارضة الجديدة، أي تيار «المستقبل» و«قوى 14 آذار» الرافضين الانضمام اليها، والتي سيكون محورها الأول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وقد بزرت مؤشرات هذه المعركة أمس من خلال الاستشارات التي أجراها ميقاتي مع الكتل النيابية، لا سيما مع كتلة «المستقبل» التي طرحت عليه مجموعة من الأسئلة وتنتظر أجوبته عليها، وأهمها ما إذا كان سيلتزم بعدم الموافقة على طلب (حزب الله) فك التزام لبنان بالمحكمة ووقف تمويلها وسحب القضاة اللبنانيين منها، وإلغاء مذكرات التفاهم التي وقعها لبنان مع الأمم المتحدة، وعدم ادراج أي من هذه المواضيع على جدول أعمال مجلس الوزراء وعدم الموافقة على أي مشروع قانون يصب في هذا الإطار. في حين أكد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بعد لقائه ميقاتي، أنّ فريقه «لم يطالب بإلغاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بل بوقف مساهمة لبنان فيها». أما معاون رئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل فوصف أسئلة كتلة «المستقبل» التي طرحتها على ميقاتي بالـ«تعجيزية».

بالتزامن مع تبدل الصورة السياسية، تتوارد إلى أذهان اللبنانيين الكثير من الأسئلة عن الوضع الذي ستكون عليه المحكمة الدولية، فور تشكيل الحكومة التي يضع «حزب الله» في أولوياتها، إلغاء الاتفاقية الموقعة بشأنها بين لبنان والأمم المتحدة، وما هو مصير القرارات التي ستتخذها المحكمة ومن خلفها الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حال تمنّع لبنان عن التعاون معها ومع قراراتها. وقد أجمعت آراء خبراء في علم القانون الدولي على أن «لبنان سيضع نفسه في مواجهة مع المجتمع الدولي في حال آثر الخروج عن إرادة الأمم المتحدة، وسيتم التعامل معه كدولة «مارقة»، ما سيعرضه إلى عقوبات قاسية قد تفرض عليه من قبل مجلس الأمن الدولي».

وفي هذا الإطار، ذكّر الخبير القانوني والنائب السابق صلاح حنين، بأن «لبنان لم يبرم معاهدة مع الأمم المتحدة حول المحكمة الدولية حتى يعمل على إلغائها، لأن المحكمة أنشئت بقرار من مجلس الأمن الدولي بعد إقفال المجلس النيابي في لبنان، ورفض إقرار هذه المعاهدة»، مؤكدا في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «لا شيء ينقض القرار الدولي سوى قرار دولي آخر»، ولفت إلى أن «المحكمة الدولية تسير بخطى ثابتة، وفي حال لم يتعاون لبنان مع قراراتها من المؤكد ستصدر قرارات عن مجلس الأمن في هذا الخصوص، وعندها سيضع لبنان نفسه في مواجهة مع المجتمع الدولي»، وسأل «هل يمكن للمجتمع الدولي أن ينصاع لأي ضغوطات تحصل في أي دولة في العالم لمنعه من معاقبة مرتكبي جرائم تقع على أراضيها؟»، وقال «لا يمكن للمجتمع الدولي أن يترك الأمور سائبة وفالتة، ولا يمكن للبنان أن يخرج نفسه من مواثيق الدولية، لأن مقدمة الدستور اللبناني تنص على إحترام هذه المواثيق وقرارات الأمم المتحدة».

أما أستاذ القانون الدولي الدكتور أنطوان صفير، فكان له رأي بـ«أحقية الحكومة اللبنانية الجديدة في سحب توقيع وزير العدل (السابق) على اتفاقية إنشاء المحكمة»، ولفت لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «إلغاء هذا البروتوكول من جانب لبنان، يبقي لبنان تحت مترتبات قانونية إذا ما طلبت المحكمة السلطة اللبنانية إجراءات معينة»، مشيرا إلى أن «سحب البروتوكول لا يؤثر على المحكمة التي أنشئت بقرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع»، وقال «في حال لم يتعاون لبنان مع قرارات المحكمة عندها يمكن لرئيس المحكمة أن يعلم الأمين العام للأمم المتحدة بأن لبنان يرفض التجاوب معها، وحينذاك قد يتخذ مجلس الأمن الدولي قرارات، قد تتمثل بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على لبنان».

بدوره أكد مرجع قانوني لبناني كبير، أنه «يستحيل على الحكومة اللبنانية العتيدة أو أي حكومة أخرى، أن تلغي الاتفاقية الموقعة بين لبنان والأمم المتحدة التي أنشئت بموجبها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، وقال المرجع لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن إلغاء أي اتفاقية مبرمة مع الأمم المتحدة من طرف واحد، لأن نصّ كل اتفاقية يقضي بأن يحظى التراجع عنها بقبول الطرفين، ولذلك فمن الناحية المبدئية يستحيل على لبنان أن يلغي هذه الاتفاقية، الا إذا أثبت للأمم المتحدة قانونا أن السبب الذي أنشئت لأجله هذه المحكمة قد زال نهائيا، وهذا سيكون موضوعا خلافيا كبيرا مع المنظمة الدولية، سيما أن المحكمة أنشئت بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي وفقا لأحكام الفصل السابع، ومن الصعب جدا جدا جدا، إلغاء المحكمة الا إذا قرر مجلس الأمن ذلك وهذا غير وارد كليا». ولفت إلى أن «تمكين الحكومات من إلغاء قرارات دولية قد ينسحب على كل المحاكم الدولية في العالم، ويشكّل سابقة خطيرة تضرب هيبة ومصداقية مجلس الأمن»، مذكرا بأن «المحكمة التي أنشئت للجرائم التي حصلت في صربيا، بقيت لسنوات طويلة من دون أن تستطيع إحضار أي مطلوب، لكن في النتيجة عادت وحاكمت ميلوسوفيتش وآخرين ولا تزال المحاكمات مستمرة».

وأوضح المرجع القانوني، أن «توقف لبنان عن تسديد حصته من تمويل المحكمة لا يغيّر شيئا، فهناك صناديق مالية تابعة للأمم المتحدة يمكن أن تتولى تمويلها، أما لجهة القضاة اللبنانيين فلا يمكن للبنان أن يسحبهم، الا إذا قرروا أن يستقيلوا بملء إرادتهم»، وردا على سؤال عمّا سيترتب على لبنان في حال لم يمتثل لقرارات المحكمة والمذكرات التي ستصدر عنها، أعلن المرجع أن «لبنان مجبر بتنفيذ المذكرات والأحكام التي ستصدرها المحكمة، وفي حال امتناعه عن ذلك يصبح لبنان دولة مارقة، وتكون المحكمة أمام أمرين إما تصدر مذكرات توقيف غيابية وأحكاما غيابية تعمّم على كل دول العالم، وإما ان تلجأ إلى مجلس الأمن الذي يتخذ القرارات المناسبة، التي ربما تبدأ بعقوبات وتتطوّر، لكن لا مصلحة للبنان كدولة صغيرة بأن يتمرّد على الشرعية الدولية»، ورأى المرجع أنه «بعد إعلان مضمون القرار الاتهامي ستبدأ إجراءات معينة ويخضع عندها لبنان لأول امتحان من هذا النوع».