دبلوماسي أوروبي لـ «الشرق الأوسط»: لا صفقة فرنسية أتت بميقاتي

قال إن حزب الله لا يريد أن يسيطر على الحكومة بالكامل بل أن يؤثر فيها

عناصر من قوى الامن اللبناني في وسط بيروت (أ.ف.ب)
TT

نفى دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى وجود «صفقة فرنسية – قطرية» وراء وصول الرئيس نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة اللبنانية، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن فرنسا لم تنخرط في أي صفقة مماثلة، وهي تراقب كما غيرها من دول الغرب الوضع المثير للقلق في لبنان في أعقاب التطورات الاخيرة.

وأشار الدبلوماسي الذي تحدث شرط عدم الكشف عن اسمه، أن ميقاتي أمام عدة امتحانات أولها تشكيلة حكومته، وثانيها كيفية تصرفه إزاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتعاطيه مع القضايا الخلافية، مشيرا إلى أن كلام ميقاتي عن إحالة الموضوع إلى طاولة الحوار «غير مقنع» ولا يمكن أن يأتي بنتائج.

وكشف الدبلوماسي أن شقيق الرئيس ميقاتي، طه ميقاتي أبلغ عددا من الدبلوماسيين الغربيين في بيروت أن ميقاتي أراد بترشيحه إنقاذ البلاد من مواجهة قد يفرضها وصول الرئيس عمر كرامي إلى المنصب. وأنه يقدم نفسه كوسطي يقدم الحلول الوسط للأزمة، لكن الدبلوماسي يشير إلى أن ميقاتي لاقى «بعض التشجيع»، قائلا «أنه حظي بموافقة سورية للقيام بخطوته هذه»، مستبعدا في الوقت نفسه حصول ميقاتي على موافقة سعودية في هذا المجال. وإذ لاحظ الدبلوماسي أن ميقاتي بدا قلقا في إطلالاته الاعلامية الاخيرة، رد ذلك إلى قلقه حيال إمكانية حصوله على دعم دولي لخطوته.

وقال الدبلوماسي إن ما حصل في تكليف ميقاتي تأليف الحكومة «بدا وكأنه إجراء دستوري في الشكل، ولا يمكن انتقاده لأنه من الممكن في اي بلد ديمقراطي أن تتغير الاكثرية البرلمانية من طرف لأخر، لكن ما أقلقنا هو أن ما حصل في الحالة اللبنانية، تم تحت الضغوط التي مورست على (النائب وليد) جنبلاط، وعبر تهديدات «حزب الله» وعملية النزول إلى الشارع التي قام بها قبل أيام من الاستشارات، وهي وإن كانت محدودة، إلا أنها كانت رسالة واضحة لجنبلاط الذي ذهب إلى دمشق. وهذا لا يترك لنا مجالا للقول إن التغيير في الاغلبية حصل في جو من الاسترخاء. لكن المصدر قال إن بالامكان تخطي هذا «لأن الموقف الفرنسي كان دائما كعضو في مجلس الامن ولاعب في المنطقة أنه لا يمكن ان تسحب فرنسا دعمها للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وفي الوقت نفسه تدرك أهمية حماية الاستقرار في لبنان، وتضع كلا الامرين في المستوى نفسه من الاهمية باختلاف بسيط، فهم بالطبع يريدون الاستقرار في لبنان، لكن اهتمامهم الأول ينصب على «حزب الله» وعلى قضايا اقليمية تتعلق بمصالح اسرائيل، لكن يمكن للبلدين أن يعالجا اختلافاتهما.

وأضاف المصدر: نحن نتساءل الان ما الذي يمكن أن يفعله ميقاتي، هو أكد لنا أنه لم يقدم أي التزامات، لكني أجد من الصعب تقبل هذه «الصورة الزهرية» التي يقدمها لنا، فهناك من الجهة الاخرى المعارضة و«حزب الله» واهتمامهم الأول هو المحكمة الدولية.

وأوضح الدبلوماسي أن فرنسا أبلغت ميقاتي «خطوطها الحمراء»، والتي تتعلق بالاتفاق بين لبنان والامم المتحدة. وقال:« نحن نعرف ان لبنان لن يدفع الان حصته من موازنة المحكمة، وسنرى كيف ستتم معالجة هذا النقص في التمويل. أما قضية سحب القضاة فهي حساسة بعض الشيء قانونيا، لأنهم لم يعودوا قضاة لبنانيين، بل هم جزء من المحكمة وفريقها ويعملون مع الامم المتحدة، وليسوا مضطرين لإطاعة أوامر الحكومة اللبنانية. لكن مع هذا لا يمكن أن نطلب من القضاة أن يبقوا طالما أن لديهم عائلاتهم في لبنان، وهي على أي حال قضية يمكن أن تحل. لكن قضية التعاون بين المحكمة والسلطات اللبنانية هي حقا محور القضية. وأنا أعتقد أنه من المهم ما قاله الرئيس ميقاتي عن عدم المس بقضاة وامنيين هم «مفاتيح» في التعاون الذي يمكن أن تقدمه الحكومة للمحكمة الدولية. وأشار الدبلوماسي إلى أنه من المهم جدا بالنسبة للمجتمع الدولي هو التشكيلة التي سيقدمها ميقاتي ونوعية الوزراء الذين سيعينون. وسيكون من الحكيم اختيار سياسيين أو تكنوقراط، لكن ليس أشخاصا منحازين جدا لدول أخرى. وقال: «نحن ننتظر الان كيف سيتعامل ميقاتي مع المحكمة الدولية، ولدينا علامات استفهام أكثر من الاجابات. فعندما يقول إن موضوع المحكمة سيعالج من خلال الحوار، فنحن نتساءل عن الديناميكية التي سيعالج من خلالها. فكلنا نعرف أن الحوار هو حتى الان على سلاح «حزب الله» بعد الاتفاق على موضوعات اخرى كالسلاح الفلسطيني، ولم تطبق. والحوار الوطني يرأسه رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة ليس في مقعد السائق»، بل هو كأي عضو آخر في طاولة الحوار، فكيف سيتعامل مع هذا الموضوع وهو الذي في نهاية المطاف يتحمل المسؤولية من خلال موقعه. وتساءل عن إمكانية الوصول إلى نتائج حول هذا الموضوع في ظل وجود شخصيات كـ(رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية») سمير جعجع وغيره. سيكون من الصعب جدا تخيل إمكانية الوصول إلى اتفاق حول هذه الطاولة، كما علينا انتظار ما سيكون لديه من أفكار بناءة أخرى. وهل سيتمكن من فك ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية بطريقة مقبولة من المجتمع الدولي، لا أعرف! وفي الوقت نفسه «حزب الله» مستعجل للحصول على نتائح، والساعة تتكتك، والقرار الظني سوف يصدر حلال شهرين على الارجح بعد أن ينتهي من القاضي فرانسين من التدقيق فيه، فهل يمكن للحوار أن يخرج بنتيجة في هذا الوقت... لا أعرف». وأضاف: «أعتقد أنه عندما قالت (وزيرة الخارجية الأميركية) السيدة (هيلاري) كلينتون أنه علينا الحكم على هذه الحكومة من خلال أفعالها، كانت محقة. علينا أن ننتظر ونرى. فإذا نجح فسيكون الأمر جيدا. المحكمة مستمرة رغم كل شيء، وهذا ما يعرفه الجميع، وحزب الله يعرفه جيدا. أما إذا فشل، فسيكون من الصعب عليه المحافظة على صورته أمام الرأي العام اللبناني والمعارضة السابقة والمجتمع الدولي، وسيتعين عليه الخروج من الحكم في وقت ما»، موضحا أن «شقيقه طه قال إنه سيشكل الحكومة وسيذهب إلى البرلمان ببيانه الوزاري، فإذا لم يرض عن هذا البيان سوف يستقيل، ويكون قد حاول». وقال: «هناك العديد من الاسئلة، ربما نيته جيدة، لكن هناك العديد من الاسئلة التي تطرح نفسها، حول الاهداف والوسائل التي سيستعملها لتحقيقها. وتشكيلة الحكومة هي الاجابة الاولى، ثم يلي ذلك برنامج العمل الذي سيعتمده».

وإذ اعترف المصدر بأن وجود حكومة يقودها «حزب الله» قد تشكل مشكلة، أعرب عن اعتقاده أن «حزب الله» لا يريد أن يسيطر على الحكومة بالكامل، بل أن يؤثر فيها. فهم ليسوا مجانين، بل منظمون ويعرفون ماذا يريدون. مشيرا إلى أن الهدف الرئيسي لهم في نهاية المطاف سيكون تعديل الطائف للحصول على المثالثة، رغم أن لا أحد يريد أن يعترف بالامر أو يناقشه، والجميع يتعامل معه كالمحرمات.