الاسلاميون في تونس يستعرضون قوتهم في استقبال زعيمهم العائد راشد الغنوشي

زعيم حركة النهضة: لا أحلم بأي منصب في أي مستوى.. وإنما بتونس حرة مزدهرة

راشد الغنوشي لدى استقباله في العاصمة التونسية أمس (رويترز)
TT

احتشد الاف التونسيين أمس لاستقبال الزعيم الاسلامي راشد الغنوشي الذي عاد إلى بلاده بعد 22 عاما في المنفى في مؤشر إلى ان حزبه سيبرز كقوة رئيسية في تونس بعد خلع الرئيس زين العابدين بن علي.

وكان استقبال الغنوشي زعيم حزب النهضة في مطار تونس أكبر استعراض للقوة من جانب الاسلاميين بعد ان تعرض الالاف منهم على مدى عقدين للسجن أو النفي على يدي بن علي. والغنوشي منفي منذ عام 1989 على يدي بن علي الذي اطيح به في 14 يناير كانون الثاني في احتجاجات شعبية أثارت موجة زلزالية في أنحاء العالم العربي.

وغصت قاعة الوصول بالمطار ومكان انتظار السيارات بزهاء عشرة الاف من الشبان والنساء المحجبات. وتسلق البعض فروع الاشجار وأعمدة الانارة لرؤية الغنوشي، 69 عاما، الذي يقول انه لا يطمح لتولي الرئاسة. وخاطب الغنوشي الحشود التي هتفت «الله أكبر» داعيا إلى استمرار الثورة والمحافظة عليها وترجمتها إلى ديمقراطية وعدالة ومساواة. وتبادل أنصار حزب النهضة العناق في فرح. وأدى البعض الصلاة على العشب في مشهد لم يكن متصورا في تونس قبل بضعة اسابيع.

وأكد حزب النهضة الذي يقول انه يتبنى ايديولوجية تماثل تلك التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التزامه بالديمقراطية. ويقول خبراء في الاسلام السياسي ان أفكاره تعتبر من بين أكثر الافكار اعتدالا بين الجماعات الاسلامية. وقال الغنوشي للحشد ان الطريق إلى الديمقراطية ما زال طويلا وان الديمقراطية لا تتحقق دون توافق وطني والتنمية لا تتحقق الا مع العدل والديمقراطية. وكان بعض نشطاء النهضة من بين السجناء السياسيين الذين افرج عنهم بموجب عفو اصدرته الحكومة المؤقتة. ويقول حزب النهضة وأنصاره انهم لا يسعون لاقامة دولة اسلامية ولا يريدون الا حق المشاركة في العمل السياسي.

وقال محمد هباسي أحد أنصار حزب النهضة «لا نريد دولة اسلامية.. نريد دولة ديمقراطية.. لقد عانينا الكثير من غياب الديمقراطية». وقال عبد الباسط الرياحي وهو ايضا نشط من أعضاء النهضة عاد من المنفى «كنا محظورين لمدة 21 عاما.. لكننا عدنا ورؤوسنا مرفوعة.. شكرا لله وللشعب التونسي العظيم».

وخاطب الغنوشي مستقبليه عبر مكبر الصوت قائلا إن «دماء الشهداء هي التي حررتنا وجعلت آلافا من أبناء هذا الوطن يعودون إلى بلادهم وآخرين يخرجون من العزلة« وأضاف: «جئت وهذا حقي أن أعود إلى وطني وأهلي بعد أكثر من 20 عاما.. لا أحلم شخصيا بمنصب في أي مستوى من المستويات وإنما أحلم بتونس حرة مزدهرة».

وأفاد الغنوشي «الإسلام ليس ملكا لحركة النهضة« وأن «الإسلام يزيد من حقوق النساء ولا ينقصها ويزيد من حقوق الرجال ولا ينقصها ويعطي كل ذي حق حقه».

ومضى يقول: «أحيي الشباب وسيدي بوزيد ومحمد البوعزيزي وأحيي كل مناطق البلاد المباركة التي شاركت في هذه الثورة العظيمة التي حررتنا من الاستبداد وجعلت علم تونس يرفرف في كل مكان، حتى أن بعض أهل المشرق يدعون اليوم ويقولون اللهم اجعلنا قادرين على أن نصنع ثورة مثل ثورة تونس». وأضاف «نقول للشعب واصل ثورتك وحافظ عليها وترجمها إلى عدل وإحسان ترجمها إلى ديمقراطية وعدالة وتوافق بين المناطق والجهات، ترجموا دماء الشهداء إلى قوانين عادلة، الطريق لا يزال طويلا فتضامنوا وتماسكوا، لا يمكن للديمقراطية أن تتحقق إلا بوفاق وطني لا يمكن للتنمية أن تحدث إلا بعدل وديمقراطية». وتابع «أحيي الجيش التونسي الوطني وأدعوه إلى أن يواصل دوره في حماية هذه الثورة المباركة وهذا الوطن العزيز». وقال ايضا «أنا واثق أن مستقبل تونس سيكون أفضل فتضامنوا وتوحدوا وكونوا يدا واحدة على الاستبداد وبقايا الاستبداد».

وحمل المستقبلون لافتات كتب على بعضها «لا للتطرف، نعم للإسلام المعتدل»، و«لا خوف من الإسلام»، ورددوا أناشيد إسلامية كان يرددها مناصرو الحركة في العقود السابقة، بينما توجه لهم الغنوشي مهللا بعبارة «الله أكبر». واعترضته أعداد صغيرة من الشباب التونسي لا ممن يبدون تخوفات من رجوع الحركة لسالف النشاط السياسي ورفعوا لافتات كتب عليها «الدين لله والوطن للجميع».. «لا للإسلاميين، لا لحكم الدين، لا لحكم الشريعة ولا للغباء».

وقال الغنوشي في لقاء عقد مساء أمس بمنطقة المنزه بضواحي العاصمة التونسية انه يريد تحويل حركته إلى حزب سياسي قانوني ليشارك بصفة قانونية في الانتخابات المزمع تنظيمها لاحقا وفق مقتضيات الدستور التونسي، تلك الانتخابات التي من المفترض أن تنظمها الحكومة الانتقالية. وقال الغنوشي انه سيعمل على نقل قيادة الحركة الإسلامية إلى الشباب من أجل ضخ دماء جديدة في التنظيم وبغية نشر فهم مختلف للواقع السياسي التونسي.

وبالرغم من الرسائل التطمينية التي بعثت بها حركة النهضة إلى الشارع السياسي التونسي والى مختلف الفئات الاجتماعية، فان بعض التيارات السياسية وخاصة منها اليسارية تصر على خطورة مشاركة الحركة في الحياة السياسية. في هذا الصدد قال عادل الشاوش عضو المكتب السياسي لحركة التجديد المعارضة والمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية إن الحركة ليست ضد النشاط السياسي لحركة النهضة ولمشاركتها في الحياة السياسية بقدر ما ينتظر من الحركة أن تقبل منطق التعايش مع نقية الأحزاب السياسية.

الشاوش قال أيضا إن الحركة ترفض أن تمارس حركة النهضة السياسة تحت يافطة الدين، وان تقبل كل المكتسبات التي تحققت للمجتمع التونسي ومن بينها حرية المرأة ومجلة الأحوال الشخصية. وتابع الشاوش قائلا انه لمس تطورات ملحوظة على مستوى خطاب أعضاء الحركة الموجودين في تونس، وننتظر أن تجسم ذلك على مستوى أرض الواقع. وذكرت مصادر مقربة من الحركة أن راشد الغنوشي سيتقاعد سياسيا وان قيادة الحركة ستؤول إلى القيادي حمادي الجبالي الذي أرسل إشارات سياسية إلى من يهمه الأمر تفيد بان الحركة لن تعود إلى نفس التعاطي السياسي الذي اعتمدته حلال عقدي السبعينات والثمانينات، وأنها ستسعى خلال الفترة القادمة إلى الاندماج السياسي والتعايش مع بقية مكونات المجتمع التونسي.