السعودية: وزارة التعليم العالي تنتقد اختيار المبتعثين.. وتعتبر الجامعات دون المستوى

تحركات حكومية لمناقشة المستقبل الوظيفي لـ 106 آلاف مبتعث

TT

انتقدت وزارة التعليم العالي في السعودية اختيار بعض الطلاب والطالبات تخصصات وجامعات لا تراعي الاحتياجات المستقبلية للسعودية مما سيؤثر على فرصهم الوظيفية في سوق العمل السعودية.

وتحركت جهات حكومية مسؤولة لمناقشة ملف 106 آلاف مبتعث سعودي انخرطوا في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، حيث تكتلت فيما بينها نحو الوصول إلى رؤية مشتركة تعمل من خلالها لبلورة مشروع توظيف عدد مرشح للزيادة مع استمرارية البرنامج وصيرورته.

واعتبرت الجهات الرسمية أن مشروع الابتعاث لم يخرج عن مساره الوظيفي، وأن التخصصات المعلنة قد تمت دراسة تواؤمها مع سوق العمل في السعودية، مؤكدين أنه تم التعرف على مدى المواءمة بين مخرجات الابتعاث المتوقعة واحتياجات التنمية وسوق العمل بما يدعم أعمال المراجعة الدورية وإعادة الدراسة لحاجات سوق العمل الحالية، في وقت وجهت وزارة التعليم العالي انتقادا لبعض الطلاب بأنهم نهجوا مسارا مغايرا باختيارهم جامعات وتخصصت قد تؤثر على مسارهم الوظيفي فيما بعد.

وكشف الدكتور حمد العيسى، مدير الإعلام في وزارة التعليم العالي، لـ«الشرق الأوسط» أن وزارة التعليم العالي وضعت قضية استيعاب سوق العمل في المملكة لخريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي في اعتبارها منذ البداية ولذلك فقد حرصت على إلحاق هؤلاء المبتعثين بأفضل الجامعات العالمية، وفي تخصصات روعي فيها أن تتوافق مع احتياجات سوق العمل في القطاعين العام والخاص.

وأبان الدكتور العيسى: «تم قصر الابتعاث في مرحلة البكالوريوس على التخصصات الصحية مثل الطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم الطبية وهي التخصصات التي تحتاجها سوق العمل لدينا بإلحاح، أما في مرحلة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) فقد تم التوسع في التخصصات لتشمل تخصصات أخرى تحتاجها سوق العمل وهي الهندسة والحاسب الآلي، والعلوم الأساسية مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء، والمحاسبة والتجارة الإلكترونية، والتمويل والتسويق والتأمين».

وأشار مدير الإعلام: «تم التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بما فيها وزارة الخدمة المدنية، ووزارة العمل، ووزارة المالية، والغرف التجارية لتهيئة المجال لاستيعاب مخرجات البرنامج. وقد نظمت الوزارة في شهر جمادى الأولى الماضي ملتقى المهنة تحت شعار (الابتعاث الخارجي مؤشرات العرض والطلب) بمشاركة وكلاء الوزارات ذات العلاقة بالإضافة إلى أمين عام الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، وممثلي عدد من كبريات الشركات بالمملكة، وكان الهدف من هذا الملتقى تعريف خريجي برنامج الابتعاث بالمهن والأعمال المتوفرة لديهم، والتعرف على مدى المواءمة بين مخرجات الابتعاث المتوقعة واحتياجات التنمية وسوق العمل بما يدعم أعمال المراجعة الدورية وإعادة الدراسة لحاجات سوق العمل الحالية».

وقال كذلك: «ترى الوزارة أن الحراك التنموي الذي تعيشه السعودية في كافة المجالات بحاجة إلى الكوادر السعودية التي تمتلك التأهيل والخبرات المتعددة والمطلعة على الكثير من التجارب العلمية التي يوفرها البرنامج، وعلى سبيل المثال فإن الجامعات والكليات الجامعية التي عملت الوزارة على نشرها في جميع مناطق ومحافظات المملكة بحاجة ماسة إلى أعضاء هيئة تدريس من السعوديين المؤهلين، لذا فإن من المتوقع أن يستوعب الحراك التنموي في بلادنا خريجي البرنامج الذين سيكون لهم دور بارز في تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله». وعلل الدكتور العيسى بالقول: «بالرغم من كل تلك الخطط والإجراءات التي اتخذتها الوزارة للتأكد من مواءمة مخرجات البرنامج لاحتياجات سوق العمل فإنه يلاحظ أن بعض الدارسين الذين يبدأون الدراسة على حسابهم الخاص يختارون تخصصاتهم وفق تفصيلات شخصية لا تراعي الاحتياجات المستقبلية للبلد، وكذلك الأمر بالنسبة للجامعات إذ بالرغم من أن الوزارة تحث الطلاب على اختيار الجامعات العالمية المميزة فإن بعضهم يتجه إلى جامعات أخرى لا تتمتع بالمكانة العلمية المطلوبة مما يؤثر على تحصيلهم العلمي، ومن ثم على فرصهم المستقبلية في الحصول على الوظائف».

وفي شأن متصل، قال الدكتور أحمد الزامل، المدير العام لصندوق الموارد البشرية في السعودية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حول نظرته لمستقبل الطلاب المبتعثين في برنامج خادم الحرمين الشريفين، إنه مستقبل مشرق، مؤكدا أن البرنامج يركز على الابتعاث في تخصصات مطلوبة لسوق العمل، وينسق الصندوق مع الوزارة للحصول على قوائم الخريجين لتوجيههم للوظائف المتاحة والمدعومة من الصندوق، علما بأن الصندوق استقطب عددا من هؤلاء الخريجين.

وحول مدى مشاركة القطاع الخاص في توظيفهم، قال: «نقدر تجاوب وجهود رجال الأعمال والقائمين على إدارة الشركات الكبيرة في القطاع الخاص في التجاوب مع الصندوق لتوطين الوظائف ودعم جهود توطين العمالة الوطنية ونتطلع إلى تفاعل وتجاوب أكثر، كما يعمل الصندوق بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة للمساهمة في توطين الوظائف في القطاع الخاص، أما ما يخص القطاع الحكومي فتقوم وزارة الخدمة المدنية بهذا الدور».

إلى ذلك، وصف الدكتور إبراهيم الجابري، رئيس قسم العيون في مستشفى النور بمكة المكرمة، بأن عملية ابتعاث هذا الكم الهائل من الطلاب والطالبات إلى حد سواء في دول متعددة من العالم، هو بمثابة ضغط كبير جدا على سوق العمل في السعودية، خاصة في ظل عدم وجود رؤية واضحة لمتطلبات السوق ومعرفة ما إذا كانت تلك المخصصات التي يدرسونها تتواءم فعليا وحركيا مع الحاجة الماسة للسوق وقطاع الأعمال.

وأضاف الدكتور الجابري أن النقطة الأولى التي يجب أن ينبثق منها إرسال المبتعثين هي أن تكون له وظيفة وصفية، يعود لأجلها بعد انقضاء دراسته كاملا، وتحديد مدة زمنية لإرسال المبتعث في جامعة تكفل تدريب وتهيئة المبتعث، بشكل احترافي. وتساءل الجابري عن جدوى إرسال كم كبير من المبتعثين والمبتعثات لدراسة تخصص مثل التسوق - مع يقيننا بأهميته، وفاعليته - غير أن مشاركة القطاع الخاص في توظيف هذه الكوادر والمخرجات غير مشجعة وغير مضمونة العواقب، في سوق هي في الأصل لم يكتمل ربيعها فيما يختص بالتجارة الإلكترونية.

من جانب آخر، طالب الدكتور محمد الفعر، من جامعة الطائف، عن ضرورة تقييد المنظمين لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي للتخصصات المعلنة في التعليم العالي، حيث ظهرت في الآونة الأخيرة انضمام تلك الأعداد تحت مسمى ما يعرف بـ«الضم»، وهو ما أسهب بشكل غير مباشر في إيجاد تخصصات غير مجدية في سوق العمل في السعودية، بحكم الاختيار المزاجي الذي انطلقت منه جموع الطلبة في البلدان الأجنبية، دونما الرجوع إلى مستند فعلي يخدم واقع الأعمال في السوق السعودية.

وأفاد الفعر، أن وجود 106 آلاف طالب مبتعث في أي دول كانت، حتى وإن كانوا أكفاء ومدربين مهنيا، فهم بذلك يحدثون ربكة، خاصة في ظل مئات الألوف من أرقام البطالة المسجلة في السعودية، فكان حريا بوزارة الخدمة المدنية توظيف الجامعيين العاطلين في الأصل، ومن ثم النظر في مستقبل المبتعثين والمبتعثات، والذين سيشكلون وبلا أدنى شك إقصاء للخريجين من الجامعات السعودية.

وزاد بالقول: «إن مصير الطالبات المبتعثات، هو أشد حرجا، في السوق السعودية، نظير ضيق الآيديولوجيات المحركة للأذرع السوقية، وينبغي أن لا ننسى أنه ومنذ وقت قريب، ظهرت لنا في السعودية آراء قوية تطلب إحجام قبول السعوديات في وظائف معينة، وهو ما يعني أن المبتعثة يجب أن تختار دراستها بشكل دقيق، وإلا ستجد نفسها مرغمة على البقاء في المنزل، على الرغم من أحقيتها، أكاديميا، وتدريبيا، نظير التحاقها بأعرق الجامعات العالمية، والتكلفة المادية الباهظة التي صرفتها الدولة السعودية عليها.

من جهتها تساءلت منى العاصمي، طالبة مبتعثة في بريطانيا، تخصصت في قسم هندسة المشاريع، عن مدى احتياج السوق السعودية لتخصصها، خصوصا أنه في السعودية لا توجد ثقة في قدرات وإمكانيات أبناء البلد، فما بال الفتيات المتخصصات في هندسة المشاريع، والتي لا يمكن أن ننجح في كسر هذا الغياب في الثقة ما بين المستثمر، وأبناء الوطن، لكي تكون هناك مواءمة في العمل الاحترافي، من مخرجات وطنية فعالة، تساعد على النهوض في البنى التحتية للمشاريع في السعودية، خصوصا أن السعودية تمر بمرحلة كبيرة من المشاريع الكبرى التي تسعى من خلالها إلى أن تكون دولة نموذجية تسابق الدول الأخرى في العالم الأول.

وأضافت منى العاصمي: «كل ما أتمناه بعد انقضاء فترة دراستي في بريطانيا أنه عندما أعود إلى أرض الوطن أجد الأبواب مشرعة، لتنفيذ طموحاتي التي من أجلها عايشت الغربة، والتعب في التحصيل الدراسي، ولكي أساعد أنا وبنات جيلي في النهوض بالحضارة العمرانية لبلدي، الذي نحن أولى من الغريب في مشاركته في تقدمه، وتطوره».