واشنطن تحث المعارضة المصرية على توحيد صفوفها

أوباما يشيد بـ«ضبط النفس» الذي أبدته القوات المسلحة المصرية أمام المظاهرات

TT

بالإضافة إلى تحذيرات أميركية سابقة للحكومة المصرية بأهمية الإسراع في الاتصال بالمعارضة وترتيب إجراءات التغيير، بدأ أمس مسؤولون أميركيون يحذرون المعارضة من التلكؤ، ويدعون قادتها لتوحيد صفوفهم. وقال مسؤول أميركي إنه يأمل في أن تبدأ الحكومة وقادة المعارضة في «رسم ملامح مرحلة انتقالية متعددة الخطوات، بما في ذلك الوقف الفوري لقوانين الطوارئ، ورسم خريطة طريق للتغيير الدستوري وإجراء انتخابات حرة ونزيهة». وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن مسؤولين أميركيين يقومون بـ «جهود عاجلة لإقناع الجماعات المعارضة للمشاركة في محادثات مع عمر سليمان (نائب الرئيس مبارك)». وأن مسؤولين أميركيين، سواء في البنتاغون أو البيت الأبيض أو الخارجية الأميركية، اتصلوا بقادة عسكريين ومدنيين في مصر. وحثوهم على «اتخاذ خطوات سريعة إلى الأمام، ودعوا إلى الحوار».

وكان الرئيس باراك أوباما قال أول من أمس إن «المناقشات بدأت»، لكنه لم يتحدث عن قادة المعارضة الذين اشتركوا في المناقشات. ولم يشر إلى جماعات مثل الإخوان المسلمين أو قادة المظاهرات الشباب في ميدان التحرير. كما لم يطلب من الرئيس المصري حسني مبارك أن يستقيل. وقال أوباما، وكان يجيب عن أسئلة صحافيين عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر في البيت الأبيض، إن هدف الولايات المتحدة هو «التشاور على نطاق واسع داخل مصر ومع المجتمع الدولي». وكرر إصراره على أن مبارك يجب أن يبدأ في اتخاذ خطوات انتقالية «الآن». في الوقت نفسه، أشاد بـ «ضبط النفس» الذي أبدته القوات المسلحة المصرية أمام المظاهرات المستمرة. ورغم أن قادة المعارضة في مصر قالوا إنه لا بد من استقالة مبارك قبل الاشتراك في حوار مع الحكومة، قال مسؤول أميركي أن اتصالات نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، ووزير الدفاع روبرت غيتس والأدميرال مايك مولين رئيس القيادة المشتركة مع نظرائهم المصريين «لم تتطرق إلى استقالة مبارك. لكنها ركزت على مرحلة انتقالية سلسلة وسريعة، وتركت التفاصيل للشعب المصري بكل طوائفه».

وأضاف المسؤول، كما نقلت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، إنه يأمل أن «يتزايد وعي (عمر) سليمان بأن مصداقيته هو نفسه ستقل إذا استمر ملتصقا مع مبارك. وأن ذلك سيعني أنه ربما لن يكون البديل». وأضاف المسؤول أن الرئيس أوباما يأمل في أن قادة القوات المصرية المسلحة و«الحكماء» سيقدرون على الوصول إلى حل سياسي عاجل، بدون أن يحدد من هم «الحكماء»، وسط أخبار من مصر بأن هناك أكثر من «لجنة حكماء» واحدة.

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن الرئيس أوباما، بعد أن تحدث أكثر من مرة عن وقف العنف، ثم عن إعادة اتصالات الإنترنت، ثم عن حماية الصحافيين الذين يغطون المظاهرات، ركز مؤخرا على الحوار بين الحكومة والمعارضة.

غير أن ما يقلق إدارة أوباما، بالإضافة إلى عدم توحيد صفوف المعارضة، هو عدم وجود قادة محددين للشباب الذين بدأوا المظاهرات في ميدان التحرير. وعدم وضوح رؤيتهم إذا كانوا يريدون التفاوض مع سليمان بدون استقالة مبارك، أو إذا كانوا يصرون على أنه لا بد من استقالة مبارك مسبقا.

في الوقت نفسه، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» اختلافا في وجهات النظر داخل إدارة أوباما حول مصر. منها أن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، «التي لها سجل طويل في الضغط على الأنظمة الاستبدادية»، دعت أوباما إلى اتخاذ موقف «أكثر تشددا مع مبارك». لكن، في الجانب الآخر، قاومت هذا الرأي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وقرر أوباما أن يدلي بتصريحات توازن بين الجانيين، وهي أنه لن يدعو إلى استقالة مبارك.

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن الخط الذي يسير عليه أوباما أكسبه تأييد قادة في الحزب الجمهوري، خاصة في الجناح المعتدل في الحزب. مثل السيناتور جون ماكين، الذي كان ترشح ضد أوباما في انتخابات سنة 2008. أول من أمس، بعد أن اجتمع ماكين مع أوباما، دعا إلى استقالة مبارك. ثم، في وقت لاحق، وبالاتفاق مع السيناتور جون كيري، من قادة الحزب الديمقراطي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أجاز مجلس الشيوخ قرارا غير ملزم دعا أوباما إلى أن يضغط على مبارك ليستقيل.

لكن، انتقد قادة في الجناح المحافظ للحزب الجمهوري هذا الموقف. ومن بين هؤلاء رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش الذي قال إنه شيء «مخيف» مشاهدة ضغوط أوباما على مبارك. وأشار آخرون في هذا الجناح إلى تأييد مبارك المستمر لإسرائيل، وإلى الخوف من أن النظام الجديد في مصر ربما سيلغي اتفاقية السلام مع إسرائيل.

وقال روبرت كاغان، خبير في معهد بروكنغز في واشنطن: «سوف يكتب المؤرخون أنه إذا نجحت المظاهرات المصرية من أجل الحرية، ستكون هي التي غيرت الخط الذي ظلت تسير عليه الإدارات الأميركية، وخاصة هذه الإدارة». وأضاف أنه إذا لم تستجب الإدارات الأميركية المتعاقبة لنداءات الحرية والديمقراطية من العرب، ربما تقدر مظاهرات مثل مظاهرات مصر على تغيير هذا الموقف الأميركي المتوارث. المعروف أن كاغان يشترك مع خبراء آخرين في تقديم نصائح إلى البيت الأبيض حول مصر.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن بعض القادة الأميركيين اليهود «أصابهم القلق» عندما دعا المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس لوضع اعتبار لآراء جماعات المعارضة المختلفة. وتساءل القادة اليهود إذا كان المتحدث يشير إلى جماعة الإخوان المسلمين. وقالت الصحيفة إن مسؤولين في البيت الأبيض اتصلوا مع القادة اليهود و«طمأنوهم».

وأشار هؤلاء القادة إلى ضغوط الرئيس السابق بوش الابن على الحكومة الإسرائيلية للسماح بإجراء انتخابات حرة في الأراضي الفلسطينية في سنة 2006، وأن تلك الانتخابات وضعت منظمة حماس على رأس الحكم في غزة، مما جعل إدارة بوش تقاطع حماس، وتدعو الدول الأخرى لمقاطعتها.

وقال مارك لينش، خبير في جامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة: «ليس المهم هو أن أوباما ومساعديه قالوا: نحن نريد الإخوان المسلمين ليحكموا مصر، أو لا يحكموها. المهم هو أننا، إذا نحترم الديمقراطية وننبذ العنف، ينبغي أن نسمح للإخوان المسلمين ولغيرهم بالمشاركة في الانتخابات».