تضارب توجهات ممثلي الشباب في ميدان التحرير بشأن حل الأزمة المصرية

فريق يصر على رحيل مبارك وآخر يقبل بفض الاعتصام وثالث يخشى الملاحقة الأمنية

محتج لف رأسه بعبارة «اعدام مبارك» ووضع لاصقا على فمه (إ.ب.أ)
TT

ظهرت انقسامات واضحة في مواقف الشباب المعتصمين لليوم الثاني عشر في ميدان التحرير بقلب القاهرة، ففي حين يتمسك قطاع من ممثلي الشباب بتنحي الرئيس المصري حسني مبارك قبل الجلوس على طاولة الحوار، ظهر جانب آخر من الشباب يدعو إلى التعقل والقبول بالحوار لإنقاذ البلاد من المأزق الذي تمر به، والقبول بوجود الرئيس مبارك إلى أن تنتهي فترة حكمه في خريف هذا العام، بعد أن يكون قد أحال التعديلات الدستورية والقانونية التي وعد بها إلى البرلمان.

وكان غالبية هؤلاء الشباب ينتمون لتيارات سياسية أو على علاقة بها، قبل أن ينخرط معظمهم في النشاط الأهلي الممول بعض منه من منظمات وهيئات وحكومات أجنبية، إضافة إلى تردد بعض منهم خلال السنوات العشر الأخيرة إلى عدة دول أجنبية لـ«تلقي دورات»، وأن صداقات عدد منهم لأجانب كان واضحا من خلال ما تردد في بعض وسائل الإعلام عن تخوف السلطات من وجود ما سمته «عناصر خارجية» في أوساط المتظاهرين في ميدان التحرير.

وواصل قسم من ممثلي الشباب رفضهم للحوار أو الوصول لحلول وسط، حيث شكل قطاع الشباب الذين قادوا حركة الاحتجاج التي انطلقت في البلاد منذ 25 يناير (كانون الثاني) الماضي ائتلاف شباب ثورة مصر، وأصدر الائتلاف بيانا أمس قال فيه إن الثورة الشعبية «قاب قوسين أو أدنى من الانتصار»، وإن «النصر بالنسبة لنا له معنى واحد هو إسقاط مبارك والنظام بأكمله».

وتابع البيان «لا بد من تكوين سلطة مؤقتة مكونة من قيادات حركة الشباب وممثلين عن كل قوى المعارضة الحقيقية، وكل القيادات النقابية العمالية، أما الجيش فهو خارج اللعبة السياسية، ووظيفية الجيش حماية الوطن من الاستعمار والصهيونية ولا علاقة للجيش بالسياسة، مهمة الحكومة الانتقالية التحضير لانتخاب جمعية تأسيسية تحت إشراف قضائي كامل لتقوم بوضع دستور جديد للبلاد».

وقال زياد العليمي عضو القيادة الموحدة لـ«ثورة شباب 25 يناير» إن الحركة متمسكة بمطالبها حتى هذه اللحظة، وإنها «ترفض مسارات الحوار الدائر حاليا طالما بقيت تحت السقف المعلن من قبل الشباب».

وتحدث العليمي عن وجود قناة اتصال بين الشباب في ميدان التحرير ولجنة الحكماء التي تقدمت بمبادرة لتجاوز المأزق الراهن، مشيرا إلى أن اجتماعا بين الطرفين (الشباب ولجنة الحكماء التي فوضت المفكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد النائب السابق لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان) من المقرر أن يجري اليوم (الأحد).

وقال أحمد ماهر منسق حركة «شباب 6 أبريل» لـ«الشرق الأوسط»: «لن نتفاوض مع النظام الحالي ولن نفك اعتصامنا بميدان التحرير حتى تنفذ مطالبنا، وهي تنحي مبارك الفوري عن السلطة، وحل البرلمان».

وعن التنسيق بين الحركة و«لجنة الحكماء»، التي اقترحت إنهاء الاعتصام وبدء التفاوض مع بقاء مبارك في السلطة نفى ماهر ذلك، واعتبر أن الخطاب الأخير للرئيس المصري كان «هدفه العبث بمشاعر المصريين، والتقليل من ذكائهم كما اعتاد في كل خطاباته، معتقدا أن شعب مصر ما زال يمكن خداعه»، على حد قوله.

ورفض ماهر الاتهامات التي توجه لبعض القوى (كالإخوان المسلمين) باعتلاء كتف الشباب الذين بدأوا المظاهرات، قائلا: «الشباب هم المسيطرون على ميدان التحرير وهم الذين حققوا كل الإنجازات التي تحققت منذ 25 يناير الماضي، ولا يوجد من يعتلي أكتافنا سواء (الإخوان) أو غيرهم». ونفت الحركة أن يكون أي من الذين تحدثوا باسمها إلى القنوات التليفزيونية المصرية هم من أعضائها، قائلة في بيان لها أمس «لوحظ في معظم البرامج الحوارية ظهور بعض الشباب يتحدثون على أنهم أعضاء بحركة شباب 6 أبريل ويتحدثون باسم الحركة، ونحن نحذر من تصديق ذلك».

وأضافت الحركة أن «من يظهرون في هذه البرامج ليس لهم أي صلة بـ«شباب 6 أبريل» نهائيا، وقالت إنهم عناصر مدفوعة من جانب النظام غير الشرعي، ومحاولة أمنية فاشلة، كعادة النظام ورجاله، لكي يظهر للعالم أن هذه الثورة ليست مصرية. وتشويه لأعضاء الحركة وتزييف الحقائق».

من جانب آخر حذرت 65 منظمة حقوقية مصرية أمس (السبت) مما وصفته بـ«المحاولات العقيمة» لإجهاض الانتفاضة الشعبية والالتفاف على مطالب المحتجين، واتهمت المنظمات السلطات المصرية في بيان لها حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه باستخدام أساليب كثيرة ومناورات سياسية للالتفاف على مطالب المحتجين.

وقال البيان: «في خضم المشهد المذهل الذي يقدمه المجتمع المصري لتحقيق مطالبه المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تقف المنظمات الحقوقية المصرية بقلق بالغ على محاولات الانقضاض على مطالب المجتمع المصري»، مضيفا أن «المؤسسات والجمعيات الموقعة على هذا البيان ترى أن كل المبادرات التي أقدم عليها النظام حتى الآن لم تقدم تغييرا ملموسا».

ويأتي هذا الاتجاه المتشدد في وقت بدأت فيه بعض العناصر الشبابية، من المشاركين في المظاهرات المنادية بسقوط النظام، نداءها بضرورة إعمال العقل والقبول بالحوار الذي دعت له الدولة مع كافة أطياف الشعب، مراعاة للصالح العام وفي محاولة للخروج من المأزق الذي يسيطر على المشهد المصري، داعين إلى ضرورة إعمال العقل مراعاة للصالح المصري العام، وانتشرت على المواقع الاجتماعية وثيقة أصدرتها مجموعة تطلق على نفسها اسم «شباب مصر» لدعم لجنة الحكماء، وقع عليها نحو 50 ألف شاب بقبول الحوار.

وأكدت الوثيقة الموجهة، بحسب ما جاء بها، إلى كل المصريين العقلاء الراغبين في إنقاذ هذا البلد من انفجار الفتنة بين أبنائه، أنها لـ«مجموعة من شباب مصر الذي كان رافضا لواقع البلاد المرير»، وأنهم «من بين من خرجوا وتظاهروا في أيام الشرف 25 و28 يناير و1 فبراير (شباط)، ونجمع على ما أجمع عليه الشعب وقتها من ضرورة التغيير والانتقال السلمي للسلطة».

ودعت الوثيقة إلى توحيد كلمة الشعب، وضرورة البناء على ما تحقق من مكاسب من خلال الحوار الوطني الجاد، وعدم الانخراط في سياسة العناد التي قد تؤدي إلى دمار شامل وتقويض لأركان الدولة، وذلك من خلال دعم لجنة الحكماء المنتخبة من قبل الشعب والمتحدثة بلسان مختلف أطيافه السياسية والاجتماعية.

يأتي ذلك في الوقت الذي أطلقت فيه السلطات سراح عدد من النشطاء الحقوقيين المنتمين إلى منظمات محلية ودولية صباح أمس كانت قد اعتقلتهم السلطات الخميس الماضي، وقال جمال عيد المدير التنفيذي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» إن من بين المفرج عنهم مدير مركز هشام مبارك للقانون أحمد سيف والمحامي بالمركز محسن بشير والباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية دانييل وليامز والباحث بمنظمة العفو الدولية سعيد حداد ونادين أبو شادي الناشطة بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ويقول هاني حسن وهو ناشط سياسي من الشباب اليساري في الميدان إنه توقف عن المشاركة في المظاهرات في ميدان التحرير بعد أن فشل في معرفة مصدر الإنفاق المالي الكبير على المتظاهرين في الميدان. وقال: «الغريب أنك تجد زجاجات مياه وأطعمة ونظاما للإعاشة وتشبث لا مبرر له بالتواجد في الميدان، رغم كل ما قدمته السلطات من تنازلات.. هذا أمر غير مفهوم.. لهذا تركت الميدان».

ويشعر بعض الشباب بالقلق من تصلب أقران لهم في مطالبهم بإسقاط الرئيس مبارك، قائلين إنه إجراء يمكن أن يدخل البلاد في فوضى دستورية. ويقول شاب يدعى محمد وهو يقف وسط آلاف من أقرانه وسط ميدان التحرير: «لم يعد هناك مبرر لمثل هذا الموقف المتصلب من بعض ممثلي الشباب.. هذا عبث، وقد يدمر البلد.. هناك من يدفع بالمصريين إلى المجهول، لكن غالبية الناس هنا بسطاء لا يعرفون ما تخبئه لهم الأيام القادمة، بينما يمكن أن يؤمنوا الانتقال السلمي للسلطة في الوقت الحالي، وبوجود مبارك». وأعرب سعيد محمد أحمد، الذي يمثل مجموعة من الشباب تطلق على نفسها اسم «مصر المستقبل» عن خشيته من أن يكون ممثلون للشباب قد وقعوا ضحية لتوجهات تحركها جهات أجنبية لا تريد الاستقرار لمصر، وتهدف إلى زعزعة الاستقرار وضرب دولة مستقرة تعد من أهم دول منطقة الشرق الأوسط.

ويقول المراقبون إن غالبية الشباب المحتشد في ميدان التحرير وممثليهم المنقسمين حول التفاوض مع مؤسسة الحكم، لا يملك خبرة عميقة بالسياسة أو بالدستور أو القوانين المنظمة لعملية انتقال السلطة وترتيباتها، وهو ما ظهر واضحا من حالة التخبط في المطالب التي يمكن أن يدفع بعضها بالبلاد في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار لسنوات قادمة.

وعبر عدد آخر من الشبان الذين ما زالوا يعتصمون في ميدان التحرير عن مخاوفهم من ترك الاعتصام في الميدان والعودة إلى بيوتهم، خشية ملاحقتهم من السلطات الأمنية واعتقالهم أو محاكمتهم بتهم تخريب منشآت عامة وتعطيل مؤسسات الدولة عن العمل. ويوضح إسماعيل محمد، الذي شكل في ميدان التحرير مجموعة شبابية مع أقرانه تصدر بيانات وتطلق على نفسها اسم «المصريون الجدد»، أن الكثير من الشبان يتخوفون من ملاحقتهم إذا تركوا ميدان التحرير.. «أعتقد أن ميدان التحرير يوجد فيه إلى جانب الشرفاء والمحترمين، يوجد فيه أيضا مساجين هاربون من السجون. أعتقد أن هؤلاء، من مظهرهم العام، ينتمون للتيار الإسلامي أو جماعة الإخوان.. مثل هؤلاء لا مصير لهم ولا أمان إلا في ميدان التحرير، إلى أن تتشكل سلطة حاكمة جديدة».