معارك طاحنة في الوسط الشمالي لليبيا يحقق فيها الثوار تقدما على قوات القذافي

طائرات السوخوي تشارك في القتال وفرار كتيبة الساعدي والمواجهات تقترب من طرابلس

TT

قالت مصادر وشهود عيان إن عشرات القتلى ومئات الجرحى سقطوا في مواجهات أمس في عدة مدن في المناطق الجغرافية بالوسط الشمالي من ليبيا، بعد أن شنت الكتائب الأمنية الموالية للعقيد الليبي معمر القذافي عمليات عسكرية ضد الثوار المناوئين لحكمه، استخدم فيها القوات الجوية والبرية، والأسلحة الثقيلة، وذلك في عدة خطوط للمعارك التي دارت رحاها أمس حول العاصمة طرابلس من ناحية الشرق والغرب، كان أشدها في مدينة الزاوية الأقرب إلى العاصمة من جهة الغرب. وبدا من نوع الضربات والتحركات العسكرية للكتائب الأمنية التي يقودها مقربون وموالون للقذافي، والتي بدأت منذ فجر أمس، أن القادة الذين ما زالوا يدينون بالولاء للعقيد الليبي، يعملون على الأرض بطريقة غير منظمة، ولم تعد تتوافر لديهم معلومات كافية عن طبيعة ما يجري من الضفة الشرقية ومن المدن الثائرة من ناحية الغرب، مع وجود حالة من الترقب لإمكانية وصول شرارة الاحتجاجات إلى منطقة جنوب طرابلس، والطرق المؤدية إلى سبها معقل الموالين للقذافي وآخر المناطق التي تمثل الرئة الوحيدة لإطالة أمد نظام العقيد الليبي.

وفيما كانت المعارك الطاحنة تجري على قدم وساق ويسقط فيها القتلى والجرحى، في إجدابيا والبريقة، تمكن أكثر من عشرة آلاف من الثوار المسلحين بأسلحة خفيفة، من الزحف إلى الأمام في اتجاه الغرب، لتعضيد ثوار المدن القريبة من سرت وطرابلس التي كانت تتعرض لقصف بالطائرات والمدفعية وهجمات الكتائب الأمنية. وسيطر الثوار على منطقة أم الغرانيق وهي منطقة متقدمة وذات أهمية لوجود مفارق طرق فيها تسهل التنقل بين المناطق الفاصلة بين الشرق والغرب الليبي. وقال مقاتلون في الجبهة الأمامية «إن قوات القذافي أصيبت بالجنون لأنها تضرب بكل أنواع الأسلحة. نحن نزحف إليه (إلى القذافي)، وكلما أسقطنا كتيبة فر منها المرتزقة وانضم إلينا رجال من الجيش بأسلحتهم». ويسعى آلاف الثوار الذين يستقلون سيارات خاصة عادية وسيارات الدفع الرباعي للوصول إلى راس لانوف الاستراتيجية التي يوجد على مشارفها مطار ومعسكر وقوات تأتمر بأوامر الساعدي أحد أنجال القذافي. وردت قوات القذافي بالطائرات الحربية المقاتلة من نوع «سوخوي 32» روسية الصنع.. وتصاعدت الأدخنة من خلف الأسوار. وبعد ذلك بنحو ساعتين جاءت من هناك أنباء أعطت المزيد من الأمل للثوار عندما جاءت الأنباء عن وقوع اشتباك بين الموالين للقذافي داخل المعسكر الرئيسي الذي يتحصن فيه أنصار العقيد الليبي. وكانت ترافق الثوار وهم ينطلقون في اتجاه راس لانوف سيارات تحمل مؤنا من الذخيرة الخاصة بالمدافع الرشاشة والقذائف وبعض المضادات الأرضية الخاصة بالطيران المنخفض، فيما تحمل سيارات أخرى الطعام الذي يتكون من أكياس من التمر وزجاجات المياه. واخترقت صفوف السيارات والثوار وغالبيتهم غير مدربين بشكل كاف على استخدام السلاح، العواصف الترابية التي هبت على الطريق الدولي الجنوبي المتجه من مدينة إجدابيا إلى الساحل في الطريق إلى مدينة البريقة والعقيلة، التي دخلها الثوار بالفعل مساء أمس والثوار والتي تبعد عن البريقة بنحو 40 كلم بعد أن كانوا قد دخلوا راس لانوف بالفعل، وهذه الأخيرة على بعد نحو 200 كلم غربا من إجدابيا. وكانت تأتي من راس لانوف الاتصالات عن وقوع ضربات جوية وعن محاولات لاقتحام المدينة من قوات القذافي. ومن خلف ركب الثوار كانت الأنباء تصل عن استمرار طائرات القذافي في ضرب مخازن الذخيرة والسلاح الواقعة في عدة مناطق في نطاق إجدابيا والبريقة ومنطقة الحنيو لمنع الثوار من التزود بالسلاح من هذه المراكز العسكرية التي فر منها أنصار القذافي في الأيام الماضية.

بدأت معارك أمس منذ الساعات الأولى للفجر المحمل بالرياح الباردة على المدن الساحلية والغبار على المدن الجنوبية. ومع تباشير فجر أمس الجمعة فاجأت قوات من الكتائب الأمنية التابعة للقذافي المناطق الجنوبية لمدينة مصراتة.

وتمكن كمين يضم خمسة وأربعين من شباب المدينة من صد الهجوم، بعد أن استدرج القوات المهاجمة القادمة من اتجاه الكلية الجوية الواقعة في نطاق المدينة، إلى شوارع ضيقة تقع في الضاحية الجنوبية من مصراتة.

وقالت مصادر الثوار الذين يسيطرون على المدينة إن كتيبة العقيد موسى من أنصار القذافي أطلقت وابلا من النيران. وشوهد ضمن الكتيبة عناصر يعتقد أنها ممن يسميهم الثوار مرتزقة أفارقة. وترك الثوار المهاجمين يطلقون النار وهم يتقدمون باتجاه شارع ترابي لا يزيد عرضه على خمسة أمتار. وتحصن عدد من الثوار خلف أبواب محال مغلقة في الشارع نفسه. وكمن عدد آخر فوق أسطح المباني، فيما كان عدد آخر منهم يقوم بحركة التفافية في محاولة لمحاصرة عناصر الكتيبة.

وبعد نحو نصف ساعة من الترقب والانتظار تحت الأضواء الخافتة للشارع، تقدمت ثلاث آليات من آليات العقيد موسى فوقها مدافع رشاشة متحركة، وشوهد خلف هذه السيارات مجموعة من العناصر المسلحة التابعة للكتيبة الموالية للقذافي، وفي طريق مواز كانت الأنباء من شباب الثورة هناك ترد غير مطمئنة بتقدم عناصر أخرى من كتيبة موالية لنظام القذافي. وبعد دقائق انطلقت تكتكة الرصاص بين الجانبين، وتعالت صيحات «الله أكبر». وبدأت عملية كر وفر استمرت نحو أربعين دقيقة انسحبت على أثرها قوات العقيد موسى، بينما كان شباب الثورة قد تمكنوا من طرد القوات الأخرى التي كانت تهاجم من الشارع الموازي.

كما وقعت مواجهات أخرى في مدينة زليتن فرت على أثرها قوات تابعة للموالين للقذافي يقودها القائد بشير المعروف للثوار بشدة ولائه للقذافي. واعتبر الثوار نتيجة المعركة بمثابة ضربة جديدة لقوات القذافي، بعد أن سقطت في أيديهم بشكل كامل مدينة زليتن.

وقال قيادي من شباب الثورة: «سيطرنا على زليتن.. لم يعد لقوات القذافي وجود هنا». وأعلن أبناء المدينة انضمامهم لثورة 17 فبراير التي تدعو لإسقاط حكم العقيد الليبي. واقتحم أهالي المدينة الغاضبين عدة مبان تمثل رموزا لحكم القذافي، من بينها مبنى الأمن الداخلي والأمن الخارجي والمثابة الثورية. وأخرج الشباب ملفات من الأوراق وصور للقذافي ونسخ من الكتاب الأخضر في ميدان المدينة، وأشعلوا فيها النار، بينما كانت الهتافات ترتفع منددة بالقوة المفرطة التي تستخدمها كتائب القذافي الأمنية ضد المواطنين العزل في مختلف أرجاء ليبيا. وسقط في معارك أمس ما لا يقل عن خمسة قتلى من جانب الثوار، وإصابة العشرات، ولم تتوفر معلومات عن ضحايا قوات القذافي، لكن وقع بينهم قتلى وجرى أسر عدد آخر منهم في مناطق متفرقة من جبهات القتال أمس.

لكن أشد عمليات القتال ضراوة شهدتها مدينة الزاوية وحسب شهود العيان استخدمت قوات القذافي مدافع الـ41.5 ومنعت سيارات الإسعاف من الوصول للجرحى كما منعت الأهالي من استعادة جثث القتلى. وسقط نحو خمسة قتلى في المنطقة الغربية من مدينة الزاوية وحدها المعروفة باسم «منطقة الحرشة». كما تم منع المصلين في الأنحاء الغربية من المدينة من الوصول إلى الساحة لأداء صلاة الجمعة، وأطلق قناصة القذافي من فوق أسطح المباني المجاورة قذائف الآر بي جي، وسقط قرب مصرف الزاوية قتيلان، وسقط بجوار مقر شركة النفط ثلاثة قتلى، وكانت الضربات في الرأس والصدر. وقال مسؤول عن الثوار في المدينة إن عملية التفافية للثوار من الطرق المغطاة بأشجار المزارع أدت لأسر عدد من جنود القذافي الذين كانوا يأتون بالمدد لمقاتليهم المتقدمين في المدنية، وإن الثوار قتلوا منهم نحو أربعين، وأسروا آخرين.

وفي مدينة بنغازي صلى عشرات ألوف المحتجين صلاة ظهر الجمعة أمس في الساحة المطلة على كورنيش البحر أمام محكمة الجلاء، فيما كانت هناك حالة من التحفز في الطابق الثاني من مركز إدارة عمليات الثوار الموجود قرب الكورنيش، حيث توجد حالة تكتم عن المسؤولين عن إدارة العمليات العسكرية التي يقوم بها الثوار. وتم التنبيه من جانب قيادات غير معروفة للثوار على العقيد عبد الله المهدي بعدم التحدث باسم المجلس العسكري في بنغازي، بعد أن قدمت إفادات عن سير المعارك للصحافيين بهذه الصفة. كما لم تحقق الاتصالات التي يقوم بها معارضون بالخارج بالثوار في الداخل أي نوع يذكر من التنسيق حتى أمس. وبينما تستمر المواجهات بين الثوار الذين ينظمون صفوفهم على عجل بما تيسر لهم من أسلحة، وبين قوات القذافي، ما زال المشهد السياسي غامضا لعدم وجود قيادات واضحة للثوار في المدن التي تم تحريرها من قبضة النظام الليبي، رغم وجود لجان عسكرية وأمنية وشعبية تعمل على تأمين المدن والجبهات ونقل المجابهة مع القذافي إلى غرب ليبيا حيث مقر القذافي.