اليمن: «لجنة المرجعية» تواصل مساعيها وتدعو إلى «حلول سريعة»

مئات الآلاف يواصلون التظاهر في المدن اليمنية ومقتل 4 من أنصار نائب موال للحكومة

يمنية منتقبة ترفع لافتة مكتوبا عليها «ارحل» لدى مشاركتها في مظاهرة ضد نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في صنعاء أمس(إ.ب.أ)
TT

تتواصل في اليمن المظاهرات والاعتصامات بالمحافظات والمدن اليمنية للمطالبة بسقوط النظام ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح عن الرئاسة بعد 33 عاما في سدة الحكم، رغم التضييق الأمني وعمليات قمع المتظاهرين، التي كان آخرها مساء أول من أمس. هذا، في وقت أعلن فيه العلماء استمرارهم في مساعيهم للتوصل إلى حلول للأزمة السياسية في البلاد، إضافة إلى تنديد محلي ودولي واسع بقمع المتظاهرين في صنعاء وعدن وباقي المحافظات اليمنية.

ونددت الفعاليات السياسية اليمنية والمنظمات الحقوقية بالعنف الذي مارسته أجهزة الأمن اليمنية بحق المعتصمين في «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء، ليل أول أمس، والذي أسفر عن مقتل شخصين وجرح أكثر من 80 متظاهرا، وتشير المعلومات إلى أن المواجهات اندلعت بعد أن منعت قوات الأمن إدخال خيمة جديدة إلى ساحة الاعتصام، وذكرت مصادر محلية أن قوت الأمن استخدمت غازا ساما في تفريق المتظاهرين، وأشارت إلى أن الغاز المستخدم محرم دوليا، لكن السلطات اليمنية لم تعلق على هذه المعلومات، حتى اللحظة. ووصفت المعارضة ما تعرض له المعتصمون بأنه «مجزرة»، في حين وصفه الحوثيون بـ«العدوان الهمجي»، على حد تعبير الطرفين، وقال المكتب الإعلامي لعبد الملك الحوثي، إن النظام وبهذه التصرفات «يكشف عن وجهه القبيح شيئا فشيئا وهو يخلع الأقنعة التي ظل يتستر بها، فبرزت في دمويته ووحشيته، وأنه لا يحتكم لا للقانون ولا الدستور، وأنه يستخدم السلاح في كل أحواله ومع كل من يعارضه من فئات الشعب حتى لو كانوا لا يحملون سلاحا ولا خنجرا، وهذا هو واقعه الحقيقي، فهو يحكم الشعب بالحديد والنار والقتل وكل أنواع القمع والتسلط»، حسب البيان الصادر عن المكتب.

وقالت منظمة «هود» اليمنية لحقوق الإنسان إن العشرات ممن أصيبوا في قمع قوات الأمن للمعتصمين «ساءت حالتهم الصحية بعد ساعات من استنشاقهم الغاز المتسرب من القنابل التي ألقتها عليهم قوات من شرطة النجدة»، وإنهم «يتعرضون لنوبات تشنج غير طبيعية، مما يعني أن القنابل التي ضرب بها المعتصمون ليلة أمس لم تكن قنابل مسيلة للدموع كما كان يعتقد، حيث اختلفت أعراض الإصابة، كما أصيب أحدهم بنزف في الدماغ من دون وجود إصابة سطحية»، وأضافت المنظمة أنها «لا تجد مبررا معقولا لاستخدام غازات ضارة تؤثر على الأعصاب في حق متظاهرين سلميين من قبل حكومة بلدهم»، ووجهت نداءا «إنسانيا» إلى وزير الداخلية يحثه على «سرعة الكشف عن المواد المستخدمة في هذه القنابل الغازية ليتمكن الأطباء من معالجة المصابين بها».

من جانبها، دعت «لجنة العلماء المرجعية» الرئيس علي عبد الله صالح وجميع الأطراف والقوى إلى «سرعة التوافق على حلول للخروج بالبلاد من الظروف الصعبة والمأزق الخطير الذي تمر به»، ونبهت في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن «الحلول المتاحة والمتيسرة اليوم، قد لا تكون متاحة ولا متيسرة غدا عند تدهور الأوضاع، لا قدر الله»، وأكدت اللجنة أن علماء ومشايخ اليمن «يواصلون جهودهم ومساعيهم للوصول إلى ما فيه مصلحة البلاد والعباد وإخماد نار الفتنة»، وهي إشارة واضحة إلى استمرار الوساطة بين الرئيس وأحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك». وشرح البيان خطوات الوساطة التي قامت بها اللجنة وقالت إنها كانت قد توصلت مع الرئيس إلى اتفاق حول مبادرة من سبع نقاط، إلا أنه أضاف إليها النقطة الثامنة، والمتعلقة بإيقاف المظاهرات والاعتصامات، كما قال العلماء، الذين أكدوا أنهم لم يوافقوا عليها.

وقالت اللجنة إنها قامت بلقاءات ماراثونية لنقل وجهات النظر والمقترحات بين الرئيس والمعارضة، وإنها اتفقت مع المعارضة على النقاط الخمس المعروفة باسم «خارطة طريق»، وأكدت أن الرئيس صالح وافق عليها ثم عاد واعترض على النقطة الرابعة والمتعلقة بعملية الانتقال السلس للسلطة مع حلول نهاية العام الحالي 2011، وقال العلماء في بيانهم إن الرئيس «أبدى اعتراضه على الفترة الزمنية»، وتمسك بــ«فترته الدستورية إلى 2013». وكانت اللجنة فشلت في مساعيها وانقسمت بعد أن قامت مجموعة من العلماء بإعلان بيان يعتبر من يخرج على المبادرة المطروحة للنقاش، داعيا إلى الفتنة، قبل أن يعلن الزنداني وعدد آخر من العلماء أن لا صلة لهم بما أعلن.

وتجري هذه المساعي الجديدة بعد فشلها، الأسبوع الماضي، في ظل استمرار مئات الآلاف من المواطنين في التظاهر يوميا في جميع المحافظات اليمنية، تقريبا؛ في «ساحات التغيير» للمطالبة برحيل نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي من المتوقع أن يلقي، اليوم، خطابا في افتتاح المؤتمر الوطني العام الذي دعا إليه قبل يومين، الذي من المقرر أن ينعقد في استاد مدينة الثورة الرياضية في العاصمة صنعاء. وحسب مصادر رسمية، فإن أكثر من 40 ألف شخص سيشاركون فيه، من دون الإعلان عن آليات انعقاده، باستثناء الإشارة إلى أنه سيقف على التطورات الراهنة في الساحة اليمنية، وهو المؤتمر الذي ينعقد من دون مشاركة الأطراف السياسية في المعارضة، سواء في تكتل «اللقاء المشترك» أو لجنة الحوار الوطني التي يتزعمها حميد الأحمر.

وفي موضوع آخر، أقر مجلس النواب اليمني (البرلمان) تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن المواجهات التي دارت، وكذا بشأن أحداث العنف التي شهدها السجن المركزي في اليومين الماضيين، وانتقد برلمانيون، في جلسة أمس، الاعتصامات التي وصفها بعض النواب بأنها «تصرفات فوضوية تضر بمصالح الطلبة والطالبات وتلهيهم عن دراستهم وتحصيلهم العلمي.. وتؤثر على العملية التربوية والتعليمية والحياة الدراسية برمتها». ووجه البرلمان اليمني الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم بـ«اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنع تلك الأعمال»، وشملت التوجيهات وزارة الخدمة المدنية بالحرص على «انتظام الموظفين في أعمالهم». وفي الوقت الذي تقوم فيه لجنة برلمانية بتقصي الحقائق بشأن الأحداث التي شهدتها مدينة عدن، الشهر الماضي، والتي قتل فيها العشرات وجرح المئات جراء قيام قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين، أقر البرلمان استدعاء وزير الداخلية، اللواء مطهر رشاد المصري ليدلي بإفادته بشأن شكاوى أسر المعتقلين على ذمة تلك الأحداث.

وتزامنت قرارات مجلس النواب اليمني مع بيان إدانة شديد اللهجة، أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» بشأن أحداث عدن، وقال البيان إن قوات الأمن اليمنية «استخدمت القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين السلميين على الأغلب في مدينة عدن بجنوب اليمن في فبراير (شباط) 2011)، ومع تقرير لها بعنوان «أيام من إراقة الدماء في عدن»، والمكون من 20 صفحة، يوثق «هجمات على المتظاهرين في ميناء عدن الاستراتيجي من 16 إلى 25 فبراير». وخلصت المنظمة الحقوقية الدولية إلى أن «قوات الشرطة والجيش أيضا طاردت وأطلقت النار على المحتجين الذين كانوا يحاولون الفرار من الاعتداءات، كما أوقفت القوات الأطباء وسيارات الإسعاف التي كانت تحاول الوصول إلى مواقع الاحتجاج، وأطلقت النار على الأشخاص الذين حاولوا إنقاذ الضحايا وأخفت الأدلة، كأغلفة الرصاص مثلا، من مواقع إطلاق النار».

وقالت المنظمة الحقوقية البارزة إنه «يجب على السلطات اليمنية أن توقف هذه الهجمات غير المشروعة فورا، وأن تجري تحقيقا موضوعيا في الإصابات والوفيات في عدن»، وأشارت إلى أن تقريرها يستند إلى «أكثر من 50 مقابلة مع متظاهرين مصابين وشهود على عمليات القتل، وأقارب المتظاهرين الذين قتلوا، وأطباء ومساعدين طبيين، ونشطاء حقوق الإنسان»، كما قامت «هيومان رايتس ووتش» أيضا «بتحليل مواد الفيديو والصور الفوتوغرافية التي توفرت لنا عن طريق شهود الاحتجاجات، وكذلك سجلات المستشفى وأدلة القذائف التي جمعها المتظاهرون بعد إطلاق النار».

في موضوع آخر، ذكرت مصادر مطلعة أن ما لا يقل عن 4 أشخاص من أتباع الشيخ عثمان مجلي، عضو مجلس النواب (البرلمان) في محافظة صعدة الموالي للحكومة اليمنية، قتلوا، مساء أمس، في كمين مسلح على خط الجوف - صعدة، وتعتقد المصادر أن مسلحي الحوثي هم من نصبوا الكمين، غير أن ذلك لم يتم التأكد منه بشكل رسمي، وتشير مصادر محلية إلى أن المواجهات مستمرة بين قبائل مجلي والحوثيين منذ فترة وأنها أودت بحياة الكثير من مسلحي الطرفين، كما أنها أدت إلى تدمير العديد من المنازل في القرى التي تشهد تلك المواجهات، وخاض الحوثيون مواجهات عنيفة مع القبائل الموالية للحكومة اليمنية خلال الأشهر القليلة الماضية.