منشية ناصر.. الغضب والفقر في نفق الفتنة الطائفية

TT

تعد منشية ناصر أحد الأحياء الشعبية العشوائية التي تحيط بخاصرة القاهرة، لكنها الموقع الأقرب في حزام العشوائيات إلى قلب المدينة كما تقع غرب حي مدينة نصر الراقي وشرق القلعة وجنوب مقابر الغفير. يفصلها عن القلعة طريق صلاح سالم، يبلغ عدد سكانها نحو 55 ألف نسمة، تعود أصول أغلبهم إلى مدن القناة، حيث انتقلوا إليها أثناء تهجيرهم من محافظاتهم في أعقاب نكسة عام 1967، واستقروا على أرض المنشية بطريقة غير رسمية، بعد أن استولوا عليها بوضع اليد.

تتركز في منشية ناصر، التي تعد واحدة من أكثر المناطق فقرا في مصر، مهن جمع المخلفات والقمامة وإعادة تصنيفها وتصديرها أو تدويرها. وتضم تسع مناطق هي: عزبة بخيت، والإيواء، والغزان، والمحاجر، والرزاز، والزرايب، ومنطقة المعدسة، والجبل، والحرفيين.

ترتفع نسبة الأمية في منشية ناصر لتصل إلى 52.9 في المائة؛ 61.1 في المائة في عزبة بخيت، و62.6 في المائة في منطقة الإيواء، وتصل نسبة الحاصلين على مؤهل جامعي إلى 3.2 في المائة بمنطقتي الحرفيين والمعدسة، أما عزبة بخيت فلم يحصل أي من سكانها على مؤهل جامعي، ولا توجد أي مدرسة للثانوي العام أو الصناعي، تصل فيها نسبة التعليم فوق المتوسط إلى 1.6 في المائة، وذلك حسب آخر الإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وتحتل الأعمال الحرفية المرتبة الأولى في سلم المهن بمنشية ناصر فتصل إلى 33.6 في المائة، أما الأعمال الحرة فتصل إلى 20.5 في المائة، وبلغت نسبة من يعملون لحسابهم الخاص 39.4 في المائة، أما من يعملون لدى الغير فبلغت نسبتهم 47.8 في المائة، وتصل نسبة ارتفاع المواليد إلى 9.1 في المائة. يشكل الحصول على مياه الشرب مشكلة لأهالي المنشية، فهي تصل إلى 10 في المائة من المباني فقط، بينما يعتمد باقي السكان على بائعي المياه للحصول على مياه الشرب النقية أو من الحنفيات العامة التي يبلغ عددها 8 حنفيات لا يعمل أغلبها في معظم الأحيان، ونظرا لعدم وجود نظام الصرف الصحي للمنطقة، فإن نحو 80 في المائة من المباني السكنية تستخدم مصارف بدائية للصرف الصحي يتم تفريغها بصورة غير دورية بواسطة العربات المخصصة لذلك. كما تعتمد المنطقة على كابل أرضي وتعاني من انقطاع الكهرباء باستمرار بالإضافة إلى عدم وجود إنارة للطرق ليلا. في منشية ناصر حي يسمى «حي الزبالين»، يعيش فيه نحو 35 ألف نسمة، يعمل أغلبهم في جمع القمامة. الجدير بالذكر أن في هذا الحي عاشت الراهبة الكاثوليكية إيمانويل، وهي بلجيكية المولد فرنسية الجنسية، التي تم منحها الجنسية المصرية عام 1991 تكريما لها، فقد وهبت حياتها لمحاربة الفقر في البلدان الفقيرة، وكانت تسمى الأم تريزا الثانية، توفيت في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2008 عن عمر يناهز الـ99 عاما، قبل 4 أسابيع من احتفالها ببلوغها المائة عام، التي حاولت جاهدة تحسين مستوى المعيشة في هذا الحي.

من الحوادث الشهيرة التي وقعت بمنشية ناصر الانهيار الصخري الذي حدث في 6 سبتمبر (أيلول) 2008، والذي شهدته منطقة الدويقة تحديدا في منشية ناصر، والتي أدت إلى مقتل ما يزيد على 100 شخص وجرح عشرات آخرين في انهيار كتل صخرية ضخمة على مجموعة من بيوت المنطقة العشوائية. كما انتقدت منظمة العفو الدولية ذلك في تقرير بعنوان «دفنوا أحياء: سكان المناطق العشوائية في القاهرة بين فكي الفقر والإهمال»، موضحة في تقريرها المنشور بعد عام من الحادثة في 6 سبتمبر 2009، أن ما يزيد على 100 من أهالي عشوائية عزبة بخيت لقوا مصرعهم في انهيار صخري، وبعد مرور عام على الكارثة، ما انفكت صعوبات العثور على سكن يمكن تحمل تكاليفه ويضطر أشد الناس فقرا في مصر على العيش في مناطق غير آمنة تهدد حقوقهم في الصحة وفي الحياة.

يوجد أيضا بالمنطقة أعمال حرفية وورش صناعية بأعداد كبيرة جدا، فتكاد تكون منطقة صناعية بها نسب كبيرة جدا من المتعلمين من أطباء ومهندسين ومحامين أيضا، كما يقطن بمنشية ناصر أعداد كبيرة من التجار، وبها أيضا البعض من تجار المخدرات، حيث تجمع المنطقة النقيضين، أكثرية تحت خط الفقر، مع جزر صغيرة للأثرياء.

وفي أحداث الفتنة الطائفية التي تفجرت على خلفية هدم وإحراق كنيسة الشهيدين (مار جرجس ومار مينا) بـ«أطفيح»، اشتعلت الاشتباكات الطائفية في منطقة الزرايب التابعة لمنشية ناصر، سقط خلالها عشرات من القتلى والجرحى خلال معركة عنيفة استمرت لأكثر من 3 ساعات سمع خلالها أصوات إطلاق النار، ما دفع القوات المسلحة التي تتولى إدارة البلاد منذ تخلي الرئيس المصري السابق عن السلطة في 11 فبراير (شباط) الماضي، للتدخل.