عذاب الضمير يقود جنديا ليبيا للانضمام إلى الثورة متأخرا

لم ينشق فورا عن الجيش لتأييد مطالب الثوار.. لكنه استسلم لها

TT

يعرف عبد الله، الشاب الليبي النحيل، الذي يرتدي قبعة عسكرية زرقاء أنه شارك في الثورة ضد معمر القذافي متأخرا بيوم واحد. وبخلاف عدد كبير من أعضاء الجيش الليبي، لم ينشق عبد الله فورا عن الجيش الليبي لتأييد مطالب الثوار، ولكنه استسلم لها، وهو يشعر بعذاب الضمير والند.

في الصباح بعدما أطاع الأوامر التي صدرت له بإطلاق النار على متظاهرين مع اقتحامهم لبوابات قاعدته العسكرية. أصاب عبد الله واحدا من المتظاهرين على الأقل. وقال عبد الله، الذي وافق على الحديث عن تجربته بشرط ذكر اسمه الأول فقط: «ما زال بإمكاني تذكر وجهه. لقد كان صغيرا جدا». وكان عبد الله يجلس في غرفة احتياطية بمحكمة بنغازي القديمة، التي تضم الآن الحكومة المؤقتة للثوار. ووافق مسؤولون على السماح له بالحديث، ولكنه لم يسمح بأن يتم تصويره.

وجاء عبد الله إلى قاعة المحكمة في الصباح بعد إطلاقه للنار على الثوار، وسلم نفسه لهم. وقال: «كانت حياتي بائسة. ولم أتمكن من الأكل أو النوم».

وتجدر الإشارة إلى أن عبد الله هو واحد من بين أربعين معتقلا تقريبا يحتجزهم الثوار في ثلاث زنازين مكتظة بالنزلاء، من بينهم ثلاثون جنديا ليبيا لم ينضموا إلى الثوار بسرعة كافية، والبقية مهاجرون من دول أفريقية مختلفة تم اعتقالهم، خوفا من أن يكونوا مرتزقة.

وبالنظر إلى وضعية نظام العدالة الوليد للثوار، من المستبعد أن يعرف هؤلاء المعتقلون مصيرهم قريبا. وقال مسؤول في مكتب النائب العام المؤقت إن المقاتلين الليبيين سوف يواجهون محاكمات عسكرية، ولكن ليس قبل أن ينتهي صراع السيطرة على الثورة.

ويبدو المستقبل أقل وضوحا بالنسبة للأفارقة، الذين يستبعد أن يكونوا جزءا من جيش المرتزقة التابع للقذافي. وقد هرب معظم هؤلاء الأفراد وتركوا جوازات سفرهم، ولا يمتلك مجلس الثوار أي طريقة لإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. ولكن قد يؤدي الإفراج عنهم إلى حدوث نتائج مدمرة، حيث أججت الحكايات المتواترة عن الفظائع التي ارتكبها الجنود المرتزقة، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، غضب عامة الشعب الليبي. وقالت صباح الطويل، وهي محامية تحقق في قضايا المعتقلين لمكتب النائب العام: «على الأقل هم آمنون هنا». وتضع صباح غطاء رأس زهريا على شعرها، وترتدي معطفا لونه أسود داكن من الصوف لكي يقيها من الرياح البحرية التي تهز النوافذ القديمة.

وأضافت صباح: «إذا ذهبوا إلى الخارج، فسوف يصيبهم الشعب الليبي. وليس من الأمن ظهور أشخاص ذوي بشرة داكنة في ليبيا الآن». ووافق أحد المعتقلين الأجانب، وهو عبد الله موسى، على إجراء مقابلة معه. ودخل موسى، وهو عامل بناء من الكونغو عمره 23 عاما، إلى ليبيا بطريقة غير شرعية منذ ثمانية أشهر بعد رحلة استمرت 20 يوما قطع خلالها الصحراء داخل شاحنة نقل صغيرة. وعندما اندلع القتال في ليبيا، انضم موسى إلى الآلاف من العمال الأجانب الذين فروا إلى الحدود، ولكنه اعتقل برفقة اثنين من زملائه في مدينة بنغازي. وقال موسى، الذي كان بمقدوره أن يسمع صياح وزئير حشود الثوار كل ليلة في الساحة القريبة: «لقد سألوني عما إذا كنت جنديا. انظر، أنا مجرد عامل. وأنا لا أحمل بندقية. وهم يأخذون أي أفريقي بشرته داكنة». ويوجد موسى في الزنزانة بالقرب من عبد الله، الجندي الذي اعترف من تلقاء نفسه بدوره في القتال. ولكن عبد الله قال إنه ظل مع الجيش فقط لأنه كان خائفا على حياته. وأفاد عبد الله بأن قائده أخبر الجنود بأنه سوف يقوم بقتل وحرق كل رجل يرفض قتال المتظاهرين. ولكن عندما بدأ إطلاق النار، بذل عبد الله قصارى جهده من أجل تجنب إصابة أي فرد. وقال: «أطلقت النار في الهواء وعلى الأرض، وكنت خائفا».

وبعد ذلك رأى عبد الله متظاهرا يسقط على الأرض بعدما تعرض لإصابة في الرجل، عندها عرف أن الرصاصة خرجت من بندقيته الآلية.

وقال عبد الله، وهو يضع يديه على خديه الضامرين: «حدث هذا الأمر بشكل غير مقصود، ولم أكن أرغب في إطلاق النار على مواطن ليبي». وأفاد عبد الله بأنه علم أن هذا المتظاهر لا يزال على قيد الحياة، وأشار إلى أنه يأمل في أن تكون هذه المعلومة صحيحة. كما عبر عن أمله في أن يكون قيامه بتسليم نفسه لمجلس الثوار خطوة في صالحه عندما يخضع للمحاكمة. وفي نفس الوقت، يرتدي عبد الله قميصا، لونه أبيض، متسخا مكتوبا عليه باللغة العربية عبارة «ليبيا حرة» ومزركشا في منطقة الصدر. ويلف عبد الله حول ظهره علما بلاستيكيا يستخدمه الثوار يحتوي على ثلاثة ألوان هي: الأحمر والأخضر والأسود.

وقال عبد الله بينما كان الحراس يأخذونه بعيدا: «أنا جزء من الثورة الآن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»