الرياض: حصيلة «يوم الغضب» في مدينة الـ5 ملايين نسمة.. متظاهر واحد

السلطات سمحت للصحافيين الأجانب برصد الشارع.. ومفتي السعودية يحذر من الدعوات المزعومة لـ«الإصلاح» * خطباء الجمعة يرفضون «الوصاية الغربية»

صحافيون أجانب عملوا على تغطية الإجراءات الأمنية في العاصمة السعودية أمس (تصوير: خالد الخميس)
TT

لم يختلف يوم أمس الجمعة في العاصمة السعودية الرياض، عن غيره من أيام الجمع الماضية، عدا عن وجود مظاهر أمنية مشددة بعض الشيء، رأت السلطات ضرورة اتخاذها، لمواجهة أي محاولة لتعكير صفو أمن واستقرار العاصمة التي يقطنها 5 ملايين نسمة، جراء الدعوات التي أطلقتها حملة إلكترونية على الـ«فيس بوك»، نادت بـ«يوم غضب» شعبي في 17 مدينة سعودية.

وفي الرياض تحديدا، لم يستجب لدعوات التظاهر سوى متظاهر واحد فقط، في العقد الرابع من العمر، معلم لغة عربية، وكان يرتدي قميصا وبنطالا، ويستقل سيارة رياضية فارهة، وقدم نفسه على أساس أنه معارض لنظام الحكم. وسائل الإعلام الغربية، التي أوفدت مراسليها للرياض، لتغطية أي مظاهرات أو احتجاجات، لم تجد يوم أمس في الرياض سوى المتظاهر الوحيد الجهني، لتسأله عن الأسباب التي دفعته للخروج إلى الشارع، في وقت غاب فيه ملايين السعوديين عن المشهد الذي كان الإعلام الغربي يتوقع أن يشاهده.

كان الإعلام الغربي فطنا تجاه هذا الرجل، وأخذ في استجوابه بشكل مثير، حتى بدت حالة من عدم الاقتناع بما قاله المتظاهر اليتيم وما طرحه من أفكار، حيث كان يردد على الدوام أنه يعرف أنه سيخرج من هذا المكان إلى السجن مباشرة، وهذا ما لم يحدث، حيث غادر المكان ولم يعترضه أي رجل أمن، وركب سيارته الرياضية الفارهة، وأدار محركها، وغادر المكان من دون أي ملاحقة أمنية.

خطباء الجمعة في مختلف المدن السعودية انبروا بدورهم لإيضاح خطورة المظاهرات والخروج عن طاعة ولاة الأمر، وحذروا بشكل لافت من مغبة التدخل الأجنبي في شؤون السعودية، مبدين رفضهم للوصاية الغربية على بلدهم أيا كان شكل هذه الوصاية.

بدوره، حذر الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مفتي عام السعودية، من دعوات الإصلاح المزعومة، مؤكدا أن هدفها إيجاد دولة «غير دستورية» على حد تعبيره. ولم تمنع السلطات السعودية، يوم أمس، وسائل الإعلام الغربية أو المحلية من الوجود في محيط المواقع التي كان مقررا أن تشهد مسيرات احتجاجية تمت الدعوة إليها عن طريق موقع الـ«فيس بوك». وقالت وكالة الأنباء الألمانية إن تقارير غربية أشارت بعد البحث عن مصدر الدعوات في «فيس بوك» إلى أن أصحابها شخصيات خارج السعودية في العراق وإيران، وكذلك شخص مصري. ولم يتسن التأكد من هذه المعلومات من مصادر سعودية.

«الشرق الأوسط» رافقت أمس مجموعة من وسائل الإعلام الغربية والمحلية، في جولة على عدد من المواقع في العاصمة التي دعي لتنظيم وقفات احتجاجية بها، حيث مكنت وزارتا الداخلية والثقافة والإعلام القنوات والمحطات الفضائية والصحف، من رصد كل أجواء التهيؤ الأمني في محيط المواقع التي كان يتوقع أن تشهد مسيرات احتجاجية.

مفتي عام السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ قال في خطبة الجمعة أمس إن ما يشاهد هذه الأيام من إحداث للمظاهرات «أمر مهول»، واصفا إياها بـ«الحملات المسعورة»، لجعل الأمة «متخلفة، فوضوية، خالية دستوريا». ووصف الشيخ آل الشيخ من يتحدثون عما يسمى بـ«الإصلاح» بأنهم يقاتلون في سبيل الطاغوت.

ونبه مفتي عام السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء فيها، من المخططات التي تهدف لتفكيك شمل البلاد، وقال إن «المواطنين والمقيمين مسؤولون عن أمن هذه البلاد لأن الأعداء يريدون إلحاق هذه البلاد بركب الآخرين»، مناديا بعدم الاشتراك في الشعارات الزائفة وعدم التغاضي عنها.

وأبدى مفتي عام السعودية أسفه من «كون بعض تلك الأفكار تم تبنيها من قبل بعض أبناء المسلمين ومن يحسبون على الإسلام وظنوها خيرا وصلاحا، وهم لا يعلمون أن الغاية منها الفساد والدمار لكي تدمر الأمة بلادها بأيديها وأيدي أعدائها لتقضي على كيانها واجتماعها واقتصادها وأمنها وتتركها أمة فوضوية خالية دستوريا لا قائد ولا ناهي لها، لتعيش الفوضى بها دائما، وهو ما يريده ويبتغيه الأعداء لكونهم يعلمون أنه متى ما كانت الأمة يدا واحدة مجتمعة الكلمة فلن تستطيع أي قوة أن تفصم عراها وتشتت شملها».

وأكد آل الشيخ حرمة إحداث المظاهرات في الشريعة تحت غطاء الإصلاح، واصفا المشاركين والمنظمين لتلك المظاهرات بأنهم يقاتلون في سبيل الطاغوت والشيطان. ونوه آل الشيخ بأن تلك شعارات زائفة جاءت لسفك دماء الأبرياء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال والإخلال بالأمن وإعدام الأمة وتدمير كيانها وإفساد أخلاقها والقضاء على اقتصادها وجعل أموالها محل نهب للأعداء بكل الوسائل.

وأكد المفتي أن من أصيبوا بتلك المصائب في أرض الكنانة، والصومال، وأفغانستان، والذين أرادوا التخلص من الظلم، كانت المصيبة لهم أن هذا التخلص جر عليهم ظلما أعظم من سابقه، بسبب أن الأعداء خططوا لذلك وضربوا الأمة بعضها ببعض من خلال تخلل الأعداء في صفوف الأمة والاندساس بينهم للسعي في الإفساد والإضرار، مما جعل الإعلام الجائر ينقل ذلك للعالم العربي بأنه نهضة إصلاحية.

وقال آل الشيخ إن تلك الأحداث بلاء عظيم، ولا شك في إمكانية وجود ظلم في بعض البلدان، لكن يجب ألا يزال الظلم بأعظم منه كما خطط له الأعداء، وفساد ودمار وقتل للأبرياء كما حدث في البلدان الأخرى. وقال بأسف «إنها مصيبة عظيمة وبلية كبيرة، لو تدبر المسلمون واقعهم لعرفوا مآل أمرهم. نحن في بلد مبارك، بلد الإسلام والتوحيد، الذي أنعم الله عليه، مما جعل دول العالم تعتمد عليه في معظم حياتها.. إن الأعداء لا يرضون أن يعيش بلدنا في أمن واستقرار وطمأنينة، فالأعداء يريدون إلحاق هذه البلاد بركب الآخرين وإيصال المبادئ الهدامة والآراء الضالة والأفكار المنحرفة إليها، فنحن ضد ذلك في كل وقت، وننادي أبناءنا وإخواننا بأن من اشترك في هذه الأمور أو أيد أهلها وتغاضى عنها أو رأى أنهم محسنون فإنه ظالم لنفسه، وما يصيبه من مصيبة يتحملها بنفسه».