عبد الفتاح مورو لـ «الشرق الأوسط»: مستاء من حركة النهضة.. ولكن لا أستطيع الابتعاد عنها

أحد أهم مؤسسي حركة النهضة التونسية يقول إنه تراجع عن مشروعه للانضمام لحزب سياسي آخر

TT

أثارت نية الشيخ عبد الفتاح مورو، أحد مؤسسي الحركة الإسلامية التونسية، الانضمام إلى أحد الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي، بعيدا عن حركة النهضة التي يعتبر أحد أهم القياديين فيها، الكثير من التساؤلات. وتحدث البعض عن انشقاق داخل الحركة وعن تأثيرات محتملة على حركة النهضة بعد حصولها لأول مرة في تاريخها السياسي على الترخيص القانوني لتكوين حزب سياسي. عناصر قيادية من حركة النهضة حاولت تطويق لهيب المشكلة، وسارعت إلى الشيخ عبد الفتاح مورو، في محاولة لإخماد المسألة في مهدها. «الشرق الأوسط» أجرت حوارا خاطفا وخاصا مع الشيخ عبد الفتاح مورو، أماط فيه اللثام عن الكثير من الحقائق. وهنا نص الحوار:

* في البداية ما مدى صحة الأخبار التي تحدثت عن مشروع انضمامك إلى الحزب الوطني للسلام والنماء؟

- هذا الخبر صحيح وكان مشروعا شرعت بالفعل في النظر في مدى تطبيقه، ولكني تراجعت بعد ذلك لأسباب تقييمية بحتة. نظرت إلى ما هو ممكن وإلى الإمكانيات غير المتاحة في منابر سياسية أخرى، وأنا بحاجة ماسة إلى فترة للتفكير العميق في المسألة. كما طلبت مني أطراف سياسية أخرى الخروج عن كافة الأحزاب الموجودة حاليا وإنشاء حزب سياسي جديد. كلها تبقى في باب الاحتمال لا غير.

* وما السبب وراء عدم دعوتك من قبل قيادات حركة النهضة بعد 14 يناير (كانون الثاني)، إلى الالتحاق بها ومواصلة نفس النضال الذي بدأتموه معا منذ عشرات السنين؟

- أنا لا أخفي أنني مستاء من الحركة، فقد نددت منذ سنة 1991 بالعنف وهو حدث سياسي بالفعل، وطلبت من حركة النهضة وقتها أن تحسم أمورها وتتخذ موقفا حازما ضد العنف. إلا أنها عوض الإجابة عن الموضوع، وبيان أسباب ذاك العنف للرأي العام التونسي، سارعت إلى تجميد عضويتي. أنا ناديت مند 30 عاما، إلى تخليص حركة النهضة من صبغتها الدعوية والخروج بها إلى عالم السياسة كحركة سياسية تتعايش مع بقية مكونات المجتمع وتساهم في بناء المجتمع. وأنا اليوم في انتظار تفسير من حركة النهضة لما جرى خلال بداية التسعينات.

* بصراحة، هل أنت مستاء من قيادات حركة النهضة لأنها تجاهلتك ولم تدعك إلى هيئتها التأسيسية الجديدة؟

- لا بد أن أشير إلى أنني أول من بادر إلى تكوين حركة إسلامية في تونس، وانضم بعدها لي بقية الإخوة ومن بينهم الشيخ راشد الغنوشي، وليس بهذه الطريقة يتم التعامل معي. عندما لم تتصل بي قيادات الحركة بعد عودة الشيخ راشد، في قرار واضح باستبعادي، يتبادر إلى أذهان عموم الناس أن الخطأ موجه لشخصي لأنه إذا اختلف فرد مع الجماعة، ولم تبادر الجماعة إلى توضيح الأمور والرد على الأسئلة المعلقة، فإن الفهم العام للناس سيتجه بالضرورة نحو اتهام الفرد بالخطأ. ولكني لم أخطئ في حق الحركة وطلبت منهم فقط بعض التبريرات حول العنف الذي مارسته الحركة في بداية التسعينات. لا بد أن نعيد حساباتنا ولا بد أن أشير إلى أن حركة النهضة بعد 30 سنة التقت معي في نفس التفكير وهو ضرورة التعايش مع بقية الأطراف السياسية والابتعاد عن منطق العنف في السياسة. أنتظر من قيادات الحركة تبرير منطق إبعادي عن الصفوف الأولى لحركة بذلت من أجلها الكثير.

* وماذا تنتظر الآن من قيادات حركة النهضة؟

- أنتظر تبرير موقفها تجاهي لدى عموم التونسيين حتى لا يذهب إلى ظنهم أنني أنا المخطئ. بصراحة لقد اعتدت حركة النهضة علي واستهانت بتاريخي النضالي الذي يعرفه كل التونسيين. هناك ثلاث نقاط أساسية لم تعمل حركة النهضة على توضيحها؛ أولها ما بات يعرف لدى التونسيين بـ«عملية باب سويقة» الذي ذهب فيها ضحايا من التونسيين، والنقطة الثانية هي «عملية ستينغر» التي ساهم فيها بعض الإسلاميين بمحاولة إسقاط الطائرة الرئاسية عبر صاروخ من نوع «ستينغر»، والنقطة الثالثة والأخيرة هي «عملية المجموعة الأمنية» المتهمة بمحاولة الانقلاب على نظام بن علي. هذه النقاط لا بد أن يماط عنها اللثام وأن يدرك التونسيون حقيقة ما جرى حولها، ومن الأشخاص المتورطون في تلك العمليات، كما أن على حركة النهضة أن تبرئ ذمتها من تلك العمليات إن كانت بالفعل بريئة منها.

* هل أصبحت للشيخ مورو قضية شخصية ضد حركة النهضة؟

- لا قطعا. القضية ليست شخصية ولكنها قضية مؤسسات. فتلك العمليات كان وراءها قرارات اتخذتها القيادات ونفذتها القواعد التابعة للحركة. ومن العيب اليوم التنصل منها فالسياسة ليست لعبة فقط، ولكنها في مرحلة ما تصبح حسابا عسيرا علينا أن نتحمل نتائجه.

* وما هو تصور الشيخ عبد الفتاح مورو للعمل السياسي الإسلامي؟

- لا بد أن نقر أن العمل السياسي الإسلامي عمل حديث في عالمنا الإسلامي، وقد نشأت حوله تخوفات وبنت كثير من الأطراف حوله اتهامات، من بينها الرجعية والعمالة للخارج واللجوء إلى العنف في حالة الخلاف السياسي مع الآخرين. وحركة النهضة على سبيل المثال عندما نشأت قالت بصريح العبارة إنها ضد العنف وإنها تقر بمكاسب الحداثة وليست لها ارتباطات بالخارج، فلماذا تحيد عن مبادئها؟

* وهل انقطعت صلتك بحركة النهضة وأصبحت في الماضي، ولن تعود إليها مهما كلفك الأمر؟

- من الصعب أن أبتعد عن حركة عانينا جميعا في تكوينها وذقنا الأمرين من أجل الإطالة في عمرها وإدامته. ولكني اليوم في وضع محايد أي أنني لن أبتعد عنها، ولكني كذلك لن أرجع إليها. الوضع في حركة النهضة مغلق جدا والعمل الجماعي يقتضي الوضوح، وهذا غير متوفر في الوقت الحالي.

* وما تقييم الشيخ عبد الفتاح مورو للوضع السياسي في تونس ككل؟

- من الضروري الإشارة إلى أن التغيير الذي شهدته البلاد كان مفاجئا وغير مخطط له. هذا الوضع من شأنه أن يضع كل الأطراف السياسية في حالة ارتباك سياسي، وأن تكون وضعياتها غير واضحة، ولكن عليها الآن أن تحدد أولوياتها، وأعتقد أن كتابة دستور جديد يعتبر أمرا مهما جدا بالنسبة للمستقبل. لا بد أن نقر أن الانتصار الذي حصل في تونس كان انتصارا حققه الشعب وليس انتصارا مكنت الأحزاب منه الشعب التونسي. كل الأحزاب عليها الآن أن تقف جنبا إلى جنب في جبهة واحدة لتأمين انتصار الشعب.