جنازة شابين قتلا في درعا تتحول إلى مظاهرة كبيرة بمشاركة 10 آلاف سوري دعوا إلى «الثورة»

توقعات بانفجار الشارع الكردي في سورية خلال الاحتفالات بعيد النوروز غدا

TT

تحولت جنازة شابين سوريين قتلا في محافظة درعا الجنوبية أول من أمس، على أيدي القوات السورية، إلى مظاهرة كبيرة شارك فيها نحو 10 آلاف سوري دعوا إلى «الثورة»، في أجرأ وأكبر تحد لنظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ عقود. وعمدت أمس القوات الأمنية في درعا إلى تفريق المشيعين عبر رميهم بالقنابل المسيلة للدموع. وقال شهود عيان في درعا لـ«الشرق الأوسط»، إن المدينة شيعت أمس 9 جثامين قتلوا في اليوم السابق على أيدي القوات الأمنية، علما أن السلطات السورية كانت قد اعترفت بمقتل 4 أشخاص في مظاهرة أول من أمس.

وردد المشيعون في درعا أمس هتافات تدعو إلى الثورة، وهتفوا وهم يسيرون خلف نعشي وسام عياش ومحمود الجوابرة: «الله.. سورية.. حرية.. من يقتل شعبه هو خائن»، و«فزعة فزعة ياحوران»، وهي عبارة محلية تدعو إلى الاستنهاض والمشاركة. وتعتبر درعا إحدى المحافظات الثلاث لمنطقة حوران التي تمتد جغرافيا إلى الرمثا في شمال الأردن حتى تخوم جبال عجلون في الأردن.

وقتل أيضا في المظاهرات التي شهدتها درعا أول من أمس، إلى جانب مدن سورية أخرى، طالب فيها المتظاهرون بمكافحة الفساد، شخصين آخرين هما أيهم الحريري وعدنان أكرد الذي توفي أمس من جراء جروحه. وأصيب أكثر من 200 شخص في درعا فقط، بجروح خلال مظاهرات أول من أمس، بينما ألقي القبض على العشرات.

وقال شهود عيان في درعا لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات السورية منعت أهالي القتلى الذين سقطوا في مظاهرات أول من أمس، من الصلاة عليهم في المسجد العمري والتجمهر في وسط المدينة. وأضافوا أن تسعة جثامين تم تشييعها أمس في مقبرة المدينة بعد الصلاة عليهم في حرم المقبرة، حيث تجمع أكثر من عشرة آلاف من المواطنين خلال التشييع. وأشاروا إلى أن المواطنين المشيعين هتفوا ضد رموز النظام والمفسدين، إضافة إلى المطالبة بالحرية وإصلاحات سياسية، وإطلاق سراح المعتقلين في السجون السورية. وقالوا إن قوات الأمن السورية فرقت المتجمهرين بقنابل مسيلة للدموع واعتقال العشرات من الناشطين الشباب. وأكد الشهود أن السلطات السورية نقلت قوات إضافية جوا، بواسطة طائرات نقل عمودية، حيث هبطت 10 مروحيات في إحدى الساحات لتعزيز القوات الموجودة في المدينة.

وأكد ناشط حقوقي من درعا لوكالة الصحافة الفرنسية، سقوط عدد كبير من الجرحى أثناء مشاركتهم في جنازة درعا، على أيدي قوات الأمن السورية التي اعتقلت عشرات الأشخاص. وذكر الناشط الحقوقي أن «الوضع محتدم جدا في درعا». وأشار إلى أن «عدد الجرحى كبير جدا، وأن رجال الأمن، الذين كانوا يرتدون الزي الرسمي واللباس المدني، قاموا باعتقال عشرات الأشخاص». وأضاف: «سارت جنازتان لقتيلين السبت، شارك فيهما ما يزيد على 10 آلاف شخص، إلا أنهم منعوا من إقامة المراسم في الجامع، وتم الدفن مباشرة في المقبرة». وتابع: «توجه المشاركون في الجنازة بعد الدفن إلى قلب المدينة، حيث تم قمعهم بالغاز المسيل للدموع».

وهددت قبائل تمثل درعا، بأنها سوف تلجأ إلى العنف إذا لم يتم سحب قوات الأمن من المحافظة، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية التي استندت إلى بيان، قالت إن القبائل نشرته على موقع «فيس بوك». وأضافت أن القبائل طالبت في البيان «بانسحاب النظام من المدينة، وسحب الدبابات، ووقف الطلعات الجوية (المروحيات)». وقال البيان: «نطالب بالإفراج عن كل الطلبة المقبوض عليهم. إذا لم يلب النظام هذا الطلب، فإنه سوف يتم إضرام النار في كل مراكز الشرطة ومكاتب الاستخبارات».

وبعيد ذلك، أعلنت السلطات السورية، عبر وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، عن تشكيل لجنة في وزارة الداخلية للتحقيق في الأحداث «المؤسفة» التي وقعت في محافظة درعا. ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول أنه «تم تشكيل لجنة في وزارة الداخلية للتحقيق في الأحداث المؤسفة التي وقعت في محافظة درعا أمس الجمعة». وأوضح المصدر «أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة ومحاسبة كل من يثبت التحقيق مسؤوليته أو ارتكابه أي إساءة في هذه الأحداث». وذكرت قناة «المنار» اللبنانية، التابعة لحزب الله، نقلا عن مصادر سورية لم تسمها، أن الأسد سيوفد مسؤولين للتعزية باسمه إلى أسر الضحايا في درعا الذين سقطوا يوم الجمعة. وكانت قد وجهت دعوات في مواقع التواصل الاجتماعي للخروج في مسيرات سلمية ليل أمس، للمطالبة بالحرية والتضامن مع أهالي درعا، انطلاقا من الجوامع والكنائس الرئيسية في معظم المدن الكبيرة، بما فيها الجامع الأموي في دمشق. تجدر الإشارة إلى أن شبكة الإنترنت في سورية، شهدت انقطاعات بدءا من بعد ظهر أمس، وتعذر استعمال البريد الإلكتروني على المزودات الرئيسية، إضافة إلى مواقع أخرى على الشبكة.

وبدأت المظاهرات في سورية تأخذ زخما هذا الأسبوع، بعد مظاهرة شارك فيها نحو 150 شخصا في دمشق طالبوا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وشاركت في تلك المظاهرة ناشطة حقوقية من درعا تدعى ديانا الجواربة، ألقي القبض عليها إلى جانب 32 آخرين، ويواجهون تهما بإضعاف المعنويات الوطنية. وكانت جواربة تقود حملة لإطلاق سراح 15 تلميذا في المدرسة اعتقلوا في درعا في وقت لاحق من الشهر الحالي، بسبب كتابتهم شعارات على الحيطان استلهموها من الثورتين في تونس ومصر. ويقول سكان درعا إن اعتقال تلاميذ المدرسة في هذه المنطقة القبلية، عمقت الشعور بالكبت لدى السكان وساعدت على إيقاد الاحتجاجات. ويعيش في درعا الآلاف النازحين القادمين من شرق البلاد، حيث غادر نحو مليون شخص منازلهم بسبب أزمة مياه خلال الأعوام الستة الماضية. ويقول خبراء إن سوء إدارة السلطات للموارد المائية عمقت من الأزمة. وتطبق سورية قانون الطوارئ الذي يمنع التجمعات ويسمح باعتقالات من دون محاكمة، منذ عام 1963 تاريخ وصول حزب البعث إلى السلطة.

ونقل مصدر كردي من داخل سورية لـ«الشرق الأوسط»، أن المظاهرات، التي بدأت في مدن سورية قبل أيام، تركزت في المدن العربية مثل حمص ودرعا وبانياس ودمشق، ولكن من المتوقع أن تستمر وتنتقل إلى المناطق الكردية التي تترقب بحذر تطورات الموقف داخل البلد.

وقال مصدر كردي سوري في الداخل، طلب عدم ذكر اسمه خوفا من السلطات الأمنية السورية، التي تكثف مراقبتها للشارع الكردي في المدن ذات الأغلبية الكردية، إن المجلس السياسي الكردي في سورية أدان بشدة استخدام القوة والعنف تجاه المعتصمين واعتقال العشرات منهم في دمشق، معلنا عن تضامنه مع مطالبهم العادلة بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي في سجون سورية، من بينهم الناشطة السياسية هرفين أوسي الناطقة الرسمية باسم تيار المستقبل الكردي.

وأشار إلى أن الشارع الكردي في سورية لم يتحرك بعد انتظارا للموقف، «حيث إن الأكراد هناك لا يريدون التورط في الخروج وحدهم إلى الشارع كما في السنوات السابقة، لكي لا تنفرد السلطات الأمنية بهم اعتقالا وقمعا». وأضاف أن الأكراد في سورية «ينتظرون الآن تطورات الموقف الداخلي لتكون الانتفاضة جماعية». وبحسب المعلومات المتوافرة لدي، فإن هناك تحضيرات تجري بين نشطاء سياسيين للخروج في مظاهرة بعيد النوروز القومي الذي يحل خلال يوم غد وتبدأ الاحتفالات به مساء اليوم.

وجاء في وقت أعلنت فيه منظمات حقوقية سورية أمس، أن سوريات اعتقلن إثر مشاركتهن في اعتصام أهالي المعتقلين أمام وزارة الداخلية الأربعاء، بدأن إضرابا مفتوحا عن الطعام. وذكر بيان مشترك للمنظمات الحقوقية أن «جميع النساء المعتقلات على خلفية مشاركتهن بالاعتصام السلمي الذي جرى ظهر يوم الأربعاء الماضي، قد دخلن قي إضراب مفتوح عن الطعام في سجن دوما للنساء».

وأشار البيان إلى أن المضربات هن: سهير جمال الأتاسي، وناهد بدوية، وسيرين خوري، وربا اللبواني، ودانة إبراهيم الجوابرة، وفهيمة صالح أوسي (هيرفين)، ونسرين خالد حسن، ووفاء محمد اللحام، وليلى اللبواني، وصبا حسن. ولفت البيان نقلا عن مصادر من عائلات النساء المعتقلات إلى أن «صحة الموقوفة هيرفين أوسي تدعو للقلق، لأنها أعلنت إضرابا عن الماء أيضا». وكان القضاء السوري أصدر الخميس مذكرات توقيف وإيداع بحق 32 معتقلا على خلفية مشاركتهم في الاعتصام أمام وزارة الداخلية، وذلك بعد استجوابهم بتهمة «النيل من هيبة الدولة وتعكير صفو العلاقة بين عناصر الأمة».

وأعربت المنظمات الحقوقية الموقعة على البيان أمس، عن «تضامنها الكامل مع النساء المعتقلات»، مطالبة السلطات السورية «بإغلاق هذا الملف والإفراج الفوري عن جميع الموقوفين على خلفية هذه القضية». وجددت المنظمات «مطالبتها للحكومة السورية بضرورة احترام تعهداتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة التي التزمت بتنفيذها والبدء باتخاذ إجراءات سريعة نحو تحقيق انفراجات فعلية في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة». والمنظمات الموقعة على البيان هي الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان، المرصد السوري لحقوق الإنسان، المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، المنظمة العربية للإصلاح الجنائي في سورية، المركز السوري لمساعدة السجناء واللجنة السورية للدفاع عن الصحافيين.