اليمن: صالح يدعو لجعل اليوم «يوم حداد وطني» على أرواح «شهداء الديمقراطية»

استقالة رئيس وكالة «سبأ» الرسمية للأنباء ووزراء سابقين ومسؤولين حاليين من الحزب الحاكم

معارضون يمنيون يعاينون أمس موقع الاعتداءات التي تعرض لها المحتجون ضد الرئيس اليمني والذي قضي فيه أكثر من 50 قتيلا (أ. ب)
TT

يعيش اليمن عاصفة سياسية منذ ما بعد «المجزرة البشعة» التي ارتكبتها قوات الأمن والمجاميع المسلحة التي تسمى «البلاطجة»، في حق المعصمين في «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء الجديدة، أول من أمس، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى، حيث انهالت الاستقالات لكبار المسؤولين الحكوميين من مناصبهم ومن عضوية الحزب الحاكم، احتجاجا على ما حدث.

وأعلن، أمس، رئيس مجلس إدارة، ورئيس تحرير وكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ»، نصر طه مصطفى، استقالته من منصبه ومن عضوية حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، احتجاجا على قمع المتظاهرين. وقال في نص الاستقالة التي نشرها على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، مخاطبا الرئيس صالح «فخامة الرئيس.. أجد نفسي اليوم مضطرا لتقديم استقالتي لفخامتكم لأنني لم أعد قادرا على أداء أي دور، خاصة بعد المذبحة البشعة التي جرت في صنعاء يوم أمس (أول من أمس) والتي أدمت قلوبنا وأبكت عيوننا وأرهقت نفسياتنا وصدمت ضمائرنا التي ترفض كليا وأيا كانت المبررات إزهاق نفوس عشرات الشباب الذين لا ذنب لهم سوى ممارسة ما منحهم الله تعالى إياه من فطرة الحرية، وكفله لهم الشرع والدستور من حرية التعبير والمطالبة بالتغيير.. ومهما كانت التجاوزات في اللفظ والتعبير لديهم فإنها لا يمكن أن تكون مبررا بحال من الأحوال للقتل وسفك الدماء». كما استقال رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الجمهورية» للصحافة، رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية»، من منصبه ومن عضوية الحزب الحاكم، أيضا، وقد صدر قرار جمهوري بتعيين رئيس جديد لـ«سبأ» وهو طارق الشامي، رئيس دائرة الفكر والإعلام في حزب المؤتمر الحاكم.

وتوالت الاستقالات من مناصب حكومية ومن عضوية الحزب الحاكم، وضمن من أعلنوا استقالاتهم محمد عبد الله زبارة وكيل وزارة التربية والتعليم الذي استقال «وفاء لشهداء جمعة الكرامة»، وفيصل أبو رأس سفير اليمن لدى لبنان، والدكتور فارس السقاف الذي استقال من رئاسة الهيئة العامة للكتاب. كما أعلنت الوزيرة المفوضة في الخارجية اليمنية، مستشارة الوزارة، جميلة علي رجاء استقالتها من منصبها. وقال محمد راوح القدسي، عضو الهيئة الاستشارية لرئيس الجمهورية لمتابعة تنفيذ برنامجه الانتخابي، إنه استقال من هذا الموقع ومن عضوية اللجنة الدائمة (اللجنة المركزية) لحزب المؤتمر الحاكم، وذلك بسبب «التوجه الدموي للنظام وإراقته دماء شعبه».

وأعلنت مصادر سياسية أن 3 وزراء سابقين استقالوا من عضوية الحزب الحاكم، وهم الدكتور عبد الوهاب الروحاني وزير الثقافة الأسبق، وخلفه الوزير خالد الرويشان، وهما، حاليا، عضوان في مجلس الشورى، إضافة إلى الدكتور جلال فقيرة وزير الزراعة الأسبق، ونفس الحال مع زميلته الأكاديمية والكاتبة الدكتورة سعاد السبع التي سببت الاستقالة بالاحتجاج على ما حدث، أول من أمس، من «سفك دماء اليمنيين الأبرياء من أبنائنا في ساحة التغيير».

إلى ذلك، أعلن الرئيس علي عبد الله صالح جعل اليوم (الأحد) «يوم حداد وطني» على أرواح «شهداء الديمقراطية» الذين سقطوا في ما وصفت بـ«المجزرة البشعة» التي ارتكبت في حق المعتصمين في «ساحة التغيير». وقال في كلمة له في عدد من رجال القبائل من مديرية بني مطر، بمحافظة صنعاء «نترحم عليهم، ونأسف لسقوطهم ضحايا في تلك الحوادث التي ترتكبها عناصر من أحزاب اللقاء المشترك تعمل على تأجيج الأوضاع وخلق التوتر ومحاولة الدفع بالوطن إلى المجهول». وأضاف «الحقيقة أن من سقطوا ويسقطون ضحايا لحوادث العنف التي تحصل الآن، هم نتيجة لتلك التعبئة الخاطئة والتحريض والفوضى التي تتحمل مسؤوليتها أحزاب اللقاء المشترك وما يسمى باللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وغيرهم من دعاة الفتنة الذين يتسلقون على دماء المواطنين الأبرياء وإزهاق الأرواح البريئة لمن يتم التغرير بهم ويقدمونهم كباش فداء من أجل مطامحهم للوصول للسلطة عبر الانقلاب على الديمقراطية والشرعية الدستورية والزج بالوطن في أتون الصراعات والعنف والتخريب».

وأشار الرئيس اليمني إلى أن «هذه الدماء التي تسفك يتحمل مسؤوليتها أولئك الذين يدفعون بالأبرياء والمغرر بهم إلى المواجهات مع إخوانهم المواطنين لخلق البغضاء والأحقاد في المجتمع». وقال «نقول لهؤلاء اتقوا الله في أنفسكم، وفي الدماء البريئة التي تزهق، وفي الوطن الذي لا يستحق منكم كل هذا الجحود». واعتبر ما حدث، أول من أمس، مؤشرا خطيرا على «تلك الفتنة التي يريدون إغراقنا فيها، وعلى كل العقلاء والمحبين لهذا الوطن أن يعملوا كل جهدهم من أجل تفويت الفرصة على دعاة الفتنة والشر وكل المتربصين بالوطن وأمنه واستقراره ووحدته ومكاسبه الوطنية»، وجدد الدعوة لـ«الجلوس على طاولة الحوار الذي يجنب الوطن الفتنة».

على صعيد آخر، رحب مصدر مسؤول في رئاسة الجمهورية اليمنية بالوساطة السعودية - الخليجية بين الأطراف السياسية في اليمن. وقال المصدر إن «تلك الوساطة مرحب بها على الدوام». وأضاف المصدر لوكالة الأنباء الرسمية أن «من يقفون وراء الحادث المؤسف الذي حدث أمس (أول من أمس الجمعة) في حي جامعة صنعاء، كانوا يسعون إلى تحقيق عدة أهداف من ورائه، منها محاولة إفشال تلك الوساطة، وإثناء الأشقاء في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عن الاستمرار في جهودهم الخيرة للوساطة وتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية اليمنية لما يجنب اليمن الفتنة». وأشار المصدر الرئاسي إلى أن هناك «تواصلا مع الأشقاء في السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حول تلك الوساطة ولما فيه مصلحة اليمن والمنطقة».

ووجهت السلطات اليمنية الاتهام صراحة بالتورط في أحداث قمع المعتصمين إلى الشيخ حميد عبد الله الأحمر، الأمين العام للجنة الحوار الوطني المعارضة، القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض، أكبر أحزاب تكتل اللقاء المشترك. وقال مصدر مسؤول لم يكشف عن هويته، إن الأحمر هو من يتحمل «مسؤولية الدماء التي سالت يوم الجمعة في حي جامعة صنعاء، وغيرها من دماء المواطنين التي سفكت في عدد من المحافظات، وذلك بما يقوم به من أعمال خارجة عن القانون، وإنفاق الأموال للتحريض على العنف والفوضى والتخريب وزرع الفتنة في المجتمع والإضرار بالسلم الاجتماعي». وأضاف أنه ثبت «يقينا أن المقامر حميد الأحمر هو من يقف وراء الفتنة، وقد قام منذ فترة بإدخال المسلحين التابعين له إلى ساحة جامعة صنعاء، ودسهم بين المعتصمين، وكان وراء أعمال العنف والاعتداءات التي استهدفت المواطنين في حي الجامعة والأحياء المجاورة وما نتج عنها من فتنة، حيث قامت العناصر المسلحة التابعة له بإطلاق النار على المواطنين واختطاف عدد منهم واقتحام مساكن عدد من المواطنين ونهب وإحراق بعضها في تجاوز فاضح للقانون». وأشار إلى أن «كل من ارتكب هذه المجزرة لن ينجوا من المساءلة والعقاب، وأن مصير أي قاتل وسفاح لن يكون أفضل حالا من مصير أولئك القتلة والسفاحين من آل حميد أو الشيوعيين الذين لفظهم شعبنا اليمني وأجبرهم على الرحيل».

من جانب آخر، أعلن المستشفى الميداني في «ساحة التغيير» بصنعاء، ارتفاع عدد قتلى «مجزرة الجمعة» إلى 52 شخصا، في وقت ما زال فيه بعض المصابين في حال حرجة. وقال رجل الأعمال اليمني أحمد حنظل الذي استقال، الأسبوع الماضي، من عضوية الحزب الحاكم، إنه تبرع بمبلغ 3 ملايين ريال يمني، أي ما يعادل 15 ألف دولار أميركي، للمساهمة في علاج الجرحى، في الوقت الذي بادر فيه الآلاف من المواطنين إلى التبرع بالدم في المستشفيات المحددة، استجابة لنداء الأطباء في المستشفى الميداني، بعد حدوث شح في الدماء وحاجة لتعويض الجرحى الدماء التي نزفوها.

في السياق ذاته، قالت مصادر رسمية يمنية إن نيابة غرب العاصمة صنعاء، باشرت في التحقيق في أحداث جامعة صنعاء. وقال النائب العام، الدكتور عبد الله العلفي، لوكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، إنه تم تكليف عدد من أعضاء النيابة العامة بالانتقال إلى المستشفى الميداني لمعاينة المتوفين والمصابين، إضافة إلى تكليف أطباء شرعيين من قبل النيابة العامة بالانتقال إلى مستشفى العلوم والتكنولوجيا لمعاينة المتوفين.

وعاشت العاصمة اليمنية يومها الأول في ظل حالة الطوارئ بصورة شبه طبيعية، فقد ذهب الطلاب إلى مدارسهم، بعد أن طمأن وزير التربية والتعليم، الدكتور عبد السلام الجوفي، المواطنين على أن الدراسة مستمرة رغم ما أعلن. غير أن الشيء اللافت هو الانتشار الأمني المكثف في تقاطعات الشوارع والذي ينتشر بكثافة أكثر في الشوارع المؤدية إلى «ساحة التغيير»، إضافة إلى انتشار من يسمون «البلاطجة» في مداخل الساحة وهم مدججون بأسلحة «كلاشنيكوف» وعصي وسلاح أبيض. ورغم إعلان حالة الطوارئ، مساء أول من أمس، فإن «ساحة التغيير» ما زالت تستقبل عشرات الآلاف من المتظاهرين وآلافا جددا من المعتصمين، وقام قادة أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك بالنزول إلى الساحة من أجل «الالتحام بالجماهير». وأكد الرئيس الدوري للتكتل، الدكتور ياسين سعيد نعمان، في الكلمة التي ألقاها في المعتصمين، أن «المجزرة» التي ارتكبت في حق المعتصمين سلميا وغيرها من الأعمال يجب ألا تجعلهم «يجروننا إلى العنف».

وأضاف نعمان مخاطبا المعتصمين «إننا معكم من أجل بناء اليمن، من أجل التغيير، وسنكون معكم في مقدمة من يقدم الضحايا من أجل المستقبل.. لقد دارت عجلة التغيير إلى الأمام ولن تعود إلى الخلف، فعندما يخرج الشعب إلى ساحات التغيير، فلا صوت يعلو فوق صوت الشعب. لا وصاية على نضال الشباب، الجميع يقف صفا واحدا مع ووراء هذه النضالات. ستجدوننا معكم، فأنتم الجيل الذي يعيد للثورة اليمنية ألقها. الثورة التي صادرها الطغاة والفاسدون، أنتم تعيدونها إلى الفجر الحقيقي الذي سقط من أجل آلاف الضحايا على هذه الأرض». وأردف السياسي اليمني «أنتم أعدتم للوحدة اليمنية ألقها وليس فقط للثورة، اليوم في عدن يهتفون من أجل صنعاء، وفي تعز يهتفون من أجل حضرموت، وفي تهامة يهتفون من أجل لحج، الجميع يرفع الأصوات من أجل الوحدة التي صادرها الطغاة والظلم».