آلاف اللاجئين من المشرق الليبي يتوافدون على منفذ السلوم المصري

الهروب الكبير من جحيم القذافي * روايات عن إعدام الشباب في ساحة محكمة أجدابيا * قتل عشوائي دون تمييز.. والمرتزقة يلقون الجثث في البحر

ثائر ليبي ينظم حركة المرور للسيارات المتجهة إلى خارج بنغازي أمس (أ.ف.ب)
TT

يبدو أن مدينة السلوم المصرية على الحدود الليبية لن تعرف الهدوء والراحة في الوقت القريب، فما إن انتهى توافد آلاف المصريين إلى منفذ السلوم البري، حتى بدأ آلاف الليبيين في الفرار من الشرق الليبي تجاه الحدود المصرية. وتتوارد الأنباء عن آلاف الأسر الأخرى التي تشق طريقها الآن إلى السلوم، وتعمل السلطات المصرية على سرعة إنجاز أوراقها للسماح لها بالمرور.

فمع صباح أمس كان عدد الليبيين الذين وصلوا إلى السلوم قد تجاوز ألفى شخص، معظمهم من النساء والأطفال، شقوا طريقهم إلى مرسى مطروح، حيث تم استقبالهم بود من قبل الأهالي المصريين.

الطريق إلى السلوم امتلأ عن آخره بالمزيد من الأسر الهاربة من تطور هجمات القذافي على بني غازي وأجدابيا. السيارات مليئة بالأطفال والنساء الذين تسيطر عليهم حالة هلع شديدة. سيدة في منتصف العمر قالت لنا وهي في حالة انهيار تام، إنها خرجت مع أسرتها من أجدابيا بملابسها فقط، وبلا أي متاع، مؤكدة أنها رأت فظائع قوات القذافي الذين شقوا بطون الحوامل وقاموا بفقء عيون الكثير من الأطفال. وازدادت حالة الهلع على وجوههم وهم يروون كيف تم إعدام الشباب في ساحة محكمة أجدابيا.

محاسب ليبي (45 عاما) خرج من ليبيا بصحبة 7 من أفراد أسرته، قال لـ«لشرق الأوسط»: «القذافي يبيد المدنيين. لقد سوى أجدابيا بالأرض»، مشيرا إلى أن المستشفى الرئيسي تم تدميره تماما وتم قتل كل الأطباء به، كما قام المرتزقة بالتعدي على الممرضات. وأضاف أن ما حدث في بني غازي ليلة أمس يوازي ما قامت به إسرائيل في حربها ضد غزة في يناير (كانون الثاني) 2009 بل يتعداه.

وتسيطر حالة من الغضب والحنق الشديدين على الليبيين العائدين الذين يتهمون المجتمع الدولي بالتواطؤ مع القذافي، واجتمعت آراؤهم على أن القذافي ما كان ليمعن في ذلك البطش لولا ثقته في عجز الولايات المتحدة والأمم المتحدة عن فعل أي شيء ملموس لمنعه.

وتزايدت الطوابير من السيارات الليبية على الجانبين في منفذ السلوم، سيارات تحمل أسرا ليبية هاربة من الجحيم على حد قولهم، وأخرى للدخول إلى ليبيا، وبها مئات الشباب الليبي المستعد للذهاب إلى ليبيا للقتال ضد القذافي، وقد كثفت القوات المسلحة المصرية من قواتها بشكل كبير، وظهرت آليات حديثة تابعة للجيش المصري من دبابات وسيارات عسكرية متطورة.

أحمد علي محمد إسماعيل، القادم من بني غازي، أصر على ذكر اسمه الرباعي كاملا تأكيدا على عدم تخوفه من القذافي وكذلك أسرته التي تعرضت للتنكيل على يديه مرات ومرات في الماضي، مشيرا إلى أنه سيقوم بتوصيل أسرته إلى الإسكندرية ومن ثم يعود لينضم للمقاومة.

عبد الحميد الوهيجي (42 عاما) اصطحب أمه التي تبلغ من العمر تسعين عاما إلى بر الأمان في مصر، مؤكدا أنه سيعود مرة أخرى ليحمل السلاح ضد القذافي، لافتا إلى أن قوات القذافي أغلبها من المرتزقة من مالي ونيجيريا وغانا. الوهيجي روى لنا أن المرتزقة يقومون بإلقاء الجثث في البحر.

عبد البصير الزاوي كان شاهدا على استهداف السيارات التي تحمل علم ليبيا ذا الألوان الثلاثة، مفصحا عن أن الطريق إلى السلوم كان مليئا بمئات الأسر الهاربة، محذرا من كارثة إنسانية بالغة في السلوم.

وفي اتجاه الحدود الليبية التقينا محمد (طالب بكلية الطب بجامعة القاهرة)، والذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن أقضي ليلة في القاهرة وأهلي يستشهدون في بني غازي، سنقاتل وسننال النصر أو الشهادة».

وقال حسين سليمان (45 عاما) لنا إن مئات الليبيين يتجمعون الآن في القاهرة من أجل تنسيق الجهود للذهاب إلى ليبيا، شاكرا المصريين بشدة على موقفهم المساند لثورتهم، ومناشدا المجتمع الدولي إمدادهم بالسلاح لأن المعركة غير متكافئة على حد قوله.

بينما أكد الشيخ إبراهيم، تاجر ليبي (42 عاما)، أن القذافي لم يلتزم بوقف إطلاق النار على الإطلاق، واصفا الأمر برمته بالمناورة والخدعة الإعلامية الحقيرة. وقال «القذافي شخص كاذب»، موضحا أن 28 فردا من قبيلته بينهم أطفال لقوا حتفهم ظهر الجمعة في مصراتة.

وفي مرسى مطروح، أكدت مصادر قيادية في القبيلة ذاتها (رفضت الكشف عن هويتها)، أن وفد القبيلة الذي سافر إلى طرابلس للقاء القذافي يحمل حزمة حلول في جعبته للخروج من الصراع الدموي الحالي، مؤكدة أن العرف القبلي قد يكون هو الحل الأفضل لوضع حد لهذه المجازر. وقدرت المصادر عدد الليبيين في مرسى مطروح بأنه يتجاوز الثلاثة آلاف بكثير، كاشفة عن استعداد أبناء القبيلة لاستقبال المزيد. لكن المصادر عادت وأكدت لنا أن الحلول السلمية أصبحت مستحيلة، خاصة بعد أن تعدى العنف كل الحدود التي يمكن تحملها. ورفضت المصادر تماما تأكيد المعلومات التي وصلتنا بأن طرق تهريب البضائع تستخدم حاليا لنقل أسلحة إلى الثوار، لكنه أفصح أن المئات هنا على استعداد الآن للذهاب إلى ليبيا للقتال بجوار أهلهم وأبناء عشيرتهم خاصة بعد أن استباح القذافي كل شيء.

وفي مدينة مسعد (40 كيلومترا من الحدود الليبية المصرية)، وفيما انقطع اتصالنا بكل مصادرنا في بني غازي ومصراتة جراء الهجوم الحالي والحظر الذي يفرضه القذافي على الاتصالات في الشرق الليبي، أوضحت أسر ليبية لنا على الطريق أن قوات المرتزقة تسيطر على وسط بني غازي وتقوم بقتل الناس عشوائيا ودون تمييز، مؤكدين أن الجثث يتم إلقاؤها في ساحات خارج المدينة.

وقد وصلتنا أنباء غير مؤكدة أن خميس القذافي قد تعرض لحروق بالغة في مختلف أنحاء جسده من جراء المواجهات الحامية بين الثوار وقوات القذافي، بينما تؤكد معلومات أخرى إصابة الساعدي القذافي هو الآخر بطلق ناري في الصدر.

وكان منفذ السلوم شهد أول من أمس نزوح آلاف اللاجئين من الليبيين والمصريين والأجانب، من ليبيا إلى الجانب المصري من الحدود، ومن عدة موانئ بحرية بالشمال الشرقي من ليبيا ومن موانئ بحرية وجوية بتونس، وذلك بسبب المخاوف من تفاقم الأوضاع بعد أن قرر مجلس الأمن الدولي فرض حظر جوي فوق ليبيا، واتخاذ ما يراه من إجراءات لحماية المدنيين من ضربات قوات العقيد الليبي معمر القذافي، الذي يطالب الثوار في ليبيا بإسقاط حكمه.

وقدرت مصادر في مناطق متفرقة في الشرق الليبي عدد الفارين بعدة آلاف غالبيتهم من مدن القطاع الأوسط الليبي، وفروا إلى أقصى الشرق الليبي في مدينة طبرق، إضافة إلى فرار آخرين عبر الحدود في اتجاه مصر. ومنذ بداية ثورة 17 فبراير (شباط) في ليبيا، فر ما يزيد على 280 ألف شخص من جنسيات مختلفة، منهم 151 ألفا فروا إلى تونس و118 ألفا إلى مصر، وفقا لبيانات مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وقال شهود في مدينة طبرق القريبة من الحدود المصرية إنهم شاهدوا نزوح العشرات من عائلات ليبية وعمال مصريين من المناطق التي استعرت فيها عمليات القتال والمواجهة بين الثوار وقوات القذافي قرب مدينة أجدابيا، وبعض البلدات الواقعة على الطريق الساحلي بين أجدابيا وبنغازي. وأضافت مصادر أخرى أن آلاف النازحين عبروا الحدود الليبية الشرقية في اتجاه مدينتي السلوم ومرسى مطروح المصريتين.

وتابعت مصادر من منفذ السلوم أن الكثير من الأسر الليبية بدأت في التوافد إلى منفذ السلوم ومنها إلى مرسى مطروح بمصر، ووصل عددهم أمس إلى 1260 ليبيا معهم متعلقاتهم الحياتية، هربا من هجمات قوات القذافي التي قالوا إنها استمرت يوم أمس بلا هوادة على الرغم من قرار مجلس الأمن بحماية المدنيين. وأظهر سكان المدن الحدودية المصرية تعاطفا مع الفارين من ليبيا، ودعت المساجد في مكبرات الصوت لفتح الشقق الخالية لتسكينهم.

وقال مصدر مسؤول بمنفذ السلوم البري «هذه هي المرة الأولى التي يتوافد فيها هذا العدد من الأسر الليبية بشكل جماعي». وقال المواطن ياسر غريب من مرسى مطروح «استقبلت 3 أسر ليبية ووفرت لها مقار إقامة بالقرب من بيتي».

وبالنسبة للنازحين المصريين من ليبيا، فقد صرح السفير محمد عبد الحكم، مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والهجرة واللاجئين والمصريين بالخارج، بأن الجهود نجحت في إعادة ونقل نحو 190 ألف مواطن مصري من ليبيا، وأن عدد الليبيين الذين عبروا من السلوم إلى مصر منذ يوم 21 فبراير حتى يوم أمس بلغ أكثر من 15 ألف ليبي. وحسب المصادر خرج من ليبيا أمس عبر الحدود التونسية والحدود الجزائرية عدة مئات من المصريين والليبيين والجنسيات الأجنبية الأخرى، من بينهم نحو 400 موريتاني.