الشعب الأميركي لا يتحمس لعملية ليبيا

أوباما ركز على أن القوات الأميركية لن تنزل على الأراضي الليبية * خطورة العملية العسكرية أنها لن تنتهي سريعا وبصورة حاسمة

ثوار يحتفلون في شوارع بنغازي أمس بدخول حظر الطيران على ليبيا «حيز التنفيذ (رويترز)
TT

مع دخول العملية العسكرية ضد نظام الرئيس الليبي معمر القذافي يومها الثاني، يواجه الرئيس باراك أوباما انتقادات داخل الولايات المتحدة، لأكثر من سبب: إما القول إنه فاشل في السياسات الداخلية والخارجية ولا يقدر على تحقيق أي شيء إيجابي، وإما القول إنه لم يتدخل مباشرة وبقوة، كما أنه تأخر في التدخل.

وأوضحت نتيجة استفتاء أجراه مركز «بيو» في واشنطن أن أكثر من 60% من الأميركيين يعارضون التدخل. وكان استفتاء أجراه تلفزيون «فوكس»، أول من أمس، قد وصل إلى النتيجة نفسها. هذا على الرغم من أن استفتاء «فوكس» أوضح أن نسبة 70% من الأميركيين تعارض تأييد حكام مستبدين.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «لم تحدث في تاريخ التدخلات العسكرية الأميركية مثل هذه التصريحات غير العادية». وقالت إنها مثل عدم تحمل شخص لمسؤولية ما يفعل. جاء هذا تعليقا على إعلان الرئيس باراك أوباما بدء العمليات العسكرية، الذي ألقاه خلال زيارته إلى البرازيل. وقال فيه: «نحن لم نرِد أن تكون هكذا». وأيضا، تعليقا على تصريح هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، في باريس، بعد نهاية المؤتمر الدولي الذي أعلن بداية العمل العسكري؛ حيث قالت: «نحن لم نقُد هذه العملية العسكرية».

بينما حاول أوباما وكلينتون تخفيض الدور الأميركي، أعلن الأدميرال بيل غورتني، مدير القيادة الأميركية المشتركة، إطلاق 112 صاروخا على أهداف ليبية، وقال: «نحن في قيادة هذه العملية».

وقالت الصحيفة: «هذا التردد الأميركي يوضح معضلة الرئيس أوباما وهو يعلن التدخل العسكري في دولة مسلمة. ويوضح أن الموضوع لن يمر بسهولة داخل الولايات المتحدة»، خاصة بالنظر إلى كثرة معارضي أوباما، سواء قادة الحزب الجمهوري، أو خبراء ومعلقون يختلفون معه، خاصة قادة حزب الشاي (الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري).

وقالت الصحيفة: «منذ أن صار أوباما رئيسا، ظل يريد أن يحسن علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي. وظل يحاول إنهاء التدخلات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان. وهاهو الآن يركز على المجتمع الدولي، خاصة جامعة الدول العربية، وكأن المجتمع الدولي هو الذي يقود العملية العسكرية ضد نظام القذافي، لا الولايات المتحدة».

وقالت الصحيفة: «يريد أوباما أن يعالج الشكوك في النوايا الأميركية». لكن، في الوقت نفسه، الأوروبيين يعرفون ذلك جيدا، لولا التأييد الأميركي ما كانت هذه العملية العسكرية ستبدأ.

وقال مارك غوارتمان، خبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس إي إس): «خطورة العملية العسكرية في ليبيا أنها لن تنتهي سريعا وبصورة حاسمة. يمكن تصور أن القذافي بقواته المسلحة يقدر على أن يستمر في الحكم». على الجانب الآخر، قال بنجامين رودز، نائب مستشار الأمن الوطني في البيت الأبيض: إن أوباما ركز على أن القوات الأميركية لن تنزل على الأراضي الليبية. وقال: «سيكون الدور الأميركي هو ما نشاهد: إطلاق الصواريخ لتنظيف الأجواء لطائرات فرنسا، وغيرها من الدول». وأضاف: «تنفيذ حظر الطيران ومدته ونهايته ستعتمد على قرارات الحلفاء والشركاء».

لكن، قال ديفيد ماك، سفير أميركي سابق في دول عربية، والآن خبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: إن الدور الأميركي ليس واضحا. وقال: «يعرف أوباما أن القذافي سيستغل أي مواجهة مع القوات الأميركية على أنها عدوان أميركي على دولة مسلمة. وأنها استمرار لتدخلات عسكرية أميركية سابقة في دول إسلامية». وأشار إلى ما حدث سنة 1986، عندما ضربت صواريخ وطائرات أميركية مقر القذافي (وقتلت مدنيين من بينهم ابنته). وأن الرئيس ريغان، الذي أصدر الأمر في ذلك الوقت، أمر أيضا بوضع عقوبات اقتصادية وعسكرية على القذافي. وأن ريغان استعمل شعارات عاطفية وحماسية. وأضاف ماك: «لكن، لا يزال القذافي يحكم ليبيا، ولم يغير تصرفاته شبرا واحدا».

غير أن مسؤولا في البنتاغون دافع عن الدور الأميركي، وقال: إن الدول الغربية قسمت المسؤوليات العسكرية، وأعطت العسكريين الأميركيين مسؤولية تنظيف الأجواء فوق ليبيا، وذلك بتعطيل صواريخ القذافي المضادة للطائرات، ونظام القيادة والاتصالات التابع لقوات القذافي. وقال المسؤول: «حسب اتفاق مسبق، سيتولى الحلفاء الأوربيون قيادة العملية العسكرية فوق ليبيا خلال الأيام القليلة المقبلة». وقال: إن العملية العسكرية في الوقت الحالي يقودها الجنرال كارتر هام، قائد «أفريكاكوم» (القيادة الأميركية - الأفريقية)، وإنه، في وقت لاحق، سوف يحول القيادة إلى جنرال في حلف الناتو. في الوقت نفسه، أصدر مركز «بيو» نتائج استفتاء شعبي أوضح أن 63% من الأميركيين قالوا: «إن الولايات المتحدة لا تتحمل مسؤولية وقف القتال في ليبيا». وأيدت التدخل الأميركي نسبة 27% فقط.

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن نسبة المؤيدين ربما نصف الذين أيدوا التدخل الأميركي في دارفور سنة 2006، ونصف الذين أيدوا التدخل الأميركي في القتال بين الصرب والبوسنة سنة 1995.

وقال المراقبون: من أسباب عدم حماس الأميركيين للتدخل في ليبيا وجود شكوك في قدرة الرئيس أوباما على قيادة المجتمع الدولي، والسياسة الخارجية الأميركية. وأن نسبة كبيرة من المعارضين من الجمهوريين الذين يعارضون أوباما ربما في كل شيء، هذا بالإضافة إلى أن التدخل في دولة إسلامية أخرى صار شبه مشكلة نفسية بالنسبة لكثير من الأميركيين، وذلك بسبب ردود الفعل العربية، والعالمية، السلبية للتدخل الأميركي في العراق وأفغانستان.

وقال المراقبون: إن أكثر نسبة أيدت التدخل كانت للتدخل في دارفور. وعلى الرغم من أنها كانت نسبة 50% فقط، فإنها أوضحت تأثير الحملة الإعلامية والسياسية الكبيرة ضد نظام الرئيس السوداني عمر البشير، خاصة لأنه نظام إسلامي، وعسكري، ولأنه أعلن الجهاد ضد الجنوبيين وأغلبيتهم مسيحيون ووثنيون.

كان تلفزيون «فوكس» قد قال إن استفتاء شعبيا أجراه أوضح أنه على الرغم من اعتقادهم أن الولايات المتحدة يجب أن تعزز الديمقراطية دائما، فإن معظم الأميركيين لا يريدون إرسال قواتهم العسكرية إلى ليبيا. وأن 60% قالوا «نعم» لجملة أن «الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الأميركية يجب أن يكون دائما تعزيز الديمقراطية».

في الوقت نفسه، قالت نسبة 65% (نفس نسبة استفتاء مركز «بيو» تقريبا) إنها تعارض التدخل العسكري الأميركي في ليبيا.

ولا تختلف هذه المواقف كثيرا بسبب الانتماءات الحزبية؛ لأن نسبة 70% من الديمقراطيين والنسبة نفسها من المستقلين عارضت التدخل العسكري. وعارضته نسبة 60% من الجمهوريين.

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن الجمهوريين، خاصة الجناح المحافظ، أكثر حماسا للتدخل العسكري بهدف نشر مبادئ الحرية والديمقراطية الأميركية. لكنهم، في الوقت نفسه، أكثر نقدا للرئيس أوباما، ولقدرته على قيادة السياسة الخارجية الأميركية، ناهيك عن العالم.

وانقسم الأميركيون حول تقييمهم لأداء الرئيس أوباما نحو ليبيا، منذ بداية الثورة هناك. وقالت نسبة 40% تقريبا إنه كان صائبا، وقالت نسبة 30% تقريبا إنه أخطأ، وقالت نسبة 20%، وهي نسبة كبيرة، إنها ليست متأكدة.

وفي إجابة عن سؤال عن مساعدة الدول التي تحكمها حكومات مستبدة؛ لأن هذه الحكومات صديقة للولايات المتحدة، قالت نسبة 20% إنها تؤيد ذلك. لكن قالت نسبة 70% إنها ضد ذلك، وإن تنفيذ مبادئ الحرية والديمقراطية الأميركية يعلو على الصداقات والتحالفات، ولم تقل نسبة 10% رأيا محددا.

وفي مقابلة في تلفزيون «فوكس»، انتقد السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري من ولاية نورث كارولينا) أوباما، وقال إنه يجب أن يكون أكثر ثقة في تصريحاته عن الرغبة في تغيير النظام في ليبيا. وأضاف: «أحس بالقلق من أن الرئيس يتصرف كما لو كانت الدولة الرائدة في العالم الحر مصدرا للإزعاج. أحس بالقلق أن نجلس في المقعد الخلفي بدلا من مقعد القيادة». وقال: الرئيس حذر أكثر من اللازم.. هذه فرصة عظيمة للتخلص من «طاغية». وأشار غراهام، وهو عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إلى فرصة أخرى للتخلص من القذافي. وهي محاولة سابقة من الرئيس السابق ريغان لدور القذافي في الأعمال الوحشية، مثل إسقاط طائرة بان أميركان. وأوضح: «يجب استبدال هذا الخارج عن القانون الدولي عاجلا وليس آجلا».

وفي مقابلة في تلفزيون «سي إن إن»، قال السيناتور جون ماكين (جمهوري من ولاية أريزونا): على أوباما أن «يتحرك عاجلا» ضد القذافي، وإن العملية العسكرية ضده كان يجب أن «تبدأ في وقت سابق»، وكانت ستصبح «أكثر فعالية في إضعاف قبضة هذا الزعيم الغريب قبل أن ينشر قواته ضد المدنيين».

وفي مقابلة في تلفزيون «فوكس»، قال رئيس هيئة الأركان الأدميرال مايك مولن إنه يتوقع أن «الولايات المتحدة وقوات التحالف ستواصل التحليق فوق ليبيا، واستعمال صواريخ كروز ضد قوات القذافي خارج بنغازي». وقال: «بشكل فعال، لم يقدر القذافي على نقل أي شيء في اليومين الماضيين؛ لهذا أقول إن منطقة حظر الطيران التي كنا نريدها هي الآن منطقة حظر، وإن العمليات العسكرية سببت الاكتئاب، بشكل كبير جدا على قدرة القذافي».

وردا على سؤال حول قول القذافي إن الضربات الجوية الأميركية وقوات التحالف قتلت أكثر من 60 مدنيا، أجاب: «لم أسمع تقارير عن وقوع خسائر بين المدنيين». وأضاف: «نعمل جاهدين لتقليل الإصابات في صفوف المدنيين وإنهائها».