بريطانيا تسعى لإقناع أميركا بالعمل على إعادة بناء الدولة في أفغانستان بعد هزيمة طالبان

بلير يحث واشنطن على تجنب توسيع الحرب إلى العراق

TT

ذكرمسؤولون بريطانيون ان حكومة رئيس الوزراء توني بلير، اكثر حلفاء واشنطن نشاطا في الحرب ضد الارهاب، تحث ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش على تجنب توسيع الحرب الى العراق.

وذكر مسؤولون كبار في الادارة الاميركية وخبراء دفاع ان مجموعة محدودة من المسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون) وخبراء الدفاع خارج الحكومة يعملون على حشد التأييد لعملية عسكرية لاسقاط الرئيس العراقي صدام حسين في المرحلة الثانية من الحرب ضد الارهاب.

وعمليا فإن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير هو الاكثر نشاطا من الرئيس الاميركي بوش ذاته في محاولة شرح اهداف الهجوم على افغانستان واسامة بن لادن، ويحاول كذلك حث الادارة الاميركية على قبول فكرة رفضتها باستمرار هي مسؤولية بناء الدولة في افغانستان بعد هزيمة طالبان.

واوضح مسؤول بريطاني كبير ان الهدف هو «تطوير استراتيجية واضحة للاستقرار في حقبة ما بعد طالبان». واضاف ان الولايات المتحدة «بدأت ترى الحاجة لدور الامم المتحدة ولكن نقطة الانطلاق صعبة. ولكن من الافضل قيام الامم المتحدة بذلك بدلا من الولايات المتحدة». ويتعهد بلير من منطلق دعم التحالف الدولي ضد الارهاب ومحاولة ضمان عدم انفجار الاوضاع في بعض الدول غير المستقرة مثل باكستان، بتقديم مساعدات مهمة لافغانستان، من قبيل اعادة بناء الدولة وهو ما يكرهه الجمهوريون الاميركيون على الاقل عندما يفعله الديمقراطيون.

فخلال حملته الانتخابية ركز جورج بوش على انتقاد ادارة سلفه بيل كلينتون لمحاولتها تنظيم المجتمعات المحطمة، ولاسيما في مناطق لا تتعرض فيها المصالح الاميركية القومية لاخطار واضحة.

وللحد من الوجود الغربي في افغانستان ـ وتخفيف الاتهام بأن الغرب يسعى لفرض حكومة جديدة هناك ـ يعمل بلير ووزير خارجيته جاك سترو مع الاخضر الابراهيمي المبعوث الخاص للامم المتحدة في افغانستان. والابراهيمي وسيط جزائري يتمتع باحترام وقام بنفس العمل في الفترة بين عامي 1997 و1999، وقد اعاد الامين العام للامم المتحدة كوفي انان تعيينه في 3 اكتوبر (تشرين الاول) الحالي .

والفكرة كما يشرحها المسؤولون البريطانيون، هي ان يعد الابراهيمي خطة لتشكيل حكومة موسعة في افغانستان تضم مختلف القبائل بما فيها الجماعات المنشقة حديثا عن طالبان، وهو الامر الذي يمكن ان يرضي باكستان والهند وايران وروسيا والصين. وسيؤيد ملك افغانستان السابق محمد ظاهر شاه البالغ من العمر 86 سنة العملية ويدعو الى «لويا جيرغا» وهو لقاء تقليدي لزعماء القبائل لمنح الشرعية للحاكم الجديد.

وتتفق بريطانيا وواشنطن على انه لا يمكن السماح لقوات المعارضة الرئيسية (التحالف الشمالي) بملء الفراغ في مرحلة ما بعد طالبان.

وسيتولى الغرب دعم الحكومة الجديدة ببرنامج طويل المدى من المواد الغذائية وغيرها من اشكال المساعدات، وتوجيه النصح والغاء الديون، ويرتبط ذلك بخفض انتاج الافيون، ومحاولة منع افغانستان من السقوط في هوة الفوضى.

وكان الابراهيمي في لندن الثلاثاء الماضي والتقى بلير وسترو وكبار مساعدي بلير في مجال السياسة الخارجية.

وفي وثيقة استراتيجية بريطانية تم الكشف عن بعض محتوياتها لتهدئة الرأي العام العربي، اكد بلير ايضا الحاجة الى اعادة بناء افغانستان، وهو ما لا يهتم به المسؤولون الاميركيون اهتماما كبيرا مثل اهتمامهم بملاحقة بن لادن ومن يلجأ اليه. وذكر مسؤول بريطاني «نهتم ببناء الدولة، والا فسنعود مباشرة الى الفوضى». واشار الى اعتراف بلير في كلمته امام مؤتمر حزب العمال البريطاني الاسبوع الماضي، باخطاء التخلي عن افغانستان في عام 1991، بعد طرد الجيش السوفياتي. وكان بلير قد قال «لن نبتعد كما فعل العالم الخارجي مرات كثيرة من قبل»، مقدما بذلك ما يعتبر التزاما للشعب الافغاني.

وتتوقع الوثيقة الاستراتجية البريطانية وهي بعنوان «هزيمة الارهاب الدولي: اهداف الحملة»، برنامجا يستمر ما بين خمس الى 10 سنوات لاعادة البناء في افغانستان يتكلف 40 مليار دولار.

وذكر مسؤول بريطاني ان «العمليات العسكرية يمكن ان تمثل جزءا من استراتيجية»، مشيرا الى خبرات لندن مع الارهاب في ايرلندا الشمالية.

وقال المسؤول البريطاني «عليك الوصول الى جذور الاسباب» وهي سياسية، وهو سبب آخر يدفع بلير الى تأكيد التزام غربي جدي بعملية السلام في الشرق الاوسط. واوضح المسؤول «لقد ارتكب رجال بوش خطأ كبيرا في الابتعاد عن الشرق الاوسط في بداية عهد بوش.. نحن في حاجة الى الحفاظ على هذا التحالف».

ويحاول بلير التأثير على النقاش الحالي في واشنطن بخصوص مرحلة ما بعد افغانستان من هذه الحرب بالاصرار على ان توجيه ضربات عسكرية الى المنظمات والدول الاخرى التي تثبت مسؤولياتها عن احداث 11 سبتمبر (ايلول) واشنطن ونيويورك.

واكد المسؤولون البريطانيون انه لا يوجد دليل يربط العراق بما حدث في 11 سبتمبر، وإن كانوا يعترفون ان مثل هذا الدليل سيضع بلير في موقف محرج. واوضح مسؤول بريطاني كبير «اعلم ان هناك وجهة نظر يمينية سائدة في واشنطن ترى ان العراق يجب ادخاله طرفا. ولكن هذه قفزة كبيرة في المنطق، وقصف العراق من اجل هذا الهجوم سيكون امرا سخيفا. نحن في حاجة للتعامل مع الامر الذي هو بين ايدينا اولا، وهو اسامة بن لادن ومنظمته، وافغانستان ومستقبلها». واوضح المسؤولون ان اي عمليات موسعة ضد النظام العراقي يمكن ان تطلب عملية تعبئة واسعة للقوات وقد تقوض التحالف الدولي الحالي. وقد اعترف المسؤولون ان من بين اسباب اعتراض بلير بهذه الطريقة القوية على حرب جديدة ضد العراق محاولة تهدئة الآراء العربية التي اثارتها رسالة بعث بها المندوب الاميركي الجديد لدى الامم المتحدة جون نجروبونتي لمجلس الامن يحتفظ بحق بلاده في القيام بعمليات عسكرية ضد دول اخرى اضافة الى افغانستان.

وقال مسؤول اميركي كبير «لقد اتقن بلير لعبة الدبلوماسية. ان البريطانيين اكثر تركيزاً على مرحلة ما بعد طالبان وباكستان منا، ويساعدنا وقوفه في الواجهة لاختبار الوضع».

واضاف «تنقصنا بعض القرارات الهامة في واشنطن، ويعلم البريطانيون ذلك». ويحاول البريطانيون، طبقا لما قاله، «تأطير النقاش الاميركي، لانهم يشعرون ببعض الخوف فيما يمكن ان يؤدي اليه. ووجهة نظرهم اننا نفكر بطريقة تكتيكية وليس استراتيجية». وتابع «ولكن عندما يترسخ النظام العالمي الجديد سيريد البريطانيون التأكد من ان لهم موقعا هاما على الطاولة».

لكن مساعي بلير خصوصا في ما يتعلق بالعراق تصطدم بما يسمى في واشنطن باسم «مجموعة وولفويتز» في اشارة الى نائب وزير الدفاع بول وولفويتز. فلدى هؤلاء الخطوط الاساسية لاستراتيجة تسعى لاستخدام الدعم الجوي واحتلال جنوب العراق من قبل القوات الاميركية البرية وتولي جماعة عراقية معارضة في لندن مقاليد السلطة في حكومة جديد.

واضاف مسؤول اميركي كبير انه طبقا لهذه الفكرة، فإن القوات الاميركية ستستولي على حقول النفط حول البصرة في جنوب شرق العراق، وتبيع النفط لتمويل المعارضة العراقية في الجنوب والاكراد في الشمال.

واضاف المسؤول ان «عملية السيطرة لن تكون مختلفة عن المنطقة التي تم احتلالها في حرب الخليج».

والمجموعة متمسكة بموقفها رغم اعلان الرئيس بوش ان الحرب ضد افغانستان وشبكة القاعدة يجب اتمامها اولا. ويبدو ان مجموعة وولفويتز تستعد للنقاش المتوقع بخصوص المرحلة القادمة من الحرب.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»