مقربون من القذافي يبحثون عن «خروج مشرف» له.. والثوار يرفضون مبدأ التفاوض

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: مساع سرية بوساطة شخصيات غربية لوقف الضربات الجوية

متظاهر ليبي يحرق نسخة من الكتاب الأخضر أمام العلم الملكي الليبي في مظاهرة ضد معمر القذافي في مدينة بنغازي أمس (رويترز)
TT

كشفت مصادر ليبية رسمية عن مساع سرية يقوم بها مسؤولون في نظام الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، في محاولة للبحث عن مخرج من الأزمة الراهنة والحيلولة دون سقوط النظام.

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن القذافي، الذي هدد بهزيمة وسحق أعدائه وتحدي قوات التحالف الغربية قبل يومين فقط، عاد ليلمح عبر عدة اتصالات أجراها بعض كبار مسؤوليه مع عدة أطراف خارج ليبيا، عن استعداده للدخول في مفاوضات لمناقشة إمكانية تسوية الوضع الراهن. وقالت المصادر، التي طلبت عدم تعريفها، إن القذافي يعول كثيرا على الاستعانة بجهود بعض الشخصيات الغربية، التي ارتبط بعلاقات صداقة معها على مدى عقود، لإقناع المجتمع الدولي بوقف الضربات الجوية والانتقال إلى البحث عن حل تفاوضي.

وأوضحت المصادر أن القذافي يقدم خلال هذه الاتصالات عرضا مفاده أنه مستعد للجلوس إلى مائدة المفاوضات للبحث عن حل مشرف، لكن نفس المصادر لم توضح طبيعة هذا الحل وما إذا كان يتضمن تخلي القذافي عن السلطة التي يقودها منذ 42 عاما أم لا.

وأجرى موسى كوسا، وزير الخارجية الليبي، عدة اتصالات بمسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من بينهم جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية. كما علمت «الشرق الأوسط» أن سيف الإسلام نجل القذافي الذي لم يظهر علنا منذ بضعة أيام، ربما يكون قد غادر العاصمة الليبية طرابلس إلى خارج ليبيا، في مهمة سرية تتعلق بمحاولة تفعيل ما تعتبره طرابلس تسوية عاجلة وملحة للحيلولة دون تدهور الأوضاع السياسية والعسكرية.

ولدى نجل القذافي الذي لا يتولى أي منصب رسمي أو تنفيذي في الدولة الليبية، علاقات واسعة النطاق بعدد كبير من رجال الأعمال ورؤساء الشركات الغربية والأميركية، لكن سمعته على المستوى الداخلي تعرضت لأضرار كبيرة بعدما تراجع عن مشروعه الإصلاحي، واختار الاصطفاف إلى جانب نظام أبيه العقيد القذافي. وفي نفس الإطار، أجرى كل من موسى كوسا وزير الخارجية الليبي، وعمر أبو زيد دوردة رئيس جهاز الاستخبارات الليبية، بالإضافة إلى الدكتور شكري غانم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، عدة اتصالات مع مسؤولين في حكومات غربية وفي الإدارة الأميركية.

كما يستعد وفد ليبي رفيع المستوى يترأسه محمد أبو القاسم الزاوي، رئيس البرلمان، لمغادرة تونس التي وصلها قبل يومين سرا إلى جهة غير معلومة، علما أن الوفد يضم كلا من عبد العاطي العبيدي مسؤول الشؤون الأوروبية بالخارجية الليبية، ورفيق الزاوي مستشار السفارة الليبية في العاصمة البريطانية لندن، وأحمد صالح مستشار السفارة الليبية في العاصمة الأميركية.

وقال مصدر مقرب من السلطات الليبية لـ«الشرق الأوسط»، إن نظام القذافي يبدو مستعدا للقبول بإمكانية فرض حظر جوي طويل الأمد ضده، مقابل الوقف الفوري للضربات الجوية والصاروخية التي تتعرض لها قواته العسكرية وكتائبه الأمنية. وأضاف: «المطروح الآن هو إيجاد صيغة لوقف ما يجري على الأرض وفي سماء ليبيا، فاستمرار الوضع على ما هو عليه يحمل في طياته خطرا كبيرا على القذافي ونظامه».

وكان جان بينج، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، أعلن أن الاتحاد دعا مندوبين من حكومة القذافي والمعارضة الليبية وآخرين لإجراء محادثات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وأبلغ بينج الصحافيين في العاصمة الفرنسية باريس، أن القذافي قد يرسل الدكتور البغدادي المحمودي رئيس وزرائه، كما وجهت الدعوة أيضا لمسؤولين من الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودول عربية مجاورة للحضور إلى إثيوبيا لمناقشة الأزمة الليبية.

لكن مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني، المناهض للقذافي من مدينة بنغازي بشرق ليبيا، أعلن رفضه الدخول في أي مفاوضات مع القذافي، حسبما نقل مقربون منه لـ«الشرق الأوسط» أمس. وقال عبد الجليل: «على القذافي أن يتنحى أولا، ويتخلى عن السلطة ويتوقف عن قتل الشعب الليبي بآلته العسكرية، هذا هو شرطنا الذي لا نحيد عنه». وكان عبد الحفيظ غوقة، نائب عبد الجليل والناطق الرسمي باسم المجلس الوطني الانتقالي، قد نفى مؤخرا في مؤتمر صحافي في بنغازي ما تردد عن مساع يبذلها رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني لتنظيم مفاوضات سرية بين الثوار والقذافي. وقال غوقة إن المجلس والليبيين لن يقبلوا بأقل من محاكمة القذافي على ما وصفه بالجرائم التي ارتكبها ضد الشعب الليبي.

ومع ذلك، فقد تحدث مسؤولون من الولايات المتحدة ودول أوروبية ورجل أعمال مقرب من القيادة الليبية، عن أن أفرادا في الدائرة المحيطة بالقذافي يبعثون رسائل لجس النبض تطالب بوقف إطلاق النار أو خروج آمن من ليبيا. وأوضح روجيه تمرز، وهو رجل أعمال من الشرق الأوسط له باع طويل في إبرام الصفقات مع النظام الليبي، أن رسائل تسعى لشكل من أشكال الإنهاء السلمي للعملية العسكرية التي تدعمها الأمم المتحدة أو خروج آمن لأفراد من دائرة القذافي، أرسلت عبر وسطاء في النمسا وبريطانيا وفرنسا.

وقال تمرز إن سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي عديل القذافي، هما أهم أفراد الدائرة المقربة من القذافي الذين يسعون لإيجاد سبل لإنهاء القتال. وذكر مسؤول في الأمن القومي الأميركي، طلب عدم ذكر اسمه، عند مناقشة معلومات حساسة، أن وكالات حكومية أميركية على علم بأن سيف الإسلام والسنوسي يقدمان مبادرات سلام.

وذكر المسؤول الأميركي ومسؤول حكومي أوروبي يتابع الأحداث في ليبيا عن كثب، أن الحكومة الأميركية وحكومات أوروبية تقيم تلك المبادرات بحذر لكنها لا ترفضها تماما، مضيفا: «من الواضح أن بعض أفراد أسرة القذافي لديهم دائما خطة بديلة. ولا يعني هذا أنهم سيرحلون، ومن شبه المؤكد أن يتمسك أبناء القذافي بوالدهم المجنون بغض النظر عما يحدث».

وقال مسؤول الأمن القومي الأميركي: «ليس مستغربا أن يحاول أفراد في نظام القذافي إيجاد سبل لإنهاء هذا الوضع الفوضوي». وذكر تمرز أنه يعتقد أن سيف الإسلام والسنوسي وأفرادا آخرين في دائرة القذافي يقترحون وقفا لإطلاق النار أو خططا تمكن أفرادا من دائرته من الخروج سلميا إلى المنفى. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد أكدت في مقابلة مع شبكة تلفزيونية أميركية أنها على علم بأن القذافي يحاول إجراء اتصال، وقالت: «ليس لدي علم أنه حاول شخصيا الاتصال، لكنني أعرف أشخاصا يحاولون الاتصال بالنيابة عنه».

وأضافت: «هذا ما نسمعه من مصادر كثيرة، بعض هذه المحاولات مسرحية وبعضها نوع من المناورات، لكن بعضها كما نعتقد استكشافي.. ما هي الخيارات المتاحة أمامي، أين يمكنني أن أذهب وماذا أفعل؟.. ونحن نشجع هذا». وتعتبر هذه الاتصالات هي الأولى من نوعها منذ انطلاق العمليات العسكرية التي تستهدف إجبار القذافي على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي بشأن فرض حظر جوي على ليبيا.