سورية على طريق تهدئة الأزمة السياسية

الاضطرابات المستمرة تهدد رئاسة بشار الأسد وقبضة أسرته الحديدية منذ أكثر من 40 عاما

TT

حاولت الحكومة السورية التخفيف من حدة أزمة سياسية خطيرة تعتمل فيها، عبر إلقاء اللوم على عصابات مسلحة في مقتل 12 شخصا في مدينة اللاذقية الواقعة شمال غربي البلاد خلال الأيام الماضية، ووعدت بإنهاء العمل بقانون الطوارئ شديد القسوة الذي يسمح للحكومة باحتجاز أشخاص من دون توجيه اتهامات إليهم. ورغم الإعلان عن أن الرئيس بشار الأسد سيوجه كلمة إلى الشعب مساء أول من أمس، فقد بقي الرئيس بعيدا عن الأنظار، مثلما فعل خلال فترة الاضطرابات المستمرة لأكثر من أسبوع، والتي تهدد رئاسته القائمة منذ 11 عاما، وحكم أسرته المعتمد على قبضة حديدية ومستمر منذ أكثر من 40 عاما. وتشير الإحصاءات إلى أن 61 شخصا على الأقل قتلوا خلال الحملات القاسية التي تعرض لها المتظاهرون في الكثير من المدن.

طوال اليوم، خيم الهدوء على العاصمة دمشق، مما وفر مظهرا هادئا في وقت تتفاقم فيه الشكوك والمخاوف. وتزايدت بشدة التكهنات حول الصراعات الدائرة داخل المستويات العليا من الدولة السورية في الوقت الذي انسحب السوريون إلى داخل منازلهم، خشية اشتعال مزيد من المظاهرات وإراقة مزيد من الدماء. وسرت شائعات حول حدوث انقسامات داخل القيادة التي يغلفها قدر كبير من السرية مع إطلاق الحكومة رسائل متناقضة ما بين مساعٍ للتوصل إلى التسوية وتهديدات بشن حملات قاسية.

وألقت سحابة من التشوش والغموض بظلالها على ما تنوي الحكومة عمله إزاء قانون الطوارئ. يذكر أن مسؤولا حكوميا أخبر مراسلين في دمشق أن القانون سيلغى قريبا، لكنه لم يشرح ماذا يعني إلغاء القانون الساري منذ عام 1963، بالنظر إلى وجود الكثير من القوانين الأخرى المقيدة للحريات، ويضفي حصانة على الشرطة السرية.

عن ذلك أعرب رضوان زيادة، الناشط السوري المعني بحقوق الإنسان والخبير القانوني الذي يدرس حاليا بجامعة جورج واشنطن، عن اعتقاده بأن هذا الإجراء «لن يغير شيئا». الأمر المؤكد أن الأزمة كانت بعيدة تماما عن التسوية مع غروب شمس الأحد. من جهتها أغلقت القوات الأمنية والمؤسسة العسكرية اللاذقية بعد يوم من ذكر شهود وجماعات معنية بحقوق الإنسان أن قوات حكومية فتحت النار على متظاهرين. وجاء اشتعال أعمال العنف بعد أيام من المظاهرات في الجنوب، بدأت في مدينة درعا، حيث فتحت قوات حكومية النار على متظاهرين، مما أسقط عشرات القتلى. وبدأت المظاهرات بعدما ألقت الشرطة القبض واحتجزت مجموعة من الشباب الذين خطّوا على الجدران شعارات مناهضة للحكومة. ولا يزال الغموض يكتنف تفاصيل وقائع الاضطرابات وأعداد القتلى تحديدا بسبب منع الحكومة المراسلين الأجانب من الدخول إلى أو العمل داخل سورية. إلا أن منظمات حقوق الإنسان ذكرت أن إجمالي أعداد القتلى بمختلف أرجاء البلاد بلغ 61 حتى من قبل أن تبدأ أعمال القتل السبت.

وقال زيادة الذي أكد أنه ظل متابعا عن قرب الأحداث في سورية: «كان الوضع مرعبا داخل اللاذقية أمس، حيث سقط أكثر من 21 قتيلا». المعروف أن أسرة الأسد تمارس السلطة في البلاد عبر سلسلة معقدة من المصالح المتداخلة بين الطائفة العلوية التي تنتمي إليها وتشكل أقلية بين السوريين وعدد من الأقليات الدينية الأخرى، بينها المسيحيون وطبقة نخبوية من أصحاب الأعمال التجارية السنّة. وقد تشكل الانتفاضات المتوالية مصدر قلق وتوتر للقيادة بالنظر إلى اندلاعهما في مدينتين تعدان من معاقل النظام السوري. وجدير بالذكر أن درعا تقطنها أغلبية قبلية سنية شكلت منذ أمد بعيد قاعدة لتأييد الصفوة، وهي موطن عدد من القيادات الجوهرية داخل المؤسسة العسكرية والحكومة، بما في ذلك نائب الرئيس فاروق الشرع. أما اللاذقية فواحدة من الأماكن القليلة بالبلاد التي تضم أغلبية علوية. وحال انتشار الاضطرابات وامتدادها إلى المدن الكبرى، حيث تتمركز أغلبية سنية، قد يتزعزع استقرار النظام برمته، مثلما حدث في تونس ومصر اللتين أجبرتا رئيسيهما على الرحيل عن السلطة، وذلك حسب تقدير محللين.

وقال دبلوماسي غربي اشترط عدم ذكر اسمه حسبما يقضي البروتوكول الدبلوماسي: «لقد قضي الأمر، القضية كلها مجرد مسألة وقت. قد يتم الأمر خلال الأيام القلائل المقبلة على نحو أشبه بالحريق الهادئ، أو ربما على نحو مخبول على غرار ما يفعله القذافي. إن الوضع بالغ التوتر هنا، وهو أمر يمكنك استشعاره بسهولة».

وتعد الأزمة الاختبار الثاني والأشد خطورة أمام الرئيس الأسد، 45 عاما. كان شقيق الأسد، باسل، هو الوريث المرشح لخلافة والده حافظ، لكنه مات في حادث سيارة. في البداية جرى النظر إلى بشار الأسد، طبيب العيون الذي نال تعليمه في بريطانيا ولم يكن عمره يتجاوز حينها 34 عاما، كمحرك محتمل للتغيير بعد فترة حكم والده الذي اتسم بقبضة حديدية واعتمد على القوة والاستقطاب. إلا أن الكثير من وعود التغيير لم تؤتِ ثمارا، خصوصا في ما يتعلق بالتغيير السياسي. وأبقى حزب البعث في عهد بشار الأسد على احتكاره للسلطة، ولا تزال الدولة تعمل بالاعتماد على خمس وكالات استخباراتية على الأقل ومحكمة عسكرية وأخرى خاصة بأمن الدولة، والمادة 16 التي يقول زيادة إنها تنص على أن «موظفي الخدمات الاستخباراتية لا يحق محاكمتهم عن جرائم اقترفوها خلال عملهم». ومع ذلك تحيط الشكوك بمدى وحدة الصف الحكومي. عن هذا قال مايكل كيلو، المفكر والمنشق البارز: «هناك أشخاص داخل النظام يرغبون في فتح النار على المتظاهرين وضربهم وفعل أي شيء لقمعهم، لكنّ هناك آخرين أيضا في السلطة يرفضون ذلك. وهناك أشخاص في السلطة يرون أن مطالب المتظاهرين مشروعة».

من جانبه أعرب عمار قرابي، رئيس الاتحاد الوطني لحقوق الإنسان، عن اعتقاده بأن رأي النخبة داخل سورية منقسم إلى ثلاثة معسكرات: رأي أمني، وآخر حكومي، وثالث يخص حزب البعث. وخلال حديثه من القاهرة، أشار قرابي إلى صحيفة «الوطن» المملوكة لرامي مخلوف، ابن عم الرئيس الأسد، حيث نما إلى علم قرابي أنه تم استدعاء رئيس تحرير الصحيفة رباح عبد ربه الأسبوع الماضي إلى وزارة الإعلام وصدرت له أوامر بوقف الطبع في ذلك اليوم. وفي غضون نصف ساعة من مغادرته مقر الوزارة، استدعي لمركز للشرطة السرية، حيث صدرت له أوامر بالاستمرار في الطبع.

وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن 10 أشخاص على الأقل قتلوا في اللاذقية على أيدي «عصابات مسلحة». وجرى نشر أنصار للحكومة لنشر الرواية الحكومية التي تنفي فتح قوات حكومية النار. وخلال محادثات هاتفية مع أفراد داخل سورية، رفض كثيرون الحديث معللين ذلك بخوفهم الشديد، بينما نفى آخرون تنديدات سابقة لهم باستخدام الحكومة العنف. وقال محمد حبش، وهو رجل دين إسلامي معتدل وعضو بالبرلمان: «لقد كانت عصابة مسلحة جاءت بغرض السرقة وإحداث دمار»، متبعا بذلك النهج الخطابي الحكومي بعدما ندد في وقت سابق باستخدام العنف. وأضاف: «القتلى كانوا جزءا من هذه العصابة، وليس للأمر صلة بالحراك السياسي في سورية». من ناحيته قال زيادة إن الحكومة هددت أفرادا، وطرح نفسه كمثال. رغم أن زيادة يعيش حاليا في الولايات المتحدة، لكن أسرته تعيش في سورية، وقال مساء السبت إنه تلقى رسالة عبر البريد الإلكتروني، «تقول إن علي إبداء الحرص على والدتي. لقد كان أمرا مرعبا». وفي دمشق أخبرت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة بثينة شعبان حشدا من الصحافيين أن الرئيس سينهي قريبا قانون الطوارئ، ولم تحدد موعدا. إلا أن خبراء معنيين بالشأن السوري ذكروا أنه في الوقت الذي يعد إلغاء قانون الطوارئ مطلبا أساسيا للمتظاهرين، فإن هذا الإجراء بمفرده لا يوفر مساحة لحرية التعبير والتجمع وممارسة النشاط السياسي.

وقال جوشوا إم. لانديس، الخبير المعني بالشأن السوري ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة أوكلاهوما: «لدى سورية الكثير من القوانين داخل الكتب تسمح للشرطة بإلقاء القبض على الأشخاص الذين يسببون مشكلات للنظام أو يتجمعون من دون الحصول على تصريح».

* ليام ستاك أسهم في التقرير من القاهرة، وكذلك أسهم مراسل من دمشق.

* خدمة «نيويورك تايمز»