رجال القبائل اليمنيون يتخلون عن سلاحهم مؤقتا وينخرطون في «ثورة الشباب»

مستشفى ميداني وعيادات وعشرات الأطباء والممرضين يعملون ليل نهار في «ساحة التغيير»

يمنيون يتظاهرون خارج جامعة صنعاء أمس يطلقون هتافات تطالب برحيل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح (رويترز)
TT

تتفرد «ساحة التغيير» بصنعاء بتنوع اجتماعي وثقافي وسياسي طوال اليوم، وتكشف الساحة عن الصورة الإيجابية للمجتمع اليمني، خاصة ما كان ينقل عن المجتمع القبلي بأنه مجتمع بدائي وتنتشر فيها الثارات والحروب.

لقد ترك سالم القبيسي، وهو من المعتصمين من قبائل مأرب، سلاحه الشخصي الذي لم يكن يفارقه طوال حياته، وجمعته مع غريمه خيمة واحدة، يتقاسمان الطعام معا، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تركت سلاحي وجئت مع من كنت أعتبره عدوا بسبب قضايا ثأر، ولكن الآن أقاسمه لقمة العيش وتجاوزنا ما بيننا لأننا عرفنا أن من كان يغذي المشكلات بيننا هو النظام الذي كان يصرف لقبيلتنا السلاح من المعسكرات».

وينفي أن يكون مشتاقا إلى سلاحه الكلاشنيكوف. ويقول: «في قبيلتنا لم يكن يفارقني أينما ذهبت، لكني الآن لا أفتقده، وما أفتقده الآن هو أن نعيش في يمن مستقر وآمن تكون فيه العدالة للجميع».

في الساحة يشترك أغلب المعتصمين في كثير من الأنشطة اليومية مع خصوصية ينفرد بها بعضهم مثل البدو الرحل أو قبائل مأرب والجوف والبيضاء، يقول الشاب فارس الوليدي من أبناء ريمه وهو عضو ائتلاف يمن الحرية والكرامة إن «أغلب أوقات يومي أقضيها في متابعة ما يقدم على منصة الساحة كما هو حال أغلب المعتصمين». ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «أحاول أن أكون قريبا من المنصة لأردد الهتافات والشعارات التي تطالب برحيل النظام».

ويتابع: «أقضي مع أصدقائي طوال اليوم في فعاليات ثورية سواء في حضور الندوات أو المسرحيات في الخيام المتنوعة، كما نقوم بالتواصل مع شخصيات اجتماعية من منطقتنا لحثهم على الانضمام لثورتنا وتوضيح مطالبنا وأهدافنا وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يتلقونها من الإعلام الرسمي». ويؤكد الوليدي أن «الكثير من الشخصيات انضمت إلينا ونقوم باستقبالهم يوميا في فترة العصر ليكتشفوا حقيقة الأوضاع في مخيماتنا، وأننا شباب نريد الخير لبلادنا». وتنتشر الأطباق اللاقطة لبث القنوات الفضائية في معظم ساحة التغيير، فالجميع هنا يتابعون بشغف ما تنقله الفضائيات من أخبار عنهم، خاصة القناة اليمنية المعارضة «سهيل»، التي تبث من خارج اليمن، ويوضح أحد شباب الاعتصام وهو محمد الذيب أن «الملل والرتابة لا وجود لهما بيننا». ويتابع الذيب، وهو من سكان أمانة العاصمة: «لدينا أوقات نخصصها للمشاركة في لجان النظام والحراسة يوميا، وأوقات لمتابعة منصة الساحة، وفي الظهيرة وبعد تناول وجبة الغداء نتابع القنوات الفضائية التي تبث أخبارا عن ثورتنا، إضافة إلى أننا نقضي جزءا من الليل مع الأصدقاء في تأليف أغان ثورية وأناشيد تجسد أهدافنا».

كما لا يخلو يوم المعتصم من متابعة الصحف اليمنية التي يفترش كثير من الباعة الأرصفة لبيعها، وهي صحف أغلبها مستقلة ومعارضة، فيما تغيب الصحف العربية والأجنبية عن المتابعة، أما الكوادر الطبية في الساحة فإنها تعمل طوال 24 ساعة، في المستشفى الميداني أو العيادات الموزعة على الساحة، ليقدموا من خلالها الخدمات الطبية المتنوعة للمعتصمين أو للسكان المجاورين لساحة الاعتصام.

ويقول المسؤول الإعلامي للمستشفى الدكتور عبد الوهاب الانسي لـ«الشرق الأوسط» إن أكثر من 60 طبيبا وممرضا وصيدليا يناوبون طوال اليوم في الساحة، وأكثر من 200 عند حدوث طوارئ «وهذه الكوادر تقوم بواجبها الإنساني». ويتابع: «يوم الطبيب في ساحة التغيير مزدحم، فلدينا كوادر متنوعة في تخصصات كثيرة، خاصة الجراحة والحالات النفسية التي تصيب الضحايا بعد تعرضهم للاعتداء أو الإصابة ونقوم بمعالجتهم في عيادة الإرشاد النفسي، كما نقوم بمعالجة أهالي المنطقة وكل ما نقدمه مجانا».

أما المعتصمون من قبائل اليمن، خاصة من مأرب والجوف والبيضاء وخولان، فلهم خصوصية يتميزون بها عن غيرهم، يقول أحد مشايخ مأرب، الشيخ محمد بن سالم الشريف لـ«الشرق الأوسط»: «نقوم عادة بتأليف وتقديم المساجلات الشعرية والزوامل المتبادلة بين القبائل الموجودة في الساحة والتي تبلغ ذروتها من بعد الساعة الحادية عشرة ليلا». ويردف: «كما أننا نتابع الأخبار عبر القنوات الفضائية لمتابعة آخر الأخبار، فضلا عن المشاركة في المسيرات والفعاليات التي تدعو لها قيادة الثورة في الميدان». كما تردد في خيام بعض القبائل أغان ثورية باستخدام آلة الربابة التي يشتهر بها البدو الرحل، ويعتبر محمد المليكي من شباب الاعتصام أن وجوده في هذه الساحة «أروع أيام حياتي». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال معايشتي ووجودي الدائم في ميدان التغيير، شعرت بأهمية مشاركتي في بناء وطني، وأتمنى أن لا أفارق إخواني الذين بادلتهم الحب والإيثار، وعشنا أجمل أيام حياتنا». ويوضح حامد الصوفي أن يومه يبدأ من الساعة الخامسة مساء، حيث يستمع إلى ما يقدم على المنصة، وفيها يلقي أشعارا وكلمات واستقالات. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أهم الفعاليات التي أحرص على متابعتها هي الأمسيات الثقافية والفنية التي تقدم من بعد مغرب كل يوم، حيث تقدم فيها الأغاني والأناشيد الثورية والقصائد، وأقوم بالمشاركة في ترديد الهتافات مع المعتصمين إلى الساعة التاسعة»، كما يطوف الصوفي مع بعض المعتصمين في الساعة التاسعة مساء حول الساحة لترديد شعارات «لا أحمد ولا عمار برع برع يا استعمار».