وزير الخارجية الليبي المنشق «في مكان آمن» في لندن.. وهيغ يؤكد: لم نقدم له حصانة

محققون في قضية لوكربي يطلبون استجواب كوسا.. والنظام الليبي يقول إنه «مريض عقليا»

ثوار ليبيون على عربة استعداداً للتوجة الى الخطوط الأمامية لمواجهة قوات القذافي في ضواحي مدينة البريقة أمس (أ.ب)
TT

أحيا انشقاق وزير الخارجية الليبي موسى كوسا، أحد أقرب المقربين من الزعيم الليبي معمر القذافي، ووصوله إلى لندن مساء أول أمس، الآمال بأن تكون هذه «الضربة القوية» للنظام، كما وصفها وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أمس، بداية نهاية القذافي، ومؤشرا على أن المزيد من المقربين منه سيهجرونه. ورغم تأكيد لندن على وصول كوسا إلى البلاد عبر مطار فارينغدون، مساء أول من أمس، فإن مكانه لا يزال مجهولا، كما أنه لم يظهر إلى العلن بعد، ريثما ينتهي المسؤولون البريطانيون من استجوابه والتفاوض معه، كما أكد وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ.

وأكد هيغ، في مؤتمر صحافي عقده أمس، أن كوسا الذي قال النظام الليبي في طرابلس تعليقا على انشقاقه إنه يعاني من «مشكلات عقلية»، موجود «في مكان آمن»، لكنه ليس قيد الاعتقال. ورفض الإفصاح عن المزيد من المعلومات حول الوزير المنشق، ريثما ينتهي التفاوض معه. ونفى هيغ أن تكون بريطانيا قد أبرمت اتفاقا مع كوسا على الانشقاق مقابل منحه حصانة ضد الملاحقة القانونية في تهم جرائم ضد المدنيين ارتكبت في ليبيا، والتي بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا فيها. وقال ردا على سؤال حول إمكانية تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية «من المستحيل الضمان لكوسا أنه لن تتم ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية». وحرص هيغ في المؤتمر الصحافي على تكرار أن كوسا حضر إلى لندن بإرادته.

وكان كوسا طرد من العاصمة البريطانية حيث كان يترأس البعثة الدبلوماسية عام 1980، بعد أن أدلى بمقابلة صحافية قال فيها إنه وافق على قتل منشقين اثنين موجودين في لندن. وتوقع هيغ أن ينشق آخرون من الدائرة المقربة للنظام، أسوة بكوسا، إلا أنه رفض الإفصاح عن معلومات يمتلكها حول أسماء أشخاص يتوقع انشقاقهم. وقال «حتى ولو كنت أعلم بأن المزيد من المقربين من القذافي يريدون الانشقاق فإنني لن أعلن أسماءهم كي لا أعرضهم للخطر، لكني أظن أن هناك كثيرين يفكرون في الانشقاق». لكنه حث المقربين منه على تركه، وقال «أدعو المقربين منه إلى الانشقاق عنه. هو يسأل نفسه الآن: من التالي؟ على القذافي أن يرحل».

ونقلت أمس صحيفة الـ«إيفينينغ ستاندارد» البريطانية التي تصدر مساء، عن مسؤولين بريطانيين، أن المخابرات البريطانية تجري محادثات سرية مع 6 من المقربين من القذافي لحثهم على الانشقاق عنه.

إلا أن عدم ضمان منح كوسا حصانة ضد الملاحقة من الجرائم، قد يثني آخرين مقربين من القذافي عن الانشقاق عنه. وأوضح ناطق باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه مسألة حساسة للغاية، ونحن نناقش الأمر في الوقت الحالي إلى جانب الكثير من الأمور مع موسى كوسا». وقال «في المبدأ، نحن ندعو بشكل واضح المسؤولين الذين لا يزالون إلى جانب نظام القذافي، أن ينشقوا وينضموا إلى الشعب الليبي، وأن يفصلوا أنفسهم عن هذا النظام الذي ربط نفسه بجرائم ضد الإنسانية». وأضاف «رسالتنا هي أنهم كلما طال بقاؤهم إلى جانب النظام، تورطوا أكثر في الجرائم الحاصلة، في عيون الشعب الليبي وفي عيون المجتمع الدولي. وكلما بكّر الأشخاص بفصل أنفسهم عن هذا النظام، كان الأمر أفضل بالنسبة لهم». وشدد على ضرورة الحذر من عدم تشجيع «أشخاص هم ربما متورطون بشكل عميق (بالجرائم الحاصلة) على الإفلات من العقاب».

وليس المسؤولون البريطانيون وحدهم هم الذين يبدون رغبة في استجواب كوسا، فقد تقدم محققون في قضية لوكيربي في اسكوتلندا، بطلب إلى السلطات البريطانية أمس للسماح لهم باستجواب الوزير المنشق الذي كان يرأس المخابرات الليبية عندما وقع تفجير لوكيربي في عام 1988 والذي وقع ضحيته 270 شخصا. وأكد كاميرون في مؤتمر صحافي بعد الظهر، أن الحكومة البريطانية «ستتجاوب» مع أي طلب يقدمه القضاء الاسكوتلندي في قضية لوكيربي. وقال «التحقيق في قضية لوكيربي لم يغلق، والمحققون مستقلون تماما عن السلطة، وهم يتبعون الأدلة أينما كانت، وهذا ما يفعلونه، ونحن سنتجاوب مع أي طلب يتقدمون به».

وكان القضاء الاسكوتلندي قد وافق على إطلاق سراح الليبي عبد الباسط المقرحي، في أغسطس (آب) 2009، لأسباب صحية. والمقرحي هو الوحيد الذي أدين في عملية لوكيربي، إلا أنه يسود اعتقاد بأنه ليس الوحيد المسؤول عن الجريمة. لكن رغم إعادة فتح ملف لوكيربي، فإنه من المستبعد أن تعيد بريطانيا طلب المقرحي الذي لا يزال على قيد الحياة، رغم أن الأطباء قالوا إن لديه 3 أشهر فقط ليعيش عندما أطلقوا سراحه. وكان مسؤول بريطاني رفيع قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه يستبعد أن تطلب بريطانيا استرداد المقرحي حتى ولو سقط نظام القذافي. وقال إن كل الجهود «مركزة الآن على دفع القذافي إلى الرحيل». وعبر بعض أهالي ضحايا لوكيربي، الذين لم يقتنع الكثير منهم بأن المقرحي هو المسؤول عن التفجير، عن آمالهم في أن يفصح كوسا عمن كان حقيقة وراء العملية.

وكان كوسا قد غادر ليبيا إلى تونس «في مهمة دبلوماسية» كما أكد مسؤولون ليبيون، ومنها استقل طائرة إلى لندن. وسئل هيغ في المؤتمر الصحافي حول تفاصيل عملية تهريب كوسا إلى بريطانيا، وكيف تم ترتيب قدومه، فقال إنه لم يعلم بأنه سيسافر إلى لندن إلا «قبل وصوله بفترة قصيرة». وأضاف «علمنا قبل وقت قصير أنه يريد القدوم، بالطبع لم نناقش الأمر معه عبر الهاتف وهو في طرابلس لأن خطوط الهواتف مراقبة». وكشف هيغ أن كوسا كان نقطة التواصل بينه وبين النظام الليبي، وقال إنه تحدث معه عدة مرات خلال الأسابيع الماضية.

وفي طرابلس، أكد الناطق باسم النظام الليبي موسى إبراهيم «استقالة» كوسا الذي «يعاني من مشكلات صحية وعقلية». وفي مؤتمر صحافي عقده للحديث عن كوسا، بثه التلفزيون الليبي، قال إبراهيم متحدثا بالإنجليزية للصحافيين الأجانب الموجودين هناك «كوسا كان يعاني من مشكلات صحية في قلبه، وأيضا من مشكلات عقلية، وقد طلب الإذن للذهاب إلى تونس للعلاج وسمحنا له وكنا نتوقع عودته». وأضاف ردا على سؤال حول انشقاقه عن النظام والمخاوف من أن يفصح عن معلومات سرية «المعلومات المتوافرة لدينا أنه متعب واستقال، وهذا كل ما في الأمر. وحين يحصل شيء آخر، نتحدث عنه في حينه». وأضاف «نتمنى شفاءه، هو مواطن ليبي، وإذا ما تماثل للشفاء جسديا وعقليا فإننا نرحب به».

وأشار إبراهيم الذي كرر أكثر من مرة أن كوسا يعاني من مشكلات عقلية، أنه كان من المفترض أن يجري كوسا بعض اللقاءات مع مسؤولين في تونس، من بينهم رئيس المؤتمر الشعبي العام محمد الزوي. وردا على سؤال حول سبب إجراء اللقاء في تونس وليس طرابلس، قال إبراهيم «لأن تونس أكثر أمانا من ليبيا».

وسئل إبراهيم إذا ما كان هناك مسؤولون ليبيون آخرون في زيارات خارجية أو إلى تونس، وقد ينشقون، فقال «نحاول أن نتفاوض مع العالم، وهناك مسؤولون يغادرون يوميا ويعودون، خصوصا إلى البلدان الأفريقية، لأننا ندعم مبادرة الاتحاد الأفريقي. هناك المئات من السياسيين يغادرون البلد ويعودون بشكل يومي، وليس لدي سجل بأسماء كل من غادروا. أحيانا يغادرون لساعات، وأحيانا ليوم أو يومين».