«جمعة الشهداء» تتحول إلى يوم دموي آخر في سورية.. وسقوط قتلى وجرحى في درعا ومحيط دمشق

الأكراد ينضمون في القامشلي إلى المظاهرات للمرة الأولى منذ انطلاقها * متظاهرون في قرية أم ولد يحرقون مقرا لحزب البعث * رجال الأمن يطلبون الهويات والهواتف الجوالة من المصلين قبل دخول الجامع في حمص

TT

خرج السوريون من جديد إلى الشوارع، أمس، في «جمعة الشهداء» الذي تحول إلى يوم دموي آخر ذهب ضحيته الكثير من القتلى والجرحى على أيدي القوات السورية. وقالت وكالة الأنباء الألمانية إن 12 قتلوا أمس، 10 منهم في دوما القريبة من دمشق، واثنان في درعا، بحسب ناشط سوري تحدثت إليه عبر الهاتف رفض ذكر اسمه. وقال الناشط إن جميع الضحايا قتلوا برصاص قناصة.

إلا أن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن شاهد وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، أن ستة أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب العشرات بنيران قوات الأمن السورية خلال مظاهرات في مدينة دوما، وأن شخصا سابعا قتل في محافظة درعا. وأفاد الشاهد بأن عدد القتلى قد يتجاوز العشرة، إلا أنه أورد أسماء أربعة أشخاص فقط عُرفت هويتهم، وهم إبراهيم المبيض وأحمد رجب وفؤاد بلة ومحمد علايا. وأضاف الشاهد لاحقا أن بين القتلى شخصين من عائلتي عيسى والخولي. وأضاف: «سقط أيضا عشرات الجرحى، وقامت قوات الأمن باعتقال العشرات كذلك».

وذكر شهود لـ«الشرق الأوسط» أن امرأة توفيت في مدينة حمص أثناء ملاحقة الشرطة للمتظاهرين وإطلاق الرصاص عليهم. كما قال شهود آخرين أن قتيلا آخر سقط في بلدة داريا في ريف دمشق، حيث خرجت مظاهرات جرى تفريقها بالقوة. وقالت مصادر قريبة من السلطة في سورية إن الاعتصامات كانت سلمية في ساحة الجامع العمري في درعا، وكذلك في حي الصليبة باللاذقية، وفي ساحة السوق ببانياس، أما في دوما فكانت «مظاهرة عنيفة».

وفي تطور جديد، وصلت المظاهرات أمس إلى شمال شرقي البلاد حيث المناطق ذات الأغلبية الكردية، وخرجت مظاهرات في مدينة القامشلي من جامع قاسمو، بحسب ما نقلته المواقع الإلكترونية.

وبثت شبكة «شام» فيديو مظاهرة ظهر فيها العشرات في بلدة عامودا في القامشلي حمل فيها المتظاهرون لافتات تطالب بالعدالة والمساواة، وتهتف لفداء الشهيد بالروح وبالدم. وهذا أول تحرك للأكراد السوريين منذ انطلاق الاحتجاجات في 15 مارس (آذار) الماضي, ويأتي هذا التحرك بعد يوم واحد من إعلان السلطات السورية عن توجه الرئيس بشار الأسد لإعداد دراسة قانونية لحل مشكلة إحصاء عام 1962 في محافظة الحسكة، الذي حرم بموجبه آلاف الأكراد السوريين من الجنسية. وكان متوقعا أن لا يتحرك الأكراد بعد هذا الإعلان طالما طالبوا بحل هذه المشكلة التي كان يعتبرها البعض مستعصية، وقالت مصادر محلية إن عددا من التنظيمات الكردية تعاونت يوم أمس مع السلطات، وحاولت منع مشاركة الأكراد في المظاهرات الاحتجاجية.

وفي مناطق أخرى، بدا واضحا أن السلطات السورية حاولت إجهاض خروج المظاهرات التي تداعى إليها المتظاهرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي في الإنترنت، باعتبار يوم الجمعة «يوم الشهداء». وسارعت السلطات السورية إلى اتخاذ إجراءات استباقية مشددة في المساجد المتوقع خروج متظاهرين منها.

وحافظت درعا، التي تحولت مساء الخميس إلى مدينة أشباح، على موقع الصدارة في المظاهرات التي تشهدها البلاد، حيث تم منع المصلين من الخروج في مظاهرة من الجامع العمري بعد صلاة الجمعة، وتحدثت أنباء عن مواجهات أدت إلى سقوط عشرة قتلى من المدنيين. وتم تفريق المتظاهرين الذين عاودوا التظاهر في مناطق متفرقة. كما شهدت البلدات والمدن الصغيرة التابعة للمحافظة مظاهرات لنصرة درعا والدعوة إلى فك الحصار عنها وعن الصنمين، وخرج أهالي بلدات (مدين وجاسم ونمر والحارة) في مظاهرات تصدرها فتية صغار بصدور عارية يطالبون «بإسقاط النظام»، وهو شعار لم يسمع أمس في سورية سوى في درعا، بحسب المعلومات التي توفرت، بينما قالت مصادر من درعا إن المحتجين تمكنوا من إجبار قوات الأمن على الانسحاب، وتجمع الشباب بالآلاف عند البانوراما في حي المحطة.

وفي حمص، قالت مصادر محلية في مدينة حمص لـ«الشرق الأوسط»، إن رجال الأمن كانوا يطلبون البطاقات الشخصية (الهوية) والهواتف الجوالة من المصلين قبل دخول الجامع. وأضافت المصادر في اتصال مع «الشرق الأوسط» أجري من لندن، أنه جرى إطلاق نار في الهواء للتخويف بمجرد بدء الصلاة في جامع النور في حي الخالدية، الذي كانت من المتوقع خروج مظاهرة منه. وتابعت المصادر أنه بعد إطلاق الرصاص، ما كان ممن كانوا ينوون التظاهر سوى التفرق في الحارات، بعدما استحال التظاهر أمام الجامع الذي كان يحتشد فيه عدد كبير من المؤيدين الهاتفين «بالروح بالدم نفديك يا بشار». ثم توجه المحتجون ليجتمعوا في أمكنة أخرى، حيث تجمع قسم منهم عند القلعة وقسم آخر توجه إلى أحياء سوق الحشيش وباب سباع والسبيل والبياضة. وجرت ملاحقتهم من قبل الأمن الذين رافقتهم لجان شعبية مشكلة من المدنيين المؤيدين، وتم تفريق المحتجين بالقوة وكان هناك استهداف لكل من يحمل كاميرا، كما اتهم المحتجون عناصر الأمن ومن معهم من المدنيين بالقيام بأعمال تخريب وتكسير بهدف إشاعة مزيد الفوضى وتشويه صورة المحتجين.

ولاحقا أفاد شهود في وقت لاحق باعتقال نحو 12 شابا في حمص، وتبين أنهم من منطقة يبرود، وكانوا من ضمن المتظاهرين. وقد جرى اعتقالهم على مرأى من الجميع، وقال الشهود أيضا إن امرأة توفيت في حي دير بعلبة بحمص أثناء ملاحقة الأمن للمتظاهرين، كما شهد حي باب سباع في المدينة وحي السبيل والبياضة ودير بعلبة ملاحقات وأعمال عنف وإطلاق رصاص.

وفي دمشق، حصل مشهد مماثل، حيث منع خروج مظاهرة من الجامع الأموي، واحتشد المؤيدون في الخارج وسط وجود أمني كثيف. وكانت المفاجأة في جامع الرفاعي في ساحة كفر سوسة، حيث بثت مقاطع فيديو للمعتصمين داخل المسجد وهم يهتفون لنصرة درعا واللاذقية، مع هتاف جديد: «واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد». وقال شهود إنه كانت هناك إصابات بين المعتصمين، وظهر شخص تنزف الدماء من رأسه وكأنه تعرض لضربة من الخلف، في حين وقفت مجموعة من المؤيدين في محيط الجامع خارجا يهتفون مؤيدين للرئيس بشار الأسد.

ونقل عن شاهد عيان من جامع الرفاعي في دمشق ساحة كفرسوسة قوله إن المعتصمين قرروا البقاء بالداخل بعد تطويق المسجد، فأحضر الأمن الشيخ أسامة الرفاعي، الذي أعطى المعتصمين الأمان على أن يفضوا الاعتصام، وعند خروجهم استقبلهم الأمن بالعصي الكهربائية، وتم اعتقال الجميع.

وتحدثت مصادر عن محاصرة المعتصمين داخل الجامع، والقيام بضرب كل من يحاول الخروج. كما تواردت أنباء عن خروج مظاهرات في منطقة برزة وغيرها في ريف دمشق داريا، إلا أن الأعنف كانت في بلدة دوما، حيث خرج المئات في مظاهرة سلمية، وجرى إطلاق النار في الهواء لتفريقهم.

وقال شاهد عيان لقناة «الجزيرة»، إن قوات الأمن ترافقهم مجموعة من المؤيدين المدنيين هاجموا المتظاهرين وحاولوا تفريقهم، ولما فشلوا استخدموا القوة، وجرت مهاجمتهم بإطلاق النار والعصي والحجارة، وأنه رأى أمامه سقوط قتيلين، مؤكدا تأزم الوضع في دوما بعد ظهر أمس.

ووردت أيضا تقارير غير مؤكدة حول خروج مظاهرات في مدينة حماة، وأشارت التقارير إلى خروج مجموعة معدودة، هتفوا لنصرة درعا واللاذقية دون أن تسجل أي مواجهات.

أما المظاهرة الأكبر، فقد كانت في مدينة بانياس الساحلية التابعة لمحافظة طرطوس. وبحسب مصادر محلية أخبرت «الشرق الأوسط» في لندن، فإن بانياس «خرجت عن بكرة أبيها». وأشارت المصادر إلى أن المتظاهرين حملوا لافتات بيضاء كبيرة واضح أنه تم تجهيزها سابقا، وكتب عليها عبارات تطالب بالحرية، منها «الحرية للأبد هذا مطلب البلد» و«متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» و«فاقد الشيء لا يعطيه». وهتف المتظاهرون «يا بانياس ويا بانياس شعبك والله أرجل ناس» و«يا درعا.. يا درعا». ولم تسجل مواجهات في بانياس.

كما خرج المئات في مظاهرة في بلدة نبل التابعة لمحافظة ادلب لمناصرة درعا، وهتف المتظاهرون: «بالروح بالدم نفديك يا درعا» و«الله سورية وحرية وبس» و«وين الشعب وين». ولم تسجل أي مواجهات في المظاهرة التي أحاط بها شبان يركبون دراجات نارية وتقدمها ضارب على الطبل، بحسب ما أظهره فيديو بث على شبكة إخبارية على الإنترنت.

كما توجه الآلاف من بلدة جاسم لفك الحصار على بلدة انخل، على الرغم من ورود معلومات بوجود أمر لدى قوات الأمن بإطلاق الرصاص على كل من يخترق الحاجز الأمني، إلا أن فيديو بث في الشبكة أظهر المتظاهرين وهم يتقدمون بشكل سلمي، من أمام الحاجز العسكري، دون أن يحصل أي احتكاك مع الجيش، في حين هتف المتظاهرون: «الشعب والجيش إيد واحدة» كما قفز أحد المواطنين إلى إحدى المدرعات وقبل الجنود الواقفين عليها، ونزل سريعا لينضم إلى رفاقه ليهتف معهم: «سلمية، سلمية».

من جانب آخر، وردت معلومات عن قيام المتظاهرين في قرية أم ولد، الواقعة شرق درعا، بإحراق مقر تابع لحزب البعث. وفي مدينة نوى تظاهر نحو 10 آلاف شخص بعد صلاة الجمعة، وتوجهوا سيرا على الأقدام باتجاه درعا. إلا أن الأمن فرقهم في قرية الشيخ سعد، فأعادوا تجميع صفوفهم، وعادوا إلى مدينة نوى، وبدأوا اعتصاما مفتوحا في ساحة مسجد الحجر القديم في نوى، ورفعوا شعارات: «اعتصام حتى إسقاط النظام»، «بالدم بالروح نفديك يا درعا».