«الشرق الأوسط» تنفرد بنشر رؤية المجلس الانتقالي عن «ليبيا بعد القذافي»

الثوار تعهدوا بكتابة دستور جديد ونقل البلاد إلى مرحلة لا وجود لحكم الفرد فيها

TT

تعهد المجلس الانتقالي الوطني الليبي بإعادة بناء دولة ديمقراطية حقيقية في البلاد تستند إلى القانون والحريات العامة بعد سقوط نظام القذافي، وصياغة دستور للدولة يحدد طبيعتها وجوهرها ودورها ويرسم معالمها وشكلها وتركيب مؤسساتها القانونية والسياسية والمدنية التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وطرح المجلس الذي يترأسه المستشار مصطفى عبد الجليل، في مذكرة قدمها إلى مختلف الدول المشاركة في قوات التحالف الغربي حملت اسم «رؤية أسس الديمقراطية في ليبيا»، وتنفرد «الشرق الأوسط» بنشرها، رؤيته العامة لإعادة بناء الدولة الليبية الوطنية الديمقراطية، بشكل يواكب ما تقتضيه آمال وطموحات الشعب الليبي، وما تتطلبه هذه المرحلة التاريخية المهمة التي تمر بها ثورة 17 فبراير (شباط) من جهة أخرى.

وقالت المذكرة «إن الوقت قد حان لرسم الخطوط العريضة لملامح دولتنا الحديثة الحرة الموحدة، وذلك بعد أن زالت أجواء الخوف والقهر والاستبداد، وهزمنا جرائم التسلط والامتهان التي مارستها كتائب وعصابات نظام القذافي البغيض على امتداد عقود قاسية عجاف». وأشارت إلى أن التجربة التاريخية القاسية التي مر بها الشعب الليبي، علمته دروسا سياسية كثيرة، وأكدت دون شك أنه لا بديل عن قيام مجتمع التحرر والديمقراطية وسيادة مبادئ حقوق الإنسان.

ولفتت المذكرة إلى أن التجربة التاريخية علمت الليبيين أيضا ضرورة احترام المصالح الاجتماعية المختلفة لمجموع فئات وشرائح وطبقات بنائنا الاجتماعي الوطني، كما علمته أن تكون السلطة السياسية نتاج اختيار حر من الجميع دون إقصاء لأحد ودون مصادرة لصوت.

وشددت المذكرة على أن «السلطة لا بد أن تخضع لقواعد العقد الاجتماعي - السياسي الذي ينقلنا إلى المجتمع المدني، المتحضر الذي يعترف بالتعددية الفكرية والسياسية، ويعترف بانتقال السلطة بالتداول السلمي والمؤسساتي القانوني، وعبر صناديق الاقتراع، ووفقا لما تقرره مواد الدستور الوطني الذي تفرضه شرعية الاستفتاء والقبول والرضا العام من الشعب الذي لا صوت يعلو فوق صوته».

وقال المجلس إنه يضع جملة هذه المبادئ الديمقراطية كأساس لإعادة بناء الجمهورية الليبية الحرة الموحدة عبر الأخذ بمبادئ الديمقراطية السياسة الكاملة. وأعلن المجلس في مذكرته أنه يعترف دون تحفظ بالحقوق الآتية:

* صياغة وتبني دستور رسمي مكتوب للدولة، يحدد طبيعتها وجوهرها ودورها ويرسم معالمها وشكلها وتركيب مؤسساتها القانونية والسياسية والمدنية التشريعية والتنفيذية والقضائية. دستور يحدد واجبات وحقوق المواطنين بشكل واضح وصريح، ويستند إلى مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ويحدد العلاقة بينها بشكل مرن ومتوازن، وعلى مبدأ استقلالية القضاء وسموه، فلا صوت يعلو فوق صوت القانون، ولا سلطان على القضاء.

* تبني مبدأ الاختيار الحر والمباشر لكل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، أي تجسيد حق الانتخاب الحر والترشيح لرئاسة الجمهورية ومجالسها النيابية.

* ممارسة واحترام وضمان وكفالة حرية الرأي والتعبير والنشر، واستقلال الصحافة ووسائل الإعلام والاتصال في ظل ما يمليه الدستور والقواعد القانونية المنبثقة عنه.

* ضمان وكفالة حق الاحتجاج السلمي من تجمع وتظاهر واعتصام، في ظل ما يمليه الدستور والقواعد القانونية المنبثقة عنه، وفى ظل حفظ الأمن والنظام والسلم الاجتماعي.

* ضمان وكفالة حق تكوين التنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بشكل طوعي ومستقل، بما في ذلك تكوين الأحزاب السياسية والمنظمات الشعبية والنقابات والجمعيات والاتحادات والروابط السلمية والمدنية الحرة.

* إن هذه الدولة المدنية الحرة دولة المؤسسات والحريات والقانون، تتمسك بقاعدة التعددية الفكرية والسياسية ومبدأ تداول السلطة، فهي دولة تفتح مجال المشاركة السياسية الحقيقية على أكمل وجه.. مشاركة كل ألوان الطيف الوطني فئويا وسياسيا وجهويا وجنسيا وإثنيا في صناعة القرار السياسي وتنفيذه ومراقبته والاستفادة من ثماره ونواتجه.

وفي ما يتعلق بالربط بين الديمقراطية السياسية وقيم العدالة الاجتماعية، أوردت المذكرة النقاط التالية:

* النهوض بالاقتصاد الوطني والاستناد إلى المعرفة والبرمجة والتخطيط لانتفاع الشعب بفوائد ومخرجات الثروة الوطنية، وخلق وتقويم المؤسسات الاقتصادية الفاعلة لوضع حد للفقر والحاجة والعوز والفاقة والبطالة والتضخيم، والانتقال لمجتمع العافية والصحة والبيئة النظيفة والوفرة والرخاء.

* بناء دولة الشراكة الاقتصادية الحقيقية، بين قطاع عام قوي ومنتج وقطاع خاص حر ومبادر، ومجتمع مدني داعم وفاعل يقف في وجه الفساد واستنزاف الثروات.

* بناء دولة تعيد النظر بشكل علمي وبأسس مواكبة تطور العصر وتقدم التكنولوجيا والاستخدام الواسع للمعارف والعلوم في تنظيم الحياة الاجتماعية للحفاظ على القيم السامية للعائلة، وتصحيح العلاقة بين الجنسين، وإعادة النظر في مضمون التعليم والثقافة والإعلام بما يقتضيه تطوير وتقدم المجتمع وازدهار روح الإبداع، وتأكيد قوانين عادلة للأحوال الشخصية تكفل حقوقا اجتماعية كثيرة افتقدناها إبان فترة ظلام الديكتاتورية والاستبداد، وخلق مؤسسات وصناديق عامة وخاصة للرعاية الاجتماعية والتكامل والتضامن الاجتماعي، وضمان وكفالة حرية وحقوق المرأة بالقانون والدستور والمساواة في الفرص في كل المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

* إن الدولة التي نسعى إليها هي الدولة المدنية التي تحترم العقائد الدينية والمبادئ السامية لها، بعيدا عن التعصب والتطرف والعنف والتزوير الذي تقحمه المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية أحيانا. إن الدولة التي نرغبها تنبذ العنف والإرهاب والتعصب والانغلاق الثقافي. فهي دولة تحترم حقوق الإنسان ومبادئ وقواعد المواطنة وحقوق الأقليات والفئات المستضعفة. فالإنسان في ظل دولة المؤسسات والقانون، مخلوق حر طليق يتمتع بكل ميزات المواطنة بغض النظر عن اللون أو الجنس أو اللغة أو الاعتقاد أو العرق أو الوضع الاجتماعي.

وفي ما يخص علاقات مستقبل الدولة الليبية مع العالم، قال المجلس الوطني الانتقالي «إن دولتنا القادمة نسيج إطارها الديمقراطي بعلاقات إقليمية دولية متوازنة ورشيدة، تحترم الجوار وتشيد أواصر الصداقة واحترام استقلال وسيادة الدول، وتسعى لتحقيق التكامل الإقليمي والتعاون الدولي، وتسهم مع باقي المنظومة الدولية في تحقيق السلم والأمن الدوليين».

ولفت إلى أن هذه الدولة المنشودة تتمسك بقيم العدالة الدولية والمواطنة واحترام حقوق الإنسان، ولذا فهي تنبذ النظم الفاشية والديكتاتورية، وتشارك المنظومة الدولية في معاداة النزعات العنصرية بأنواعها والتمييزية العرقية، والإرهاب الدولي، وفي المقابل، تناصر قضايا السلم والديمقراطية والتحرر من كل أنواع التسلط والاستبداد.

وأكد مجددا أن هذه الدولة الديمقراطية تحترم كل المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تبرمها مع الشعوب والدول لغرض السلم والأمن الدوليين، وتحقيق التعاون والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم، مشيرا إلى أن ليبيا كدولة ما بعد سقوط القذافي ترعى بنزاهة وصدق مصالح وحقوق الرعايا والشركات الأجنبية المقيمة في إقليمها. وباعتبارها دولة المؤسسات والحريات والقانون، فهي تمتلك قوانين تنظيم الهجرة الشرعية والإقامة والجنسية، وتحترم مبادئ وحقوق اللجوء الإنساني عموما، كما ترفض في الوقت ذاته التدخل في شؤون الدول والشعوب احتراما لسيادتها واعترافا بحرية اختياراتها.