مطلب رحيل الرئيس يوحد اليمنيين في ساحات الاعتصام

تكافل اجتماعي واسع وذوبان للفوارق الاجتماعية والثأر القبلي

يمنية ترفع يدها بعلامة النصر وعلى كفها كتبت كلمة «ارحل» في مظاهرة تطالب برحيل الرئيس علي عبد الله صالح في صنعاء أمس (أ.ب.ا)
TT

يتحدى المعتصمون في ساحات التغيير والحرية في اليمن الوقت والأزمة التي عصفت بالبلاد بعد إعلانهم ثورتهم قبل أكثر من شهرين، وبين عاملي الزمن والأحداث اليومية التي يتعرضون لها تبرز الصور الاجتماعية التي جعلتهم مؤمنين بوصولهم إلى هدفهم مهما طال الوقت.

وهناك الكثير من القوافل الغذائية والاحتياجات الأساسية التي تصل إلى المعتصمين في كثير من المدن وتشمل مواد غذائية وبطانيات وأغطية وأدوية وخياما وغيرها، وفي «ساحة التغيير» بصنعاء، كما يقول صدام الحرازي وهو أحد المعتصمين، «إن التعاون فيما بين المعتصمين يبرز بشكل واضح». ويضيف لـ«الشرق الأوسط »: «التكافل فيما بيننا جعل من الساحة بيتا واحدا وأصبحنا أسرة واحدة رغم اختلاف مناطقنا، ومستوياتنا التعليمية والاجتماعية»، ويؤكد «لا نجد هنا أي حرج في أن يقدم أي شخص المساعدة لغيره بل إنني شاهدت مجموعة من الشباب وقت وجبة الغداء يدعون أشخاصا من الفئة الفقيرة، كانوا بالقرب منهم، ليتقاسموا الغداء معهم وهو مشهد جعلني أشعر بأن اليمن ما زال بخير». ويلعب التكافل فيما بين المعتصمين دورا كبيرا في بقاء الكثير من الشباب الفقراء في الساحة، ويقول عبد الملك الحيمي لـ«الشرق الأوسط»: «لولا مساعدة أصدقائي لما استمررت في الاعتصام، لأني عاطل عن العمل وأسرتي فقيرة، وبعد دخولي الاعتصام ساعدني بعض الأصدقاء في تقديم مساعدة مالية لي، واشتريت بها علب المياه التي أبيعها على المعتصمين وأكسب باليوم ما يعينني على مواصلة الاعتصام».

أما الناشط الحقوقي، عبد الرحمن برمان وهو من المعتصمين، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن أجمل شيء شاهده ويجسد التعاون الاجتماعي، هو «عندما يقدم الطعام رغم قلته وبساطته فإنك تلاحظ كيف يدعوك الجميع لمشاركتهم طعامهم والبعض يقوم ويحاول يجلسك مكانه، كما أن الكثير من الميسورين يجمع عددا من الشباب ويذهب بهم إلى أقرب مطعم ويطلب لهم الطعام ويقول اتركوا طعام الساحة لإخوانكم فهو قليل»، ويتابع: «تعكس هذه الصور الحس الحضاري للمجتمع اليمني وتبرز، أيضا، عندما يتسابق أبناء قبيلتين بينهم ثأر، على التبرع بالدم، لتختلط دماؤهم مع بعض، بعد أن كانوا يتربص بعضهم لبعض، في السابق لإراقة الدم».

كما تبحث كثير من الحركات الشبابية عن المعتصمين الفقراء خاصة ممن يأتون من الأرياف والمحافظات البعيدة، ويقدمون لهم الاحتياجات الضرورية وأهمها الغذاء، وتقول الناشطة غادة علي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تجلت الصورة الحقيقية للمجتمع اليمني في ساحة التغيير، هناك نساء فقيرات يأتين مع أولادهن للمشاركة في الاعتصام لكنهن يواجهن صعوبة توفير ما يعينهن على ذلك، لتجد كثيرا من فاعلي الخير يقدمون لهن المساعدة المالية والضرورية باعتبار أن هذه الثورة لا ترتبط بفئة معينة بل هي ثورة الشعب كله والجميع عليه المشاركة بقدر الاستطاعة».

وتضيف غادة: «جاءت إحدى النساء الكبيرات في السن وقدمت للمعتصمين مبلغا يقارب 1000 ريال يمني ما يعادل خمسة دولارات وأقسمت أنها لا تملك إلا هذا المبلغ لتقدمه لأجل الثورة».

وأذابت ثورة الشباب الفوارق الاجتماعية والمناطقية لتجعل ساحة الاعتصام موحدة في الهدف والمطالب وهو رحيل النظام كما يقول عمار الميموني، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لم نعد نعترف بالفوارق بيننا فنحن نحاول أن نقدم ما نستطيع من أجل نجاح ثورتنا، معظم من يأتي إلى ساحة الاعتصام يصرفون من أموالهم الشخصية وبدعم ذاتي منهم، كما أن الساحة أضافت إلى قائمتي أصدقاء جددا من مناطق مختلفة».

أما فيصل أحمد من «شباب الكرامة» فيقول لـ«الشرق الأوسط»: تقدم ساحات الاعتصام اليمن على حقيقته، وترسل رسالة إلى العالم كله أن اليمنيين ليسوا متخلفين أو همجيين، والشباب قدموا نموذجا فريدا في التكافل والتضامن فيما بيننا، ونحاول أن نزيل الصورة المظلمة التي رسمها لنا النظام في أذهان المجتمع الدولي». ويضيف: «لقد وجدنا في هذه الساحة ما كنا نبحث عنه، من المحبة والسلام، والتعاون من أجل مصلحة بلادنا، وجمعنا هدف واحد نحاول بكل ما أوتينا من أدوات وإمكانيات لتحقيقه».