ساحة التغيير في صنعاء جمعت الإخوان المسلمين مع الحوثيين والسلفيين والليبراليين

التسامح وأدب الاختلاف يجمع الأطراف المتناقضة فيها

TT

تضم ساحات التغيير بصنعاء الكثير من الأطراف المتناقضة في المجتمع اليمني جمعها هدف واحد، متجاوزة الاختلافات والكثير من صراع الماضي.

لقد كانت الصراعات الفكرية بين الاتجاه الإسلامي؛ الإخوان المسلمين والزيدية إضافة إلى الليبراليين هي ما تحكم علاقة هذه الأطراف.. ووصلت العلاقة في بعض الأحيان إلى المحاكم. لكن، ومنذ بدء ثورة الشباب وانضمام مختلف الأطراف هذه إلى ساحة التغيير، يتجاوز المختلفون كل صراعاتهم؛ فحزب الإصلاح الإسلامي الذي يوصف بأنه يحمل فكر الإخوان المسلمين يتجاور أعضاؤه مع الحوثيين وبجوارهم الليبراليون والسلفيون، إضافة إلى رجال القبائل ممن كانوا يسارعون إلى السلاح لحل مشكلاتهم.

الحوثيون الذين كانوا بالأمس يحملون السلاح ضد الدولة وضد جنود الفرقة أولى مدرع في صعده تجدهم في ساحة التغيير يقفون بجانب جنود من الفرقة ممن انضموا إلى ثورة الشباب للمطالبة بإسقاط النظام. كما يقوم جنود الفرقة على مداخل الساحة بحمايتهم إلى جانب آلاف المعتصمين.

ويعتقد الحوثيون أن اللحظة الفاصلة في تاريخ اليمن قد جعلتهم واثقين بأن رحيل هذا النظام هو رحيل للمشكلات والحروب التي صنعها طوال فتر حكمه، وقد تحدث أحد قيادتهم عبر مكالمة هاتفية من على منصة الساحة مؤكدا موقفهم الثابت مع دعم الثورة وداعيا أتباعه والمعتصمين إلى الصبر لتحقيق الهدف المنشود وهو رحيل النظام. ويؤكد حمزة حسين من «ائتلاف الأحرار»، وهو يجمع كثيرا من الزيديين والحوثيين: «لا يوجد هنا مشكلات ولا صراع مع الآخرين. لقد تجاوزنا ذلك، فلا مناطقية ولا مذهبية ولا حزبية تفرقنا.. الجميع يتفقون على رفع الظلم عن البلاد». ولا ينفي حمزة حدوث مشكلات مع الأطراف الأخرى، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «طبيعي أن تحدث مشكلات أو خلافات في وجهات النظر، لكن ذلك طبيعي بين الناس، لكن هدفنا فوق كل هذه الخلافات». ويوضح: «لن يقدر النظام على المراهنة على هذه الخلافات، لأنه يعرف جيدا ما الذي جمعنا، وكما اجتمعنا اليوم على هدف واحد وفي ساحة واحدة، فإننا قادرون على أن نبني وطنا للجميع».

وفي الاتجاه الآخر، يتفق أعضاء من حزب الإصلاح الإسلامي مع غيرهم من الحوثيين على أن النظام سعى بكل الوسائل لبث الشقاق بين مختلف شرائح المجتمع واستخدام سياسة «فرق تسد» من أجل الحفاظ على بقاء حكمه. ويقول خالد علاو، وهو من حزب الإصلاح: «لطالما كرس النظام ثقافة الكراهية وإثارة الخلافات والنزاعات في المجتمع»، ويقلل علاو من حجم الخلافات مع الزيدية: «الاختلاف هو في الفروع، وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وقد حاول النظام من خلال ذلك الاستفادة منها وكان يغذيها بشكل دائم، لكنه فشل في مواصلة هذه السياسة، لأننا اليوم مجتمعون على هدف واحد وقضية جامعة وهي إسقاط النظام الذي كان سببا في كثير من المشكلات».

ما يحكم العلاقة بين الأطراف المتناقضة في ساحة التغيير هو احترام الاختلاف ورأي الآخر، فلم يعد هناك وقت لمزيد من الشقاق والمشكلات، كما يقول قيادي في ثورة الشباب، فالجميع هنا يجتمعون على كلمة واحدة «ارحل». وبحسب علي الديلمي عضو اللجنة التنظيمية لساحة التغيير: «ساحة التغيير تجمع النشطاء الزيديين والحوثيين إضافة إلى الإخوان المسلمين والسلفيين والاتجاهات الليبرالية، وهنا ناشطون مستقلون. الناشطون هنا يمثلون اليمين واليسار والوسط».

ويؤكد الديلمي لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال وجود هذه الاتجاهات، قد يظن الكثير أنها عامل يفرق بينهم، لكننا أثبتنا للنظام وللجميع أن الاختلاف لا يفسد ثورتنا، وأن الثورة فوق الجميع وتتجاوز المشكلات بين مختلف الأطراف، لأن الوطن يسعنا كلنا ولا يمكن لأي طرف أن يلغي الآخر».

ويؤكد أغلبية المعتصمين، وهم من ائتلافات كثيرة تزيد على الخمسين ائتلافا، على أن الدولة المدنية الحديثة هي القادرة على جمع أبناء اليمن بمختلف الشرائح والأطراف، ويكون القانون والدستور الحكم في علاقتهم مع الدولة. ويوضح الديلمي: «متفقون على أننا بحاجة إلى دولة مدنية يسودها العدل والمساواة وكفالة الحقوق وفقا للدستور والقانون». ويشير إلى أن ساحة التغيير أفرزت «ثقافة احترام الرأي الآخر، وأعطت الناس مزيدا من الوعي بأهمية الشراكة المجتمعية».